في هذا التأمل الكتابي في المزمور الثامن والثلاثين نسمع المرنم يؤكد لنا أن مصاعب الحياة تقود إلي التوبة.ومزمور38هو أحد مزامير التوبة السبعة(هي مزامير6, 32, 38, 51, 102, 130, 143)عنوان مزمور38للتذكيرفقد تذكر داود خطية ارتكبها(غالبا مع بثشبع-2صم11, 12)فأوقع الله العقاب عليه,فاضطرب جسده كما اضطربت نفسه,وهجره أصحابه,وسخر منه أعداؤه.وفي وسط هذه الآلام تذكر خطيته,وعرف أنه يستحق ما حل به فقبل تعييرات المعيرين,وصرخ إلي الرب في أول المزمور وفي نهايته أن يرفع عنه العقاب(آيات1, 21, 22)ولو أنه في باقي المزمور يقول إن العقاب أكثر مما يستحقه الخطايا التي ارتكبها.ولا شك أن الله يؤدب المؤمن الذي يخطئ.ولا يبدو التأديب أنه للفرح بل للحزن(عب12:10).لكنه يؤدبه لكي لا يدينه مع العالم(1كو11:32),وليشركه معه في قداسته.
ويصف أيوب بالتفصيل ما يذكره المرنم هنا باختصار,فيصف مرضه(أي7:5 و9:17)ويقول إن الله عاقبه(أي16:12-14)وهجره أصحابه(16:20 و19:13-15).ويعزو أيوب آلامه لخطاياه,رغم أنه لا يعرف خطية معينة بسببها جاءت عليه كل بلاياه(أي7:21 و10:6)كما نجد أوجه شبه بين آلام المرنم وآلام عبد الرب المتألم الموصوفة في إشعياء53,رغم اختلاف أسباب الألم.
يبدأ المرنم هذا المزمور بذكر المصاعب التي ذكرته أن الله غاضب عليه(آيات1-10)فيذكر:
1-شدة مصاعبه ,فيقول:يارب لا توبخني ولا تؤدبني بغيظك.لأن سهامك قد انتشبت في ونزلت علي يدك.ليست في جسدي صحة من جهة غضبك.ليست في عظامي سلامة من جهة خطيتي(آيات1-3).لقد رأي العقوبة التي حلت به آتية من قاض غاضب.لا من أب حنون,وكأنه يشارك إرميا في قوله:أدبني يارب,ولكن بالحق,لا بغضبك لئلا تفنيني(إر10:24).إنه لا يرفض التوبيخ والتأديب,لكنه يريدهما بغير غضب,فقد رأي الله يضربه بسهم,ثم بيده.وسهام اللههي المرض والألم الذي لم يترك في جسده صحة,أمايدهفهي الضربات المتوالية كما من عصا,والتي لم تترك للمرنم راحة داخلية لأنه خاطئ,ولا استمتاعا برحمة الرب لأن غاضب عليه.كان شعوره بالذنب كالحمي التي تحرق نفسه من الداخل,والعقاب الإلهي كالضربات المنهالة عليه من الخارج,كما قال إشعياء:كل الرأس مريض وكل القلب سقيم.من أسفل القدم إلي الرأس ليس فيه صحة,بل جرح وأحباط(آثار جروج متورمة),وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت(إش1:5, 6)ويري داود أن خطيته هي سبب غضب الله عليه.
2-سبب مصاعبه,فيقول:لأن آثامي قد طمت فوق رأسي.كحمل ثقيل أثقل مما أحتمل.قد انتنت,قاحت حبر(جروح لم تلتئم)ضربي من جهة حماقتي(آيتا4, 5)يري داود آثامه كطوفان غامر يعلو علي رأسه,فلا نجاة منه,وكأنه يقول:جرفتنا المياه…عبر السيل علي أنفسنا(مز124:4)ورآها كحمل يدوسه تحته,كما قال قايين:ذنبي أعظم من أن يحتمل(تك4:13)وقد ضربه الله بسبب خطيته وجرحه فتلوثت الجروح وأنتنت وفاحت رائحتها.وعندما يستيقظ الضمير يري شناعة الخطية ويحس بثقلها,وهذه الأحاسيس ظاهرة صحية لأنها تدفع صاحبها إلي الالتجاء للمسيح الفادي بالتوبة والعزم علي الحياة مع الرب.
3-نتيجة مصاعب المرنم:لويت,انحنيت إلي الغاية.اليوم كله ذهبت حزينا,لأن خاصرتي قد امتلأتا احتراقا,وليست في جسدي صحة.خدرت وانسحقت إلي الغاية.كنت أئن من زفير قلبي(آيات 6-8).تلوي داود جسديا ونفسيا كمن أصابه برد شديد جعله عاجزا عن الحركة,وانسحق إلي الغاية,كما قال أيوب:أمعائي تغلي ولا تكف…حرش جلدي علي(خشن ومال إلي السواد),وعظامي احترت من الحرارة في(أي30:27, 30).زفر قلبه حزنا,وكانت نفسه تئن ألما نتيجة الألم والمرضلأنه مثل خبزي يأتي أنيني,ومثل المياه تنكسب زفرتي(أي3:24).وعندما نصل إلي حالة الأنين حزنا علي خطايانا يسمعنا الله الحنون ويقدم لنا التعزية التي تمحو كل أثر للحزن,