صعد ##حزب العدالة والتنمية## إلي السلطة في تركيا في 2002 مقدما تيارات سياسية واجتماعية وسياسة خارجية جديدة في أرجاء المجتمع التركي. وتشير التقارير إلي أنه في ظل توجيه ##حزب العدالة والتنمية## أصبحت تركيا أكثر محافظة. وبينما أن المحافظة الاجتماعية ليست في حد ذاتها مشكلة إلا أن تحويل المجتمع بقوة الحكومة إلي مجتمع أكثر محافظة إنما يناقض مباشرة مفهوم الديموقراطية الليبرالية.
وثمة دراسة حديثة لبيناز توبراك من جامعة باهتشه شهير في أسطنبول بعنوان: ##أن تكون مختلفا في تركيا## تلقي الضوء علي دور ##الحزب## في تعزيز التيار المحافظ عبر المجتمع التركي. وتقول الدراسة: ##المحافظة الاجتماعية في تركيا تخلق بيئة من التمييز ضد الأتراك العلمانيين والليبراليين وخاصة المرأة.## ولسنوات طويلة كان الشعب يعرف الأتراك المحافظين علي أنهم تركيا ##الأخري## باعتبارهم جماعة تواجه تمييزا. ومع ذلك تثبت هذه الدراسة وجود ##آخر الآخر## أي الأتراك الليبراليين والعلمانيين خارج أحياء الطبقة المتوسطة بالمدن الكبيرة الذين يواجهون الآن تمييزا ضدهم من قبل موظفي الحكومة وأعضائها.
ويظهر هذا البحث أن الموظفين الذين تعينهم الحكومة إنما يعتمدون علي الأعراف الاجتماعية المحافظة الراسخة مثل ارتداء أغطية الرأس الحديثة إسلامية الطراز (##قبعة##) والامتناع عن تناول المواد المسكرة كمعايير للتعيينات والترقيات وتوزيع العقود الحكومية. ففي العام الماضي في أسطنبول تقدمت امرأة شابة من أصل مسلم ويوناني أرثوذوكسي مختلط لوظيفة بفرع الحكومة بمدينة اسطنبول التي يسيطر عليها ##حزب العدالة والتنمية##. وكما وصف لأحد كاتبي هذا المقال قيل للمرأة في المقابلة التي أجريت معها أن حكومة ##الحزب## سوف تقوم بتعيينها لو وافقت علي ارتداء القبعة. وعندما ردت بأنها أيضا يونانية أرثوذوكسية قيل لها:## أنت لا تحتاجين إلي التحول إلي الإسلام, كل ما تحتاجين إليه فقط هو تغطية رأسك.##
وشرب المسكرات هو قضية أخري, فبرغم أن قيادة ##حزب العدالة والتنمية## معروف عنها امتناعها عن شرب المسكرات إلا أن الشعب التركي منقسم حول هذه المسألة, حيث يعتقد البعض أن شرب المسكرات خطيئة طبقا للإسلام, بينما لا يؤمن آخرون بذلك. وبينما يستمر الجدل يطبق ##حزب العدالة والتنمية## سياسات لجعل المسكرات باهظة الثمن بصورة لا تحتمل وبالتالي بعيدة عن متناول كثير من الأتراك. والنقطة محل الجدل في تركيا ليست ما إذا كانت الحكومة تشجع أو تدين تناول المسكرات أو أنها تدافع أم لا عن حق المرء في أن يسكر, ولكن بالنظر إلي أن تركيا مجتمع ذو أغلبية مسلمة يشمل اتجاهات دينية وثقافية متنوعة حيال شرب المسكرات كما أن تركيا أيضا نظام ديمقراطي فإن القضية التي هي مثار الجدل الآن هي الحفاظ علي فكرة أن المواطنين في ظل نظام ديموقراطي ليبرالي أحرار في اختيار ما يشاءون لأنفسهم.
وكبداية فإن ارتفاع ضرائب ##حزب العدالة والتنمية## ضد المشروبات المسكرة لم يبد أنه مرتبط بمشكلة شرب المسكرات في تركيا, ففي الحقيقة كانت لدي تركيا تقليديا معدلات استهلاك منخفضة للمسكرات. وطبقا للبيانات التي قدمتها منظمة الصحة العالمية فإن معدل استهلاك كل فرد في تركيا في 2003 للمشروبات الكحولية كان هو 1.4 لترا في السنة. وفي نفس هذه السنة كانت تلك النسبة هي 10.9 لترا في بلجيكا و 9 لترا في اليونان المجاورة بل وحتي قطر كانت لديها معدلات أعلي لاستهلاك الفرد للمسكرات وصلت إلي 4.4 لترا لكل فرد, وهي نسبة أعلي من تركيا.
ورغم المعدلات المنخفضة تقليديا لتركيا في استهلاك المسكرات إلا أن ##حزب العدالة والتنمية## بعد وصوله للسلطة في 2002 قد تبني نظام ضرائب يسمي ضريبة استهلاك خاصة (SCT) علي المشروبات المسكرة. وقبل هذا كان يدفع الأتراك فقط ضريبة قيمة مضافة بنسبة 18% علي المشروبات المسكرة. علي أن هذه الضريبة الجديدة قد ثبتت عند حوالي 48% من تكلفة المشروبات المسكرة. ثم ارتفع المعدل بسرعة صاروخية مع وصول الضريبة الخاصة إلي 63% في .2009 وقد أصبح الحزب في مرمي النيران بسبب سياسته وفي 2010 تم إلغاء الضريبة الخاصة علي بعض المشروبات المسكرة مثل الخمر. غير أنه في نفس الوقت كانت الضريبة الثابتة علي الخمر قد ارتفعت مما عوض إلغاء ضريبة الاستهلاك الخاصة. كما أن الضريبة الثابتة علي زجاجة الخمر قد ارتفعت من 1.30 ليرة تركية إلي 2.44 ليرة تركية في .2020
وفي 28 أكتوبر فإن ضريبة الاستهلاك الخاصة لكل لتر راكي (المشروب التركي الأكثر شعبية) قد زادت مرة أخري إلي 51.5 ليرة تركية من 39.6 ليرة تركية. وهذا يعني أن الأتراك الآن عليهم أن يدفعوا ما يقرب من 35 دولارا لكل زجاجة لتر من الراكي. وبمقارنة هذا بالحد الأدني للدخل الشهري لما يقرب من 500 دولار في تركيا يتضح كيف أضحت المشروبات باهظة الثمن بصورة لا تطاق في ظل ##حزب العدالة والتنمية##.
غير أن مثل هذا الازدراء تجاه المسكرات لم يمر هكذا بلا عواقب, ففي 21 سبتمبر تم الهجوم علي زوار في معرض للفنون في أسطنبول لتناولهم المسكرات. علي أن كل الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم بعد الحادثة قد تم إطلاق سراحهم بعدها بساعات.
وسياسة ##الحزب## تجاه المسكرات هي الحالة محل الدراسة في التحول الاجتماعي لتركيا. فالحزب يغير تركيا الآن ليس بتغيير القوانين ولكن من خلال إجراءات إدارية, ومن خلال تطبيق قيم ثقافية انتقائية علي الدولة. علي أن مساعي ##حزب العدالة والتنمية## للتغيير الاجتماعي إنما تقلل حق المواطنين في الاختيار مما يدفع بالمجتمع باتجاه ##فرض التيار المحافظ.##
بيتر ليمونز إنترناشيونال