اليوم هو الأحد الأول من عام 2009 وأهنئ القارئ المبارك بعناية الله به التي كانت وستستمر. وبهذه المناسبة نتأمل بعض ما جاء في المزمور الستين والذي يمكن أن نعطيه عنوانا هو راية ترفع لأجل الحق. والقصد من تأمل هذا المزمور في بداية عام أن نختبر مع النبي داود فرحة النصر ونرنم شهادة مذهبة لداود للتعليم, وندخل عاما جديدا ونحن نهتف يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.
يمجد هذا المزمور الرب بسبب الانتصار الذي منحه لشعبه بعد هزيمة أليمة. وهذا اختبار كل المؤمنين, فإبليس وجنوده من الشياطين والبشر لا يكفون عن مهاجمة المؤمنين, وهم دائمو الشكوي علي أولاد الله. فإبليس يشكو الله لنا قائلا إنه لم يعد يحبنا, ويشكونا لأنفسنا قائلا إننا غير نافعين روحيا, ليفشلنا, فنفقد الثقة في أنفسنا ونتقاعس عن طاعة الرب. ولكن في الرب لنا نصرة علي إبليس وجنوده, فنغلب التجربة والمرض والضيق. ولاشك أن في حياتنا الإيمانية انتصارات وهزائم, والهزائم لا يجب أن تفشلنا, كما أن الانتصارات لا يجب أن تجعلنا نتكبر ونتعالي, بل إن الانتصار السابق يلهم ويشجع دائما للحصول علي انتصارات مقبلة. وعلينا أن نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا, وأن نقاوم حتي الدم مجاهدين ضد الخطية (عب 12: 1, 4).
هذا المزمور شهادة للأجيال المقبلة, تعلن أن النصر النهائي هو للرب ولكل من هم له. أما مناسبة كتابته فنجدها في (2صم 8) لما حارب داود أرام النهرين وأرام صوبة في الشمال, فهاجمه الأدوميون من الجنوب, فرجع من الشمال إلي الجنوب وحارب وانتصر, وهو نصر تكرر علي الأدوميين بعد ذلك (2مل 14: 7).
يبدأ هذا المزمور بتعبير المرنم عن حيرته (في آيات 1-3) من أن العدو غزا بلده من الجنوب بينما هو يحارب في الشمال, فلم تكن لديه القوة علي الحرب في جبهتين. وأحس أن الله رفضه وسمح لأعدائه أن يهاجموه بسبب سخطه عليه, فتزلزلت الأرض من تحته, وانفصمت تصدعت فلم يعد قادرا علي الوقوف عليها ولا علي قدميه, ورأي عسرا وشدائد, وشرب خمر الترنح, وصار كالسكاوي, عاجزا عن إدراك حجم الكارثة, ومحل سخرية الناظرين, ولا يدري كيف يدافع عن نفسه.
ولكن المرنم الحائر أدرك سبب ما حاق به, وأدرك علاجه, فقال: أرجعنا لأن البعد عن الله هو سبب الهزيمة, وإعادة العلاقة مع الله هو علاجها. وقال: أجبر كسرها فإن الذي زلزل الأرض فكسرها هو وحده القادر أن يجبرها. وهذه ثقة عظيمة في الله المنقذ من الحيرة.. قد يتوقف بعضنا عند الحيرة ولا يصلون, فيظلمون أنفسهم, مع أنه لا شفاء للحائر إلا بالصلاة!
وفي آيتي 4, 5 من مزمور 60 يقول المرنم إن الله أعطي خائفيه راية ترفع لأجل الحق. والراية هي محبة الله لهم علمه فوقي محبة (نش 2: 4) فلابد أن ينتصروا, لأن محبة الله لا تنقص ولا تتغير, وهي تنجي أحباءه إذ تخلصهم يمينه. كما أن الرب نفسه هو راية شعبه, لأن لقبه: يهوه نسي (اسم المذبح الذي بناه موسي تذكارا لانتصاره علي العمالقة, خر 17: 15).
وقد أدخل الله شعبه في عهد معه, وينتظر شعبه منه أن يحقق هذا العهد, فالعهد حق. والحرب ضد عدو الرب هي من أجل الحق وبأسلحة الحق. ولما كان داود حبيب الرب (معني اسم داود محبوب وهو الوحيد الذي حمل هذا الاسم في الكتاب المقدس) فلابد أن ينجو براية الرب, حتي لو هاجمه الوثنيون, فإن حبيب الرب يسكن لديه آمنا (تث 33: 12), يقول الرب له: محبة أبدية أحببتك, من أجل ذلك أدمت لك الرحمة (إر 31: 3).. ومن رحمة الله أن الضيق ينقي المؤمن ويتوبه, وفي الضيق ينال بركات ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله, الذين هم مدعوون حسب قصده (رو 8: 28). وهو قادر بنعمة الله أن يحتمل الضيق حسب الوعد: تكفيك نعمتي, لأن قوتي في الضعف تكمل (2كو 12: 9).
ويقول المرنم في آيتي 11 و12 أعطنا عونا في الضيق, فباطل هو خلاص الإنسان. بالله نصنع ببأس, وهو يدوس أعداءنا. تعلم داود درسا من الهزيمة. كان قد اتكل علي نفسه وعلي حلفائه, لكنه تعلم أن خلاص الإنسان باطل, وأن الله وحده هو العون في الضيق. وفي هذه الآية درس لرابح النفوس, هو أنه بيسوع وحده نصل إلي قلب الخاطئ, المتحصن ضد معرفة الله, والذي يقاوم الاستسلام لمحبة الله.
بدأ داود مزمور حائرا, ولكنه أنهاه بطلا منتصرا. بدأه يشتكي متزعزعا ساقطا, ولكنه أنهاه وقد صنع الله به ببأس. ومازالت هذه القوة العظيمة من حق كل مؤمن ليصنع ببأس, وينتصر علي كل من يدوس عليه, سواء داسته الخطية, أو المواقف العصبة, أو الأعداء, أو التجربة, فنتعلم كيف نقرع باب الرب في ثقة ومحبة وطاعة, فينفتح لنا باب الانتصار العظيم. ويعظم انتصارنا بالذي أحبنا, ولا يفصلنا عن محبة المسيح شيء, فنكون دائما في صحبة الغالب, الذي أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود بواسطة الإنجيل (رو 8: 37, 39 و2تي 1: 10).
وهذه هي أمنية الكاتب للقارئ في عام 2009.