بدأنا التأمل في مزمور 70 يوم الأحد الماضي, وهو صرخة استعجال لأن صاحبه يبدأ بالقول: إلي معونتي أسرع! ويختمه بالصرخة نفسها: يارب, لا تبطؤ. ونتابع اليوم تأملنا فيه, فنري أن الآية الرابعة تقول: ليبتهج ويفرح بك كل طالبيك. وليقل دائما محبو خلاصك: ليتعظم الرب. فيقدم المرنم وصفا للمؤمنين الذين يصلي لأجلهم.
1- وصف المؤمنين:
أ- إنهم طالبوا الرب: قال الرب: تطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم (إر 29: 13). وقال موسي: إن طلبت الرب إلهك تجده, إذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك (تث 4: 29). وقال الرسول بولس لأهل أثينا عن طالبي الرب: لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمسونه فيجدوه, مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيدا (أع 17: 27).
ب- إنهم محبو خلاصك: قال المرنم عنهم: ليهتف ويفرح المبتغون حقي, وليقولوا دائما: ليتعظم الرب المسرور بسلامة عبده (مز 35: 27) وهو محبو اسمه الذين يسكنون بينه (مز 69: 36). وفي العهد الجديد هم الذين يحبون ظهوره أيضا (2تي 4: 8).
وهاتان الصفتان طالبوه, ومحبو خلاصه تكشفان لنا نوعية حياة الإيمان. إنها حياة طلب الرب بالصلاة والانتظار, كما أنها حياة الخلاص من كل ما يعكر الصفو ويضيع السلام. والخطية هي أول ما يعكر الصفو, والرب يخصلنا منها بكفارته الكريمة. والقلق يعكر الصفو, والرب يعطي نفوسنا سلاما وراحة. والأعداء يسببون لنا الانزعاج, والرب ينقذنا منهم ويعطينا الطمأنينة.
2- ما يطلبه المرنم للمؤمنين:
أ- يطلب لهم الفرح: ليبتهج ويفرح بك كل طالبيك. وهذا إحساس داخلي ينتج عن سكني المسيح في القلب, وعن تأكيد غفران الخطية, وعن صحبة المسيح لنا كل الأيام. وهو ثمر الروح القدس عندما يمتلك حياة المؤمن. وهذا الفرح ليس نتيجة الظروف, لكنه يسمو فوقها, وينمو حتي وسط الصعوبات, فتنفذ النصيحة الرسولية: افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا (في 4: 4) ويصبح فرح الرب قوة المؤمن (نح 8: 10).
ب- يطلب أن يعظموا الرب: ليقل دائما محبو خلاصك: ليتعظم الرب. وهذا تعبير خارجي عن الفرح القلبي أمسرور أحد؟ فليرتل (يع 5: 13) وتعظيم الرب يكون بالاعتراف بفضله وخلاصه. ويكون بتقديم الشكر له في مخادعنا بالصالة الشاكرة. ويكون بإعلان فضله علينا في كنائسنا بالترتيل. ويكون بدعوة غيرنا ليختبروا الفرح الذي اختبرناه.
فليعلمنا الله أن نطلب لأنفسنا, وأن نطلب لغيرنا, كما فعل أيوب عندما رد الرب سبيه لما صلي لأجل أصحابه, وزاد الرب علي كل ما كان لأيوب ضعفا (أي 42: 10).
ويعود المرنم يطلب لنفسه, فيقول: أما أنا فمسكين وفقير. اللهم أسرع إلي. معيني ومنقذي أنت. يارب لا تبطؤ (آية 5). مرة أخري يدعو المرنم الله ليقدم له العون السريع, ويبني الطلبة علي سبيين (كما فعل الرب في آيات 1-3). إنه يعرف الرب المعين المنقذ, وهو في شدد الحاجة السريعة للعون والإنقاذ. والرب لا يمل من سماع صلاة المؤمن واستجابتها, كما أنه يطالب المؤمن أن يصلي في كل حين ولا يمل (لو 18: 1).
1- الرب هو المعين والمنقذ:
أ- ينادي معيني: الذي ارتبط به بصورة شخصية, فقال له: إلي معونتي أسرع (آية 1) والمعين هو الذي يوفر احتياجات الإنسان التي يعجز عن الحصول عليها بنفسه, ويكون ناقصا بدونها, كما لم يكن جيدا أن يكون آدم وحده دون معونة حواء (تك 2: 18). ويقول الله المعين لك: لا تخف لأني معك. لا تتلفت لأني إلهك. قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين بري (إش 41: 10). فنقول مع المرنم: طوبي لمن إله يعقوب معينه (مز 146: 5).
ب- ينادي منقذي: بحسب وعده: لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك, يقول الرب (إر 1: 8) الذي نجانا من موت مثل هذا, وهو ينجي. الذي لنا رجاء فيه أنه سينجي أيضا فيما بعد (2كو 1: 10).
2- شدة حاجة المرنم للرب, لسببين:
أ- بؤس نفس المرنم: أما أنا فمسكين. إنه يحس بالوحدة, وكم كان وحيدا وهو يهرب من مغارة إلي مغارة, ولم يستطع أحد من أهله أن يرافقه أو يعاونه خوفا من بطش الملك. وانضم إلي داود كل مري النفس. ولكن إحساس الوحدة القاسي قاده لطلب العون الإلهي السريع.
ب- فقر المرنم المادي: أما أنا.. فقير فكيف يستطيع المطرود أن يكسب رزقه؟ لقد اضطرته الحاجة يوما أن يقول لنابال اللئيم: أعط ما وجدته يدك.. لابنك داود (1صم 25: 8) ومع ذلك رفض نابال أن يعطيه. لقد انتهت موارد داود المالية, فطالب الله بسرعة التدخل لتقديم المعونة.
ولكن المرنم اكتشف أن ضعفه هو سر قوته, لأن قوة الله في الضعف تكمل (2كو 12: 9) واكتشف أن فقره هو سر غناه, لأن المسيح افتقر لنستغني نحن بفقره (2كو 8: 9).
فلندع الله يوما كلما أعوزنا العون والإنقاذ: إلي معونتي أسرع.. يارب لا تبطؤ.