مازلنا نتأمل مزمور77 الذي كتبه المرنم في وقت خراب كان قد حل ببلاده وسبي الكلدانيون شعبه,فصرخ وهو يعرض مشكلته علي الله وانتظر الإجابة.قال:صوتي إلي الله فأصرخ.صوتي إلي الله فأصغي إلي(آية1).
واجه المرنم مشكلة مع الله يصفها في الآيات7-10, فتساءل:هل إلي الدهور يرفض الرب,ولا يعود للرضا بعد؟(آية7).فكأنه يتساءل:حتي متي يحجب الله وجهه عنه,وقد طال زمن بقائه وبقاء شعبه في الآلام,مع أنه وشعبه كانوا في أيام القدم والسنين الدهرية محل رضاه.فلماذا يستمر يرفض,ولماذا لا يعود إلي الرضا؟إنه يشارك آساف سؤاله:لماذا رفضتنا يا الله إلي الأبد؟لماذا يدخن غضبك علي غنم مرعاك؟(مز74:1) وسؤال بني قورح:هل إلي الدهر تسخط علينا؟هل تطيل غضبك إلي دور فدور؟(مز85:5).
يشكو المرنم من الرب الذي لا يرحم ويسأل:هل انتهت إلي الأبد رحمته؟هل انقطعت كلمته إلي دور فدور؟ (آية8).ويستمر المرنم في تساؤله:لو رفضتما يا الله فأين مراحمك؟هل انتهت؟وهل انقطعت وعودك عن التحقيق؟…في وقت فرح وسلام قال أحد المرنمين:هو الرب إلهنا.في كل الأرض أحكامه.ذكر إلي الدهر عهده,كلاما أوصي به إلي ألف دور,الذي عاهد به إبراهيم وقسمه لإسحاق فثبته ليعقوب فريضة ولإسرائيل عهدا أبديا(مز105:9, 10) .لكن الله سمح بسبي لشعبه طال زمنه.فهل لم تعد لديه رحمة تستر عيوب شعبه؟وهل انقطعت وعوده الصالحة التي عاهد بها إبراهيم؟.
وكأنه يسأل إن كان الرب قد نسي وتغير:هل نسي الله رأفة,أو قفص(منع) برجزه(بغضبه) مرامحه؟فقلت:هذا ما يعنلني:تغير يمين العلي(آيتا9, 10).لقد نزل الرب في السحاب ونادي:الرب إله رحيم ورؤوف.بطئ الغضب وكثير الإحسان والوفاء.حتفظ الإحسان إلي ألوف.غافر الإثم والمعصية والخطية(خر34:5-7).فهل غضب الله غضبا جعله يمنع مراحمه عن شعبه؟وهل لهذا ناداه حبقوق:في الغضب اذكر الرحمة؟(حب3:2).
شعر المرنم أن اليد التي كانت تسنده في الماضي لم تعد تسند,بل لعلها أصبحت تسقطه,وهذه بالطبع مشاعر لا حقائق.فلن يتغير الله لأنه الأول والآخر,ولن ينسي شعبه لأنهم أعزاء علي قلبه.ولن يعطل غضبه أعمال رحمته لأنه محبة…لكن المرض أصاب المرنم فاعتلت صحته بعد أن صرخ وأن,وناجي نفسه فغشي علي روحه,وطار النوم من عينيه,وضاع الكلام من شفتيه,وتساءل أسئلة لا إجابة لها وهو يري تغير أعمال الله من أعمال مراحم إلي عقوبات.
ولابد أن مشاعر المرنم هذه جعلته يتواضع أمام الله, وكأنه يقول مع إرميا:ويل لي من أجل سحقي ضربتي عديمة الشفاء.فقلت:إنما هذه مصيبة فاحتملها(إر10:19),وجعلته يشعر مع المتألمين وشعارهبكاء مع الباكين(رو12:15),وجعلته يسهر ويصلي لئلا يدخل في تجربة(مت26:41),وجعلته يلجأ إلي الله أكثر ويقول:إذا قلت:قد زلت قدمي,فرحمتك يارب تعضدني.عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي(مز94:18, 19).
آمين هو الله الذي لم يترك المرنم في حيرته,بل أسرع في الآيات11-20 يقدم له حلول كافة مشاكله,وهو ما يجب أن يسعي المؤمن ليعرفه.
عندما نركز انتباهنا علي المشاكل يضيع النوم من عيوننا,وتصيبنا العلل.ويكمن العلاج في تركيز النظر علي الرب الذي يحل المشاكل المعقدة,طاعة للنصيحة:ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله:يسوع(عب12:2),فنقدر أن نقول:جعلت الرب أمامي في كل حين,لأنه عن يميني فلا اتزعزع(مز16:8).عندما ثبت بطرس نظره علي المسيح استطاع أن يسير علي الأمواج,ولكن عندما حوله عن المسيح وثبته علي الأمواج بدأ يغرق(مت14:30).
وقد وجد المرنم حل مشكلته في أن يثبت نظره علي الله ويتأمل صفاته التي لا تتغير,ويذكر أفعاله المجيدة المتكررة,فملأ الماضي المجيد نفسه بالأمل للمستقبل,وصار لسان حاله:إحسانات الرب اذكر,تسابيح الرب.حسب كل ما كافأنا به الرب والخير العظيم…حسب مراحمه وحسب كثرة إحساناته…في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم.بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة(إش63:7, 9).