بدأنا يوم الأحد الماضي التأمل في مزمور 64, وسنكمل اليوم تأملنا فيه, وننتقل لتأمل مزمور 65.
رأينا المرنم يشكو في الآيات الست الأولي إلي الله من مؤامرات أعدائه. وفي الآيات 7-10 يعلن ثقته أن العدالة الإلهية لابد ستبطل مؤامرات الأشرار, وتنصف المظلوم.
1- عدالة الله تعاقب الأشرار: فيرميهم الله بسهم. بغتة كانت ضربتهم (آية 7). يرمي الأشرار سهامهم في المختفي (آية 4) أما سهم الرب فواضح وسريع ويصيب بغتة. فالسهم الموجه للمؤمن لابد أن يرتد إلي أعدائه. وسهام الله أسرع وأقوي, فنقول: لأنك تجعلهم يتولون. تفوق السهام علي أوتارك تلقاء وجوههم (مز 21: 12). لي النقمة, أنا أجازي (تث 32: 35, 36, ورو 12: 19).
عندما جاء ربشاقي يقود جيش أشور العظيم ليهاجم بني إسرائيل, سخر من الملك حزقيا وكتب له: لا يخدعك إلهك الذي أنت متوكل عليه قائلا: لا تدفع أورشليم إلي يد ملك أشور. فحمل حزقيا الرسالة معه إلي الهيكل وصلي: يارب الجنود إله إسرائيل, الجالس فوق الكاروبيم, أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض. أنت صنعت السموات والأرض. أمل أذنك واسمع. افتح يارب عينيك وانظر, واسمع كل كلام سنحاريب الذي أرسله ليعير الله الحي. فخرج ملاك الرب وقتل من جيش أشور 185 ألفا. فعادت بقية جيش أشور من حيث أتوا (إش 37: 10, 16, 17, 36, 37).
2- يؤذي الأشرار أنفسهم: يوقعون ألسنتهم علي أنفسهم. ينغض الرأس كل من ينظر إليهم (آية 8). لابد أن يرتد السيف الكلامي المسلول المصقول الذي يدين علي من يحاول أن يصيب به. إنه يدين نفسه ويرجع علي أصحابه. أما المحيطون بهم فيحركون رؤوسهم سخرية وتعجبا مما جري لأعداء المرنم الذين كانوا في الظاهر منتصرين. كان الشرير موجودا وقويا, ولكنه لم يعد كما كان!
3- عدلة الله تعلم البشر: ويخشي كل إنسان ويخبر بفعل الله, وبعمله يفطنون (آية 9). يدرك البشر أن قوة الله تعمل لصالح المؤمنين به, ويفطن الناس للعمل الإلهي, إذ يرون يد الله من وراء نجاة المؤمن وهلاك الشرير. قد يبدو الشر ناجحا لفترة, لكن لابد أن ينهار علي رؤوس أصحابه. وقد يحيا المؤمنون كأقلية تحت ضغوط خارجية كبيرة, لكن الإله الصالح يعمل وسطهم وبهم ولهم بكل قوة وسلطان. قال الله علي فم هوشع: من هو حكيم حتي يفهم هذه الأمور, وفهيم حتي يعرفها؟ فإن طرق الرب مستقيمة, والأبرار يسلكون فيها, وأما المنافقون فيعثرون فيها (هو 14: 9).
4- عدالة الله تفرح الصديقين: يفرح الصديق بالرب ويحتمي به, ويبتهج كل المستقيمي القلوب (آية 10). بدأ المرنم مزمور مشتكيا خائفا, وختمه بفرحة التبرير الذي يمنحه الله للمؤمن فيجعل منه صديقا, لأنه اختبر الصلاح والعدل الإلهيين, ونال النجاة من عند الله.
هذا اختبار الكنيسة واختبار أفرادها, فكل مؤمن يعيش قصة هذا المزمور دائما. فدعونا نحيا بفرح الصديق بالرب, واثقين محتمين به أكثر, فيخزي الأشرار ويتشجع المومنون جميعا ويفرحون معا.
