نتأمل اليوم ذكريات شيخ تقي وردت في مزمور71,بدأها برفع الصلاة للرب ثم بدأ يتذكر أحداث حياته الماضية,ومتاعبه(آيات9-13) فذكر الشيخ التقي نوعين من المتاعب التي جازها,وكيف انتصر بالصلاة عليهما:
1-متاعب الضعف الجسدي:لا ترفضني في زمن الشيخوخة,لا تتركني عند فناء قوتي(آية9).وهذه مشكلة كل شيخ تقدمت به الأيام,يوضحها الجامعة12:1-8 في قصيدة بليغة تصور لنا الشيخوخة بالاستعارات,ويصف فيها الكاتب السنين التي ليس للإنسان فيها سرور,إذ تظلم الشمس والنور والقمر والنجومبمعني انتهاء السرور لقدوم الموت,وترجع السحب بعد المطروقد تساقط كل ما فيها من خير.في الشيخوخة نتزعزع الذراعان وهماحفظة البيتوالقدمان وهمارجال القوةوالأسنان وهيالطواحن وتظلم العينان وهيالنواظروتنغلق الآذان والعيون وهيالأبوابالتي يدخل منها الصوت والضوء,وينخفض صوت الأسنان وهيالمطحنةويقل النوم ويخف فيستيقظ الإنسان علي صوت عصفور!,ولا يتلذذ الشيخ لصوت الغناء,وبالنسبة لهتحط كل بنات الغناءويخاف من العاليإذ تضعف ساقاه فلا يقوي علي التسلق للأدوار العليا.ويزهر اللوزبمعني أن شعر رأسه يبيض,والجندب يستثقلفتكون الحشرة الشبيهة بالجرادة ثقيلة إذا حاول أن يحملها!,وتنتهي الشهية للطعامالشهوة تبطل لأن الإنسان ذاهب إلي بيته الأبدي.وعندما يموت يتبع النادبون النعش,لأنه قد انقطع الأنبوب الفضي الذي يوصل زيت الزيتون الذهبي إلي شعب المنارة,وانكسر كوز الزيت الذهبي الذي كانت المنارة تتغذي منه.لقد انكسرت الجرة وانقصفت البكرة,وسقط الحبل والدلو معا في البئر فرجع التراب إلي الأرض كما كان,ورجعت الروح إلي الله الذي أعطاها.
لم يرفض الله أحباءه زمن شيخوختهم وفناء قوتهم,فقد قيل عن موسي:كان ابن مئة وعشرين سنة حين مات,ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته(تث34:7) وقال كالب:أنا اليوم ابن خمس وثمانين سنة,فلم أزل اليوم متشددا كما في يوم أرسلني موسي.كما كانت قوتي حينئذ هكذا قوتي الآن للحرب وللخروج وللدخول(يش14:10, 11).صدق القول الكريم:أما منتظرو الرب فيجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور,يركضون ولا يتعيون,يمشون ولا يعبون(إش40:31).
2-متاعب من البشر حوله:(آيتا10, 11). هناك من يفرحون وهم يرون غيرهم يتعبون.وقد أخذ أعداء الشيخ التقي يرصدون أحواله وخطواته,وتقولوا عليه بكل كلام سئ.ولما سمعوا بمتاعبه الصحية وبلاياه ظنوا أن الله تركه ولم يعد له منقذا,فقروا أن يلحقوا به ويؤذوه في شخصه وماله وولده.إنهم يذكروننا بربشاقي قائد الجيش الأشوري,الذي جاء ليغزو مملكة يهوذا,وأرسل للملك حزقيا يقول:هل بدون الرب صعدت إلي هذه الأرض لأخربها؟الرب قال لي:اصعد إلي هذه الأرض وأخربها(إش36:10) وربشاقي كاذب في كل ما قال.ولم يكن أمام حزقيا إلا اللجوء إلي الرب,فمزق ثيابه وتغطي بمسح,ودخل بيت الرب يطلب العون(إش37:1).وهذا ما فعله الشيخ التقي في ضيقه من ضعفه الجسدي ومن أعدائه فقد وجد طريق النجاة في الصلاة فنادي مخلصه السماوي:يا الله لا تبعد عني.يا إلهي إلي معونتي أسرع ليخز ويفن مخاصمو نفسي.ليلبس العار والخجل الملتمسون لي شرا(آيتا12, 13) ولابد أن الله استمع لصرخة طلب العون,وأرسل النجدة السريعة كعهده دوما.فأعلن الشيخ التقي في الجزء الأخير من مزموره أن إيمانه انتصر.أما مقاوموه فقد غطاهم العار والخجل كرداء,وهم يرون الله يرفع من اضطهدوه.لقد ظنوا أن الله تركه,لكنه كانالساكن في ستر العلي,في ظل القدير يبيت(مز91:1).
وينتقل الشيخ التقي من الحديث عن متاعبه إلي الحديث عن انتصاراته(آيات14-24).وكم هو رائع أن تتغير نبرة المزمور من خائف يطلب العون السريع إلي مطمئن يعلن ثقته المنتصرة بالله,ويشغل هذا الإعلان نحو نصف المزمور.
1-الشيخ التقي يعلن انتصاره بعدة طرق:(آيات14-17)
(أ) يعلنه بالتسبيح:أما أنا فأرجو دائما,وأزيد علي كل تسبيحك(آية14).وبقوله أما يشرح الفرق بين ما فعله أعداؤه وما يفعله هو.لقد حاولوا أن يفشلوه,ولكن رجاءه في الله بقي قويا,لأن الله لم يعطه روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح(2تي1:7).
لم تكن هناك نهاية لمراحم الرب للمرنم,ولن تكون,فهي جديدة في كل صباح(مرا 3:23) وهكذا ضاعف المرنم تسبيحه للرب,لأنه انبهر به وبأفعاله,فرتل شاكرا ترتيلا يزيد ولا ينقص.
(ب) يعلنه في الاعتراف اليومي به في قلبه ووسط عائلته:(آيتا15:16).كانت مناسبات إنقاذ الرب له كثيرة جدا,أكثر من أن يحصيها,فأخذ طول اليوم يتحدث بها في انبهار وتأثر.ويقول في ذلك:آتي بجبروت السيد الرب,اذكر برك وحدك(آية16).بمعني أنه يتحدث عن مآثر السيد الرب,وعن بره وعدالته الفريدة,فطالما أنقذه من أعدائه ورد له حقوقه,وقد برره من خطاياه وأعطاه الموقف السليم منه,حتي يقول مع بولس:وليس لي بري الذي من الناموس,بل الذي بإيمان المسيح:البر الذي من الله بالإيمان(في3:9).
(ج)يعلنه في الكلام اليومي عن الرب أمام أصدقائه ومعارفه:اللهم قد علمتني منذ صباي.وإلي الآن أخبر بعجائبك(آية17).إذ يتحدث بما علمه الرب له منذ صباه,وما أجراه معه من عجائب.فما أعظم المعلم,وما أمجد المدرسة!.إنها مدرسة الدروس النظرية واللاهوتية التي فيها يعرف من هو الرب.وهي في الوقت نفسه مدرسة الدروس العملية التي يعرف فيها ما يفعله الرب,.في الصحة والمرض,وفي الوفرة والعوز,وفي الشباب والشيخوخة,ونتعلم من المرنم أن نشهد دوما لكل من نقابله عن أمانة الرب,ونخبر بفضائل الذي دعانا من الظلمة إلي نوره العجيب ,وبكم صنع الرب بنا ورحمنا.