أعتقد أنه بعد مرور قرابة الشهر علي حادث القديسين فإن كل الأطراف باتت لديها القدرة علي النظر والفهم والتحليل بذهن أكثر صفاء وبعقل أرجح وبعاطفة أهدأ, بداية أؤكد أنني لم ولن أنظر إلي أية مشكلة أيا كانت من خندق الأقباط منفردين ولكني وإلي النفس الأخير سوف أظل أنظر إلي كل ما يؤرق الشأن المصري من خندق المصريين الحريصين علي مصر, ليست هذه مداهنة إعلامية ولكنها حقيقة لا ريب فيها داخل عقيدتي ذلك أنني أعتقد أن الإنسان لا يمكن له أن ينتمي إلي العدم وإنما يحتاج نفسيا لأن يكون جزءا من كل والكل في هذه الحالة هو ذلك الوطن البديع الجميل الرائع الذي يتباري أبناؤه في تقبيحه كما لو كانوا سينالون عن ذلك مكافأة, الخلاصة أنه لما كنت جزءا لا يتجزأ من مصر فإن أكثر ما يقلقني في هذه الدنيا هو مصلحة مصر وخيرها.
من هذا المنطلق لا من غيره أنظر للمسألة الطائفية وأبدأ النظر بسؤال حول الأحداث الراهنة, هل الاهتمام بالملف القبطي بعد حادث القديسين نطاعه وطنية؟ أقول من وجهة نظري كمصري لا بل هو عمل صائب وطبيعي.. لماذا؟ سأجيب علي هذا السؤال بفرضية ماذا لو أن هذا الحادث بحذافيره حدث في البرازيل؟ كان سيقال ما حاول إعلام مصر الحكومي هباء إقناع الناس به بأنه حادث إرهابي لا علاقة له بالطائفية ولكن في حالة البرازيل كانت هذه الأطروحة ستكون حقيقة بعكس مصر التي يعلم كل من يسكنها أن هذه الحوادث ليست غريبة عليها كما يدعي فاقدو الذاكرة ممن لا يعلمون أن السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات شهدت أحداثا مماثلة قام بها من الألف للياء مصريون, ولكن هذه ليست المشكلة الكبري فوجود جناح عسكري للمتطرفين الدينيين في مصر أمر لا يعيب الوطن بالضرورة إلي هذا الحد ولكن المشكلة الحقيقية التي تستند علي فتح الملف القبطي من الألف للياء هي فكرة القنبلة التي نهشت في ظهر البعير.
من المعروف في علم العلاج السلوكي أن الغضب عاطفة تراكمية أي أن نفس المؤثر قد يؤدي لنتيجتين مختلفتين بحسب ما سبقه من مؤثرات, فإذا قال قائل إن غضب أقباط مصر كان مبالغا فيه فعليه أن ينظر للصورة كاملة منذ تقرير العطيفي الذي كتب في أوائل السبعينيات ولم يأبه بما فيه أحد, لقد كتبت سابقا في هذه الجريدة الغراء عن موضوع الميراث وهو جزء من موضوع الأحوال الشخصية الذي هو جزء من ملف هموم أقباط مصر التي تجعلهم باستمرار في حالة احتقان نفسي, وعلي الجانب الآخر يوجد الكثير من أبناء مصر في حالة احتقان مضاد, الحقيقة أن كثيرا من مفكري مصر أنصفوا في دراسة هذا الموضوع وعرضوه بموضوعية وحيادية ولكن أحدا لم يتدخل علما بأن التدخل الإيجابي بإرساء قواعد الدولة المدنية حقيقة لا علي الورق عوضا عن الدولتين الدينيتين المتداخلتين سيريح الطرفين اللذين يكونان مصر, مصر التي في خاطري وفي دمي, بشرفي أعني هذه الكلمات.