بدأنا يوم الأحد الماضي التأمل في مزمور 65, وهو ترنيمة شكر علي الحصاد يرنمه المؤمنون شكرا لله الغفور الرحيم فيقول المؤمن: آثام قد قويت علي. معاصينا أنت تكفر عنها (آية 3). يغفر الله كل ذنوب التائب المعترف, مهما كانت ثقلها. ويصفها المرنم مرة بأنها آثامه, في قوله: آثام قد قويت علي والآثام هي كل سلوك أعوج. ويصفها مرة أخري أنها آثامه وآثام شعبه, في قوله: معاصينا أنت تكفر عنها. والمعاصي هي كل سلوك يخالف الإرادة الإلهية ويقاومها. ومن ضيغتي المفرد والجمع نري أن كل عابد يجب أن يعترف اعترافا فرديا بخطيته الشخصية, كما يعترف عن الجماعة كلها, فنحن نقف أمام الله كأفراد, كما نقف أمام الله كجماعة, يعترف كل واحد منا عن نفسه, وهو يحس بتقصير كل المؤمنين, إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله, متبررين مجانا بنعمته بالفداء الفردي والجماعي. ففي يوم الكفارة العظيم كان رئيس الكهنة يدخل إلي قدس الأقداس, أولا بدم عن نفسه هو, فيقبل الرب توبته, ثم يدخل ثانية بدم عن جميع الشعب ليغفر الرب لكل شعبه (لا 16).. هكذا فعل نحميا لما قال: أنا وبيت أبي قد أخطأنا (نح 1: 69). وهكذا صلي دانيال واعترف بخطيته وخطية شعبه (دا 9: 20).
والمعاصي والآثام هم الأعداء الذين لا نقدر أن نهزمهم وحدنا, فقد قويت علينا. ولا يقدر أحد مهما كان صالحا أن يكفر عن معاصيه. فلنلجأ جميعا لرب قائلين: اغفر لنا ذنوبنا, وكفر عنا سيئاتنا, بمعني أن يسترها ويمحوها. فبعد أن نعترف لله تائبين يكفر عنا ويستر خطايانا فلا تعود تقوم ضدنا أمامه. ونلاحظ أن الغفران والتكفير يسيران معا, فيعلمنا الإنجيل أن الذبائح الكفارية التي أمرت بها شريعة موسي كانت رمزا لكفارة المسيح الكاملة, فهو حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يو 1: 29). وهو الذي غسلنا من خطايانا بذبحه العظيم, وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه (رؤ 1: 5, 6). ويوفي المسيح ديوننا بفضل كفارته وهو مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لأجل آثامنا (إش 53: 5). وفي صليبه أعطي العدالة الإلهية حقها, كما أوضح لنا رحمة الله بأوضح برهان, وبكفارته الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما (مز 85: 10).
2- يسبح المؤمنون الله المعبود: طوبي للذي تختاره وتقربه ليسكن في ديارك (آية 4أ). اختار الرب سبط لاوي ونسل هارون ليخدموا بيته, وأراد لكل بني إسرائيل أن يكونوا مملكة كهنة وأمة مقدسة (خر 19: 6) وبهذا جعلهم ضيوفه الذين يشبعهم من نعمته, كما اعتبرهم أهل بيته. ووضع عليهم مسئولية تبليغ رسالة حبه وصلاحه إلي جيرانهم. ولكنهم تقاعسوا, واحتفظوا بأخبار نعمة الله لأنفسهم وحدهم. فمنح الله هذا الامتياز لكل من يقبل المسيح مخلصا وفاديا. طوبي لمن يختاره الرب ليسكن في دياره, لأن الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت (مز 91: 1). هذا هو الآمن الذي ينتهي اغترابه, فيستقر ويهدأ نفسا, ويوصف بالقول: هداهم طريقا مستقيما ليذهبوا إلي مدينة سكن. فليحمدوا الرب علي رحمته وعجائبه لبني آدم (مز 107: 7, 8). والذي يسكن في ديار الرب يتعبد للرب في زينة القداسة (مز 93: 5) ويستمع لكلمته التي تتقي القلب (يو 15: 3), ويحظي بالوجود القريب من الرب, ويتحقق له قول المسيح: الذي يحبني يحبه أبي, وأنا أحبه وأظهر له ذاتي.. إن أحبني أحد يحفظ كلامي, يحبه أبي وإليك نأتي وعنده نصنع منزلا (يو 14: 21, 23).
أما البركة الكبري فهي: لنشبعن من خير بيتك ومن قدس هيكلك (آيه 4ب) ففي هيكل الله المقدس شبع النفس إلي اسمك وإلي ذكرك شهوة النفس (إش 26: 8) فليس بالخبر ووحده يحيا الإنسان, بل بإشباع روحه من كلمة الرب. و طوبي للجياع والعطاش إلي البر لأنهم يشبعون (مت 5: 6).
4- يسبح المؤمنون صاحب السلطان: بمخاوف في العدل تستجيبنا يا إله خلاصنا (آية 5أ). نخاف الله ونهابه, وتبهرنا عنايته وهو يستجيبنا برعايته التي تذهلنا. ومن نماذج ذلك ما حدث مع بني إسرائيل في معجزات الخروج, وعمود النار, وعمود السحاب, وانشقاق البحر الأحمر, والماء الذي خرج من الصخر, والسماء التي أمطرت المن في مطلع كل صباح, والثياب والنعال التي لم تبل مدة أربعين سنة. ونظر المصريون ما أنزله الله بهم من عقاب, وما أنزله إلي بني إسرائيل من بركات, فارتعبوا. وهذه هي المخاوف العادلة. فالله يخيف الأعداء لأنه عادل, وينقذ خاصته لأنه رحيم.
ونحن اليوم نختبر عدل إلهنا ورحمته, فهو يجازي كل واحد حسب عمله, وهو يغفر ذنوب كل المعترفين بخطاياهم المحتمين في كفارة المسيح. فلنسلك في طاعة الله متممين خلاصنا بخوف ورعدة, لأن الله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل من أجل المسرة (في 2: 12, 13).
5- يسبح المؤمنون إله العالم كله: يا متكل جميع أقاصي الأرض والبحر البعيدة (آية 5ب). حتي إن كانوا لا يعرفونه ولا يعبدونه حتي عبادته. إنهم يعتمدون علي نور شمسه, وكريم مطره. والمرنم هنا يخرج من تفكيره المحلي المحدود بشعبه بني إسرائيل ليتحدث عن الله إله العالم كله, فرآه رب العالمين, متكل كل البشر الذي يصرخ إليه الجميع. تسجد وترجع إلي الرب كل أقاصي الأرض, وتسجد قدامك كل قبائل الأمم, لأن للرب الملك, وهو المتسلط علي الأمم (مز 22: 27, 28). الرب يحسن إلي البشر جميعا بمحبة حقيقية, ولا يعير. كلها إياك تترجي لترزقها قوتها في حينه.. تفتح يدك فتشبع خيرا (مز 104: 27, 28). وقال بولس لأهل أثينا الذين كانوا يعبدون الأصنام: فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه, هذا أنا أنادي لكم به. الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه, إذ هو رب السماء والأرض.. يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء (أع 17: 23-25).