في تأملاتنا في سفر المزامير, تأملنا يوم الأحد الماضي مزمور 77 الذي كتبه المرنم في وقت خراب كان قد حل ببلاده, وسبي الكلدانيون شعبه, فصرخ وهو يعرض مشكلته علي الله وانتظر الإجابة. قال: صوتي إلي الله فأصرخ, صوتي إلي الله فأصغي إلي (آية1). فقد استجاب الرب لشكوي المرنم وأنقذه من كل ضيقاته, مع أنه قال إن الرب لم يعد يرحم, متسائلا: هل انتهت إلي الأبد رحمته؟, هل انقطعت كلمته إلي دور فدور؟ (آية8). وعندما استجاب الرب لصرخة ألم المرنم وأنقذه, اعترف المرنم بفضل الرب, وأعلن أن:
1- حل مشاكله عند إله العجائب: أذكر أعمال الرب, إذ أتذكر عجائبك منذ القدم, وألهج بجميع أفعالك, وبصنائعك أناجي (آيتا11, 12). لابد أن يتدخل الروح القدس في الوقت المناسب ليغير جو البؤس والشكوي إلي شكر وتقدير لنعمة الله, فيذكرنا بكل ما قاله الله لنا (يو14:26). ذكر روح الله المرنم بأعمال الرب وعجائبه وأفعاله وصنائعه, بدءا بالخروج والمعجزات التي صاحبته والترنيمة التي قالت بشأنه: من مثلك بين الآلهة يارب؟ من مثلك معتزا في القداسة, مخوفا بالتسابيح, صانعا عجائب؟ (خر15:11), فاطمأنت نفسه.
2- حل مشاكله عند إله القداسة: اللهم, في القدس طريقك. أي إله عظيم مثل الله! (آية13). كل ما يفعله الله طاهر لا عيب فيه فإن الله نور, وليس فيه ظلمة البتة (1يو1:5), قال له حبقوق: ألست أنت منذ الأزل يارب إلهي قدوسي؟ (حب1:12). هو إله عظيم في قداسته, وكل طرقه مقدسة, تهتف له الملائكة: قدوس! قدوس! قدوس! رب الجنود, مجده ملء كل الأرض (إش6:3). ولكن عندما انقشعت غيوم الشكوي ودموع الأنين من عيني المرنم استراحت نفسه وهو يري قداسة الله الكاملة التي لا تفعل إلا الصالح.
3- حل مشاكله عند إله الخلاص: أنت الإله الصانع العجائب. عرفت بين الشعوب قوتك. فككت بذراعك شعبك, بني يعقوب ويوسف (آيتا 14, 15). إله العجائب القدوس هو المخلص, الذي قص موسي كل أفعاله علي حميه يثرون كاهن مديان وأخبره كل ما صنع الرب بفرعون والمصريين من أجل إسرائيل.. وقال يثرون: مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون.. الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهة لأنه في الشئ الذي بغوا به كان عليهم. فأخذ يثرون حمو موسي محرقة وذبائح لله (خر18:8-12).
هذا هو الإله المتفرد في قدرته الذي نقدم له ذبائح الحمد والتسبيح, ونجد في محضره الأنس والسلام والشبع. هو الذي فك بني يعقوب ويوسف من الأسر. وقد ورد هذا التعبير هنا وفي نبوة عوبديا 18 فقط. والمقصود ببني يعقوب المملكة الجنوبية, والمقصود ببني يوسف المملكة الشمالية, لأن يوسف أبا أقوي سبطين فيها, وهما سبطا أفرايم ومنسي. فيكون المعني أن كل بني إسرائيل, شمالا وجنوبا, اختبروا خلاص الإله العظيم الذي أنقذهم بمعجزاته.
4- حل مشاكله عن إله السلطان: (آيات16-20).
(أ) سلطانه علي البحار: أبصرتك المياه يا الله, أبصرتك; المياه ففزعت. ارتعدت أيضا اللجج (آية 16). كأن للمياه واللجج عيونا تبصرجلال الله فتفزع وترتعد. له خضعت مياه البحر الأحمر فأجري الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل, وجعل البحر يابسة, واشنق الماء, فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر علي اليابسة, والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم (خر14:21, 22). وله خضعت مياه نهر الأردن فعند إتيان حاملي التابوت إلي الأردن وانغماس أرجل الكهنة حاملي التابوت في ضفة المياه, والأردن ممتلئ إلي شطوطه كل أيام الحصاد, وقفت المياه المنحدرة من فوق وقامت ندا واحدا.. فوقف الكهنة حاملو التابوت عهد الرب علي اليابسة في وسط الأردن (يش3:15-17). وللمسيح خضعت أمواج بحيرة طبرية الهائجة عندما انتهر الريح, وقال للبحر: اسكت. ابكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم (مر4:39).
(ب) سلطانه علي المطر: سكبت الغيوم مياها. أعطت السحب صوتا. أيضا سهامك طارت. صوت رعدك في الزوبعة. البروق أضاءت المسكونة. ارتعدت ورجفت الأرض (آيتا17, 18). يصور المرنم هنا عاصفة مطيرة, صاحبها الرعد والبرق. فضاءت أرجاء البلاد أرعد الرب من السماوات, والعلي أعطي صوته. أرسل سهاما فشتتهم, برقا فأزعجهم (2صم22:14, 15). ارتعدت الأرض من صوت العاصفة. فمن يملك مثل هذا السلطان المطلق؟ إنه الرب القدير صاحب السلطان.
(ج) سلطانه سري: في البحر طريقك, وسبلك في المياه كثيرة, وآثارك لم تعرف. هديت شعبك كالغنم بيد موسي وهارون (آيتا19, 20). أعمال الله سرية لا يقدر أحد أن يتنبأ بها, فهو القادر أن يفعل فوق كل شئ أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر (أف3:20). ولا يكشف الله خططه مسبقا, فإن مجد الله إخفاء الأمر (أم25:2). سبل الله سرية, لا يستطيع أحد أن يدركها, وهو يقول: أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي, يقول الرب. لأنه كما علت السماوات عن الأرض, هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم (إش55:8, 9). يا لعمق غني الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! (رو11:33).
من كان يصدق أن جيش فرعون يغرق بينما ينجو البؤساء المستضعفين في الأرض! من كان يتوقع أن الله سيعول نحو مليوني نفس مدة أربعين سنة في صحراء التيه!, فلنترك أمرنا بين يدي ولي أمرنا ونطمئن إلي محبته وقداسته وقدرته. لقد هدي شعبه كالغنم بيد موسي وهارون, والغنم ضعيفة لا تقدر أن تحمي نفسها. وهي تعرف أن تضل, ولكنها لا تعرف كيف تعود. فهداهم الله بيد موسي وهارون, وكلاهما محتاجان إلي الهداية من رب الهداية. والرب يهدينا اليوم بكلمته المقدسة, وبروحه القدوس, وبأعمال عنايته, وبخدامه العاملين مرضاته, وقيادته شخصية لكل فرد, وهي جماعية لكل المؤمنين.
هذا المزمور دعوة لنا لنحول أنظارنا عن المشاكل ونثبتها علي الله, ونسجد في محضره خاضعين مطمئنين, منتظرين الإرشاد والهداية, فترتفع نفوسنا فوق كل مشكلة! هوذا الله عزيز, ولكنه لا يرذل أحدا. عزيز قدرة القلب.. لا يحول عينيه عن البار, بل مع الملوك يجلسهم علي الكرسي أبدا فيرتفعون.. إن سمعوا وأطاعوا أيامهم بالخير وسنيهم بالنعم (أي36:5, 7, 11).