المزمور الرابع والستون شكوي إلي العدالة الإلهية.ولابد أننا جميعا مررنا بمثل هذا الاختبار,سواء كانت شكوانا من الله إلي الله,أو من أصدقاء كنا نتوقع معونتهم ولم يفعلوا,أو من أصدقاء آذونا,أو من أعداء أساءوا إلينا.وربما شكونا نفوسنا إلي الله,لأننا لم نرتفع إلي المستوي الروحي الذي توقعناه من نفوسنا.فخاب أملنا في أنفسنا!
ونشكر الله لأنه ملجأنا في كل موقف,وهذا ما وجده المرنم,فقد كانت حياته حياة أنس جميل بالله وصحبة سماوية مستمرة,وكان يؤمن أن الله موجود معه دائما في مختلف ظروفه.ويتميز المؤمن المولود من الروح القدس بأن عينيه تتجهان إلي الله دوما,فلا منقذ إلا أمانته.ونتيجة لاختبارات المرنم السابقة تأكد أن الرب هو المنقذ الأول والوحيد,فتدرب علي أن يقرع بابه الكريم أول كل شئ.ثم من خلال الرب يتوجه إلي مصادر المعونة الأخري,مطيعا الأمر الرسول:تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم(رو12:2).فتغير ذهنه وصار يحول نظره فورا من المشكلة إلي الله.
يبدأ مزمور64 بشرح مؤامرة عدو المرنم عليها(آيات1-6) ليصلي لينقذه الله من أعدائه الماكرين المتآمرين المراوغين,المصرين علي الإيقاع به,وهو يثق أن الله لابد سيتدخل لحمايته.
1-يشكو من مؤامرة العدو:(آيتا1, 2).
(أ)يشكو من عجزه:اسمع يا صوتي في شكواي(آية1).هذه استغاثة عاجز عن مواجهة الموقف.يطلب المعونة السريعة.
(ب)يشكو من خوفه:من خوف العدو احفظ حياتي(آية1ب).إنه لا يتوهم مشكلة,لكنه يحيا فيها!وهو لا ينقص من تقدير قيمة العدو ابن إبليس,الذي يجول كأسد زائر ملتمسا من يتلعه(1بط5:8).ولكنه يعرف قيمة المعونة الإلهية التي له في الرب القادر أن يحفظ حياته,منتظرا الإنصاف الإلهي.
(ج)يشكو من الأشرار:استرني من مؤامرة الأشرار(آية2أ).الأشرار هم أصحاب السلوك الأعوج,وهم يخططون العوج ثم يفاجئونه بالهجوم.ولن يحميه من مكايدهم ومؤامرتهم السرية إلا الستر الإلهي.فإنالساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت(مز91:1).يستر الله المرنم ويخبئه حتي لا يجده أعداؤه,كما خبأ الرب إرميا النبي وباروخ الكاتب من الملك الشرير يهوياقيم(إر36:26).
(د) يشكو من الأثمة:من جمهور فاعلي الإثم(آية2ب).وفاعلو الإثم هم الذين يتعدون حدود الله,وليست مخافة الله أمام عيونهم.كان أعداء داود أذكياء لا بسطاء,متمرسين في الإثم,يدبرون المكايد.أما عيناه فقد شخصتا نحو السماء,وكان قلبه مع الرب.
2-يشكو من كلام العدو:(آية3).
استخدم العدو سلاح الحرب الكلامية ضد المرنم ليزعزع ثقته في قوة الصلاة:
(أ) كلام كالسيف:الذين صقلوا ألسنتهم(آية3أ).كلامهم كسيف مصقول مسنون يذبح,وكثيرا ما يكون جرح الكلام أبلغ من جرح السيف.ويصف المرنم اللسان الذي يذبح بتملق يقول:أنعم من الزبدة فمه وقلبه قتال.ألين من الزيت كلماته وهي سيوف مسلولة(مز55:21).ويصف أيضا اللسان الذي يذبح بهجومه الذي لا يرحم,فيقول:نفسي بين الأشبال.أضطجع بين المتقدمين بني آدم(أي:المشتعلين بنيران الغضب).أسنانهم أسنة وسهام,ولسانهم سيف ماض(مز57:4).
(ب) كلامهم كالسهم:فوقوا سهمهم كلاما مرا(آية3ب).قال شاعر عربي:
جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان
وأما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يذلله.وهو شر لا يضبط,مملو سما مميتا.به نبارك الله الآب,وبه نلعن الناس الذين قد تكونوا علي شبه الله(يع3:8, 9).وفي جراحات اللسان يلجأ المؤمن لمعونة السماء.عالما أنهإن عيرتم باسم المسيح فطوبي لكم,لأن روح المجد والله يحل عليكم(1بط4:14).
3-يشكو من فخاخ العدو:(آيتا4, 5).
(أ)يتفقون ضده:ليرموا في المختفي.بغتة يرمونه ولا يخشون.يشددون أنفسهم لأمر ردئ(آية4).أهل الدماء يبغضون الكامل(أم29:10).إنهم لا يملكون شجاعة المواجهة فيجيئون متخفين.ويأتون بغتة بغير توقع لينالوا مبتغاهم.إنهم لا يخافون الله ولا يهابون إنسانا.فيتآمرون ويتفقون ويشجعون بعضهم بعضا ضد المرن.
(ب)يتكلمون ضده:يتحادثون بطمر فخاخ:قالوا:من يراهم؟(آية5).كلامكم كالفخ المطمور المختفي الذي يمسك بالمرنم,وهم يظنون أن لا أحد يراهم,وكأن لا عدالة إلهية تنصف المظلوم,وينسون أن فوق العالي عاليا يلاحظ,والأعلي فوقهما(جا5:8).ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب.فتصير أعمالهم في الظلمة,ويقولون:من يبصرنا ومن يعرفنا؟(إش29:15).
4-يشكو من اختراعات العدو(آية6).
(أ)اختراع محكم:يخترعون إثما.تمموا اختراعا محكما(آية6أ) يخترع الأشرار كل يوم فخا أقوي من سابقه,فمهما حاول أن ينجو يسدون في وجهه كل باب للنجاة,بمؤامرة سرية محكمة.
(ب)مكر عميق:وداخل الإنسان وقلبه عميق(آية6ب).مكر الأعداء عميقاليدان إلي الشر مجتهدتان(مي7:3).ولكن الله يعرف خفايا القلوب.القلب أخدع من كل شئ,وهو نجيس.من يعرفه؟أنا الرب فاحص القلب…لأعطي كل واحد حسب طرقه,حسب ثمر أعماله(إر17:9, 10).تعب المرنم وطلب الإنقاذ.لقد علم إبليس الأعداء كيف يحيكون مؤامراتهم ويطلب المرنم أن يعلمه الروح القدس مواهب جديدة ليستطيع أن يواجه أعداءه وينتصر عليهم.
ووسط كل هذه المؤامرات يتحدث عن عدالة الله,وهذا ما سنتأمله في الأسبوع المقبل إن شاء الله.