جمع الشاعر الناقد الكبير الدكتور كمال نشأت ما استطاع جمعه من الدراسات والمقالات التي كتبت أصحابها عنه شاعرا وناقدا وبلغ مجموعهم31ناقدا وأديبا وصحفيا عبر 60سنة, وطبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2009 تحت عنوان:كمال نشأت شاعرا,وهذا الكتاب الذي طبعته الدولة تكريما لشاعرنا الكبير يعد إنجازا مهما لمن يريد الرجوع إلي كمال نشأت شاعرا وناقدا في مدي طويل من الزمن,فقد يسر شاعرنا لمن يريد الكتابة عنه عبر جيلنا والأجيال القادمة المادة الصالحة لدراسته,فقد سبق أن كرمته الدولة بطبع إبداعاته في جزءين ضما قدرا كبيرا من أعماله الشعرية, وجاء كتابه الجديد الذي يعتبر دراسة عنه, وفي الوقت نفسه يعتبر مرجعا لتطور الشعر المصري الحديث خاصة نواحي التجديد فيه,وقد كتب دراساته ومقالاته مجموعة من أكبر أدباء ونقاد مصر منهم: الدكتور أحمد زكي أبو شادي مؤسس مدرسة أبوللو الشعرية التي تأثر بها كمال نشأت ,ووزير الثقافة الراحل الدكتور أحمد هيكل الذي كتب دراسة قارن فيها بين كمال نشأت وشاعر إسبانيا الكبير لوركاإلي شيخ النقاد الدكتورمحمد مندور الذي كتب دراسة رد فيها علي اللجنة التي شكلتها وزارة الثقافة لجمع تراث الشاعر إبراهيم ناجي عنوانها:شعر ناجي وكمال نشأت وقدرة النقد علي التمييز بينهما, حيث بين أخطاء اللجنة التي أخطأت وضمت لناجي 17قصيدة من شعر كمال نشأت إلي ديوان إبراهيم ناجي حين أرادت الدولة تكريم ناجي,كما كتب الشاعر الناقد فاروق شوشة مقالا عن كمال نشأت حدد فيه وضعه كشاعر رائد لعب دورا واضحا في تطور الشعر المصري الحديث, وهناك مقالات ودراسات عديدة كتبتها مجموعة من أساتذة الجامعات المصرية تحدد مكانته الشعرية كأحد الرواد اللامعين.
رياح وشموع
في حديث أذاعه الدكتور أحمد زكي أبو شادي من إذاعة صوت أمريكا عام 1951 تحدث عن ديوان رياح وشموع لكمال نشأت معلقا علي مواهبه من ذلك الديوان قصيدة ذكريات القريةالتي يقول فيها الشاعر:
كانت لنا في القرية الغناء أيام عجيبة
ولت كما ولي الهناء مخلفا فيها ندوبه
يقول زكي أبو شادي في هذه القصيدة الرومانسية الشائقة التصوير,العابقة بأنفاس الريف دون أن تحجب دموعه وآلامه ودماءه,نجد العواطف المنوعة متزاحمة تزاحم الصور المعروضة التي تنبض بالأخيلة والأحاسيس ونوازع الحياة, إنها قصيدة من أجمل شعر الريف الحديث,وهي في الوقت ذاته قصيدة وطنية إنسانية,ومن نماذج الشعر الحر الرفيع الذي نعشقه.
أنشودة الطريق
وفي دراسته لديوانأنشودة الطريقيقول الدكتور أحمد هيكل:تذكرت شاعرا إسبانيا العظيم جارثيا لوركاوأنا أقرأ ديوان شاعرنا النابه كمال نشأت ,بل إن إحساسي بلوركا وأنا أعيش مع نشأت في أنشودة الطريقلم يكن تذكرا عابرا, وإنما كان إلحاحا ملازما,حملني حملا علي أن أفكر فيما قد يكون بين الشاعرين من أوجه شبه,وبعد استرجاع لما أعرف من شعر لوركا ولما بين يدي من شعر نشأت خرجت بنتيجة أرجو أن تكون علي حظ من الصواب,تلك النتيجة هي أن أكثر شعر نشأت بعد تطوره في أنشودة الطريق يشبه في ملامحه شعرلوركا, فهذا وذاك شعر لايعتمد علي المذاهب الأدبية بقدر ما يعتمد علي الأصالة الشعرية,وهذا وذاك شعر لايجري وراد اتجاه غربي أو شرقي, بقدر مايتجه إلي الصدق الفني,ثم هو بعد إرساله يتسم بالطابع المحلي الحبيب,ولا يجانب الاتجاه العالمي الصحيح .
فكمال نشأت فيأنشودة الطريقكلوركا يتحدث عن نفسه وشعبه,في حياته الوادعة والمكافحة, في أمله وفي ألمه, في بيته وفي حقله,في قريته وفي مدينته في هدهدته للأطفال ومصارعته للطغاة.
ستون عاما من الشعر:
تحت هذا العنوان كتب الشاعر الكبير فاروق شوشة يقول:في مستهل الخمسينيات كان جيلنا يتابع عددا من القصائد, تلتمع علي صدر الصفحات الأدبية,وتحمل مذاقا شعريا جديدا ومختلفا,البعض يري فيها التحرر من أسر القصيدة الرومانسية التي أرساها شعراء أبوللو الكبار:إبراهيم ناجي, وعلي محمود طه, ومحمود حسن إسماعيل, وغيرهم,وآخرون يرون فيها البدايات الأولي لإشراق حركة شعرية جديدة, هي بمثابة البواكيد في حركة الشعر الجديد أو الشعر الحر أو التيار الواقعي في الحركة الشعرية الحديثة. وكان أصحاب هذه القصائد يحرصون علي إثبات إنهم أعضاء في رابطة النهر الخالد,التي لم يميز الناس منها إلا ثلاثة هم فوزي العنتيل ومحمد الفتيوري , وكمال نشأت.
ويضيف:كان كمال نشأت يمتح من ينبوع مغاير عن الفيتوري والعنتيل هو وجدانه السكندري أولا,القاهري ثانيا,ويبدع بلغته الفراشية وإيقاعاته الجياشة بالنغم الشجي,قصائده التي سيضمها ديواناه:رياح وشموع, وأنشودة الطريق,وكان الثلاثة بالنسبة لنا -نحن المنبهرين والمتابعين والمتأملين لمسار الحركة الشعرية- وعودا كبري لشعر المستقبل, وإن هي إلا سنوات قليلة حتي أصبح ثلاثتهم أو سمة علي صدر الحياة الشعرية,منجرفين في المد الشعري كحركة الشعر الجديد,وإن كانوا حراصا بين الحين والحين,علي إيقاظ النغم العمودي للقصيدة تعبيرا عن تكوين شعري راسخ الدعائم.
خواطر وملامح
ويمتد الحديث عن كمال نشأت خارج مصر عندما نقرأ دراسة بقلم الدكتور حسين خراسي الأردنيلقي فيها الضوء علي أدوار كمال نشأت الأخري في الحياة الثقافية بجانب كونه شاعرا, فنراه يقول:كمال نشأت ليس شاعرا فحسب, ولكنه باحث أكاديمي أيضا وأستاذ جامعي ومؤلف لدراسات في النقد وتاريخ الأدب الحديث,والسؤال هنا:إلي أي حد أثرت هذه الأكاديمية والأستاذية في شعر شاعرنا إتجاها وفنا,أو معني ومبني؟الواقع من غير إطالة أن شاعرنا يحمل بين جنبيه قلب الشاعر وعقل المفكر, ولعلي أجازف فأقول أن الشاعر الفنان والأكاديمي الباحث امتزجا في نفس كمال نشأت امتزاج الهيولي بالصورة, من غير أن تستبد إحدا هما بالأخري.
رفيقة الدرب:
ونختتم هذه القائمة من كوكبة مبدعينا ونقادنا بالحديث عن علاقة الدكتور كمال نشأت والكاتب الصحفي الكبير صبحي شكري صاحب باب فكر وأدببجريدتنا وطني لسنوات عديدة..والقاريء لهذا الدراسة التي وردت بالكتاب تحت عنوان: د.كمال نشأت..ورحلة شعر بين ماذا يقول الربيع وجراح تنبت الشجر.. يقف علي أبعاد هذه العلاقة الوطيدة بين كلا الراحلين الكبيرين,حيث يجتر صبحي شكري الذكريات التي جمعتهما منذ أن كانا زميلين في رحاب جامعة الإسكندرية في الأربعينيات,كان د. كمال نشأت في السنة الثالثة بكلية الآداب قسم اللغة العربية, وصبحي شكري في السنة الأولي قسم التاريخ بنفس الكلية.
يقول صبحي شكري: كانت لي ميول أدبية وحب الشعر منذ المرحلة الثانوية,ومن هنا كان إعجابي بكمال نشأت الذي كان الشاعر المفرد في أمسيات رائعة بحدائق الأمير طوسون التي كانت ملحقة بمكتبة جامعة الإسكندرية, ويبدأ موسم هذه الأمسيات بمقدم فصل الربيع, وجمعتنا صداقة لاتزال حتي اليوم, تلك الأيام التي شهدت شبابنا البكر ومشاعرنا العذرية في المدينة الجميلة التي عشقناها وعشقها معنا الكثيرون مصريين وأجانب علي مر العصور,وفي القاهرة كانت لنا أمسياتنا الحلوة نحضر معا الندوات الأدبية في رابطة الأدب الحديث,وفي جمعية الأدباء وليالي الحسين في شهر رمضان .
رحم الله كمال نشأت وصبحي شكري اللذين ستظل أعمالهما شاهدا علي الصدق والخير والجمال…