***
نبدأ اليوم تأملنا في مزمور 65, وهو مزمور شكر علي الحصاد, كانوا ينشدونه في عيد الحصاد, أو عيد الباكورة, الذي كان بنو إسرائيل يعيدونه حسب أمر الرب: متي جئتم إلي الأرض التي أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها, تأتون بحزمة أول حصيدكم إلي الكاهن, فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم (لا 23: 9-14). فكانوا يحتفلون في عيد الباكورة احتفالا خاصا, ينشدون أثناءه هذا المزمور, ويجتمعون معا للعبادة والشكر ليقدموا للرب أول الحصاد اعترافا بفضله عليهم. ونحن نقرأ هذا المزمور في نهاية كل عام, لنرفع الشكر لله علي بركاته التي أنعم بها علينا في سنة مضت.
في هذا المزمور نجد ثلاث فقرات, أولها المؤمنون يسبحون الله (آيات 1-5), وفي الفقرة الثانية (آيات 6-8) نسمع الطبيعة تسبح الله, وأخيرا نسمع الحصادين يسبحون الله (آيات 9-13).
فلنتأمل أولا كيف سبح المؤمنون الله, ويليق بالمؤمنين أن يجتمعوا في بيت الرب ليرفعوا تسابيح شكرهم لسامع الصلاة الذي يسمع ويستجيب لكل خليقته. صحيح أن خطاياهم تفصل بينهم وبينه, لكنه يكفر عنهم, فيجدون أعظم سعادة في بيته ومحضره.
1- يسبح المؤمنون سامع الصلاة: لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون, ولك يوفي النذر. يا سامع الصلاة, إليك يأتي كل بشر (آيتا 1, 2). يسبح المؤمنون الرب ويوفونه نذورهم, لأنه أعطاهم ما طلبوه, قائلين: من قبلك تسبيحي في الجماعة العظيمة. أوفي بنذوري قدام خائفيه (مز 22: 25).
قال جون كلفن إن الله لا يكف عن سماع الصلاة إلا عندما يكف أن يكون الله! وهو يسمع لأنه يقدر أن ينتبه لطلبات طالبيه ويحقق منها ما هو لخيرهم وهذه هي الثقة التي لنا عنده: أنه إن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمع لنا. وإن كنا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا. نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه (1يو 5: 14, 15). فينبغي أن يصلي في كل حين ولا يمل (لو 18: 1). فلنسأل لنأخذ, ولنطلب لنجد, ولنقرع فيفتح لنا (مت 7: 7). إنه يسمع جميع البشر ويعطيهم, وهم ينقسمون إلي قسمين: أبناء يطلبون من أبيهم السماوي, وشحاذين يطلبون من سيدهم المنعم. لكن السيد المنعم يريد أن يرفعنا من مقام الشحاذين إلي مقام الأبناء, فقد أنعم بالتبني علي كل الذين يقبلون المسيح المخلص ويضعون ثقتهم في فدائه (يو 1: 12), فيقولون بعضهم لبعض: انظروا أية محبة أعطانا الآب حتي ندعي أولاد الله (1يو 3: 1). فهم لم يعودوا عبيدا, بل أبناء وورثة (رو 8: 17). ومن منطلق البنوية نأتي إليه في وقت الاحتياج كما في وقت عدم الاحتياج, نعبر له عن محبتنا, ونبثه أشواقنا ونسكب نفوسنا أمامه قائلين: عطشت نفسي إلي الله, إلي الإله الحي (مز 42: 2). فنزداد اقترابا إليه في كل وقت, لتشبع نفوسنا بثمر محبته وسلامه, ونستمتع بالأنس به, دون أن تمل النفس من الحديث معه.
وفي الأسبوع المقبل إن شاء الله نتابع تأملنا في مزمور 65.