مازلنا نتأمل مزمور 78, وهو مزمور تاريخي يعاتب فيه المرنم شعبه الذي لم يشكر الله علي معجزاته المتنوعة الكثيرة, فإنهم لم يشكروه علي معجزة الخروج (آيات 40-53). ويشرح لهم كم عصوه (آيات 40-43). كلما ضاعف الله إحساناته لبني إسرائيل ضاعفوا عصيانهم وتذمرهم. عصوه, وأحزنوه, وارتدوا عنه وجربوه وعنوه (أغاظوه) ونسوا أفضاله, مع أنه أجري المعجزات الخارقة ضد مصر, أكبر إمبراطورية في وقتها, وعاصمتها صوعن. ويعدد المرنم الضربات التي أنزلها علي مصر (آيات 44-51). فيذكر المرنم سبع ضربات حلت بمصر بغير ترتيب وقوعها, فيبدأ بتحويل الماء إلي دم (الضربة الأولي خر7:20), والبعوض (الضربة الثالثة خر 16:8) والضفادع (الضربة الثانية خر8:2), والجردم (الجراد في طور اليرقة) والجراد (الضربة الثامنة خر10:12), والبرد (الضربة السابعة خر9:18), وموت المواشي (الضربة الخامسة خر 9:3),وموت الأبكار (الضربة العاشرة خر11:5).
ثم يذكر معجزة الخروج (آيتا 52, 53). وقد سجل الوحي حدوثها في سفر الخروج (خر15:13-17, 22). وما أعظم الفرق بين ما انتهي إليه شعب الله وما وصل إليه جيش فرعون.
وفي آيتي (54 و55) من مزمور 78 يذكر بالشكر أن الرب لم ينس وعده الكريم,وبالرغم من كل عصيان ادخل الله شعبه الأرض المقدسة التي وعد بها إبراهيم بحسب أمانته التي لا تتغير,ولأنه يريد أن يقيم فيها هيكه المقدس الذي بناه سليمان, كما قالت ترنيمة مريم: تجئ بهم وتغرسهم في جبل ميراثك. المكان الذي صنعته يارب لسكنك المقدس الذي هيأته يداك يارب (خر15:17). وقال يشوع وهو يقسم الأرض للأسباط: قسمت لكم بالقرعة هؤلاء الشعوب الباقين ملكا حسب أسباطكم من الأردن وجميع الشعوب التي قرضتها والبحر العظيم نحو غروب الشمس (يش23:4). ولكنهم عصوا الله (آيات 56-58). وضلوا زمن حكم القضاة,وانحرفوا عن الهدف الذي أوجدهم له,وعبدوا الأوثان.
وأوقع الله العقاب بالعصاة (آيات 59-67). كانت شيلوه عاصمة سبط أفرايم,وفيها وضع تابوت العهد في خيمة الاجتماع التي عملها موسي. وسبب اختيارها لإقامة التابوت أن يشوع قائد الشعب كان من سبط أفرايم. وبهذا أكرم الرب هذا السبط. ولكنه ارتد عن عبادة الرب,فرفضه الرب لأنه انقلب في حربه الروحية وضل عن العبادة الصحيحة. ورفض الله خيمة شيلوه,حيث أقام تابوت العهد نحو ثلاثمائة سنة (آية 60), وسمح للتابوت أن يذهب إلي السبي (آية 61),وقتل الكاهنان حفني وفينحاس ابنا عالي رئيس الكهنة (آية 62, 63أ – انظر 1 صم4:17),ومات الشباب بيد الأعداء فلم تجد العذاري أزواجا,ولم تبق في عيون الأرامل دموع لكثرة ما بكين (آية 63ب,64).
وبالرغم من كل هذا الارتداد لم يترك الله شعبه, بل هب لنجدتهم. ويصور المرنم هذه الهبة (آية 65) بتشبيه غريب, فقد شبه الله بجبار جعلته الخمر يصرخ للنزال والقتال (آية 65) ليوقف الظلم عن شعبه, وليجري تغييرا في سياسة البلاد,فيرفض خيمة الاجتماع التي أقيمت في شيلوه في أرض سبط أفرايم بن يوسف,لأنه اختار سبط يهوذا.
ويختم المرنم مزمور 78 بأربع آيات (هي آيات 68-72) تتحدث عن بداية جديدة:
1- اختيار سبط يهوذا: (آيتا68, 69). أوقف الله النظام القديم وأبدله بنظام جديد, فحل سبط يهوذا محل سبط أفرايم,وحل جبل صهيون في أورشليم محل مدينة شيلوه القديمة,وعلي المرتفعات المقدسة أقام هيكل سليمان.
2- اختيار داود: (آيتا 70, 71). ولتبدأ هذه البداية الجديدة اختار الله داود راعي الأغنام المتواضع, كما سبق أن اختار إبراهيم وموسي وأضفي عليهما شرف خدمته,وأنعم عليهما أن يكونا بناة عهد جديد من العبادة المخلصة لله. وأقام لهم داود ملكا,الذي شهد له أيضا إذ قال: وجدت داود بن يسي رجلا حسب قلبي, الذي سيصنع مشيئتي (أع 13:22). وهكذا انتقل داود من رعاية أغنامه ليرعي شعب الله في سبل البر,كما قال له رؤساء الشعب: قال لك الرب: أنت ترعي شعبي إسرائيل,وأنت تكون رئيسا لإسرائيل (2صم5:2).
3- داود يرعي الشعب: (آية 72) رعي داود شعبه حسب كمال قلبه وحسب مهارة يديه,حتي قال الرب لسليمان: سلك داود أبوك بسلامة قلب واستقامة (1مل9:4). وسار سليمان أول الأمر في خطوات داود أبيه,فطلب من الله قلبا فهيما: لأحكم علي شعبك وأميز بين الخير والشر (1مل3:9), فأعطاه حكمة وفهما كثيرا جدا (1مل4:29).
ولابد أن الله أكرم القارئ الكريم ببركات مادية وروحية كثيرة,فلنشكر الله ولنعش في طاعته,ولنكن مخبرين بتسابيح الرب وقوته وعجائبه التي صنع… لكي يعلم الجيل الآخر (مز78:4, 6).