في تأملنا اليوم سنتابع التأمل في الآيات 29-36 من مزمور 69 حيث يسجل المرنم آماله في المستقبل فيؤكد لنا في بدء إعلان الله له أنه ونحن يجب نتوقع الخلاص (آيات 29-31). فيقول: خلاصك يا الله فليرفعني (آية 29). هذه صلاة, كما أنها إعلان واثق في أن الله سيعليه في برج أو قلعة لا يقدر الأعداء أن يدنوا منها.
إنه مؤمن أن الله لابد سيخصله ويرفعه فوق أزمته النفسية, فتخرج منه المياه التي دخلت إلي نفسه (التي ذكرها في آية 1) ويغفر حماقته وذنوبه (التي ذكرها في آية 5), ويستجيب صلاته (التي رفعها في آية 13).
صحيح إن البار بإيمانه يحيا (حب 2: 4). وعندها يسبح الرب تسبيحا أحب إلي الرب من تقديم ثور بقر ذي قرون وأظلاف (آية 31). والقرون تعني أن الثور قد بلغ عمره سنة, فهو صالح للذبيحة. وهو ذو أظلاف بمعني أنه من الحيوانات الطاهرة المناسبة للأكل ولتقديمها كذبيحة (لا 11: 3).
ونتيجة لهذا يفرح المرنم بالخلاص (آيات 32-34) كما يفرح, ويفرح معه جميع الودعاء. لقد تألموا معه في شكواه, ورفعوا صلواتهم لأجله, وبعد إنقاذه تنتعش قلوبهم بالفرح لأن الله سمع له ولهم.
في هذا الجزء الأخير من المزمور خرج المرنم من مجال الشكوي الكئيب إلي مجال الأمل المفرح, فأعلن فضل الله المقبل إليه, وأدرك أن طالبي الله لابد تحيا قلوبهم ولا تموت حزنا (آية 32) لأن الله يقبل توبة التائبين الذين أوقعتهم خطاياهم في أسر العقاب. وبعد النجاة وقعوا في أسر رحمة الله وحبه (آية 33).
وهنا تهتز الطبيعة كلها من أرض وسماوات وبحار, وكل ما يدب فيها, مترنمة بخلاص الرب ترنمي أيتها السماوات لأن الرب قد فعل. اهتفي يا أسافل الأرض. أشيدي أيتها الجبال ترنما, الوعر وكل شجرة فيه (إش 44: 23).
وينتهي مزمور 69 بدعوة جماعة الله لتفرح بالخلاص (آيتا 35: 36). وإذ يخلص الرب شعبه الصارخ إليه, لن تقوي عليه أبواب الجحيم (مت 16: 18). ويبني الرب كنيسته ويضم إليها كل يوم الذي يخلصون (أع 2: 47), والودعاء يرثون الأرض (مز 37: 11 ومت 5: 5), ويتأصلون إلي أسفل ويصنعون ثمرا إلي ما فوق (إش 37: 31) ويكون نسل الصديقين ناجحا (مز 37: 25) فيبنون الخرب القديمة, ويقيمون الأساسات, ويرممون الثغرات, ويرجعون المسالك للسكني (إش 58: 12).
والآن لنبدأ التأمل في مزمور 70, وهو صرخة استعجال لأن صاحبه يبدأ بالقول: إلي معونتي أسرع! ويختمه بالصرخة نفسها: يارب, لا تبطؤ. فعندما تكون موارد الإنسان كافية بصورة معقولة يطلب المعونة من الله وينتظر. ولكن عندما تنتهي موارده, أو يظن أنها انتهت, وعندما تضعف قوته ويجد نفسه يخور, يصرخ صرخة الاستعجال: إلي معونتي أسرع.
وعنوان المزمور التذكير. وربما يعني أن المرنم يذكر نفسه بوجود الرب المنقذ معه, وبفضله المتجدد المستمر. وربما يعني أنه بصلاته يذكر الله بضيقة نفسه, لا لأن الله ينسي, لكن ليطمئن قلب المرنم. وربما يعني أن هذا مزمور تذكاري لنجاة من كارثة ألمت بالمرنم أو بالأمة أو بكليهما, كما قيل في يوم فرحكم وفي أعيادكم.. تضربون بالأبواق.. فتكون لكم تذكارا أمام إلهكم (عد 10: 10). وكلمات هذا المزمور هي تقريبا كلمات مزمور (40: 13-17). ويبدأ مزمور 45 بالشكر علي المراحم السابقة (آيات 1-12) ويختم بصلاة (آيات 13-17). ويحتوي مزمور 70 علي الصلاة وحدها. الأغلب أن أحد الأنبياء أخذ الآيات الخمس الأخيرة من مزمور 40 ولحنها لترتيلها في العبادة الجمهورية.
يبدأ مزمور 70 بثلاث آيات يطلب فيها المرنم من أجل نفسه, وهناك أمران يدفعان المحتاج ليلجأ إلي الله طالبا عونه السريع: معرفته وإيمانه أنه عزيز علي الله, فالبد أن الله يهتم به. وثانيا شدة حاجته, وعدم قدرته علي مساعدة نفسه, وضغط إلحاح مشكلته عليه. ونجد الأمرين معا في حالة كاتب مزمورنا.
1- معرفة المرنم وإيمانه بأن الله يهتم به, وأنه عزيز في عيني إلهه: اللهم, إلي تنجيتي يارب, إلي معونتي أسرع.. اللهم أسرع إلي. معيني ومنقذي أنت. يارب, لا تبطؤ (آيتا 1, 5).
أ يعرف أن الله هو إلوهيم: فيناديه اللهم. وإلوهيم هو الخالق الذي بدأ ويكمل, الذي خلق كل الأشياء بإرادته, وهو ضابطها, فلاتزال كائنة (رؤ 4: 11).
ب يعرف أن الله هو يهوه: فيناديه الرب. ويهوه هو إله العهد, الذي قدم المواعيد لشعبه وهو ملتزم بها. واليوم ندرك بطريقة أفضل أن لنا عهدا جديدا مختوما ومضمونا بدم المسيح (مت 26: 28), الذي هو وسيط العهد الجديد (عب 12: 24), ونثق في صدق هذا العهد ودوامه لأن دم المسيح يضمنه.
2- شدة حاجة المرنم: ليخز ويخجل طالبو نفسي. ليرتد إلي خلف ويخجل المشتهون لي شرا. ليرجع من أجل خزيهم القائلون: هه! هه! (آيتا 2, 3). ترجع شدة الحاجة إلي شدة الهجوم. ويذكر المرنم ثلاثة أنواع من الأعداء الذين هاجموه: الذين سعوا وراءه, والذين اكتفوا بأن يتمنوا له الأذي, الذين سخروا منه:
أ طالبو نفسي: مثل شاول الذي سعي وراء داود من مكان إلي مكان ليقتله. ويطلب المرنم أن يخزي الرب مطارديه ويخجلهم ليتوقفوا عن طلب نفسه.
ب المشتهون لي شرا: وهم الحاسدون الذين يريدون له الأذي, بأيديهم أو بأيدي غيرهم. وهو يطلب أن يتراجعوا عن ذلك ويخجلوا من سوء نيتهم, ومن عدم تنفيذ ما تمنوه له.
ج القائلون: هه! هه!: وهي صيحة الفرح الخبيث وهم يرون آلام المرنم. يقولونها بسخرية وهم يترقبون سقوطه وهلاكه. كما أنها صرخة الوعيد والتهديد. ويطلب المرنم أن يرجعوا عن سخريتهم وتهديدهم بالخزي.
ونتابع تألمنا في مزمور 70 يوم الأحد المقبل إن شاء الله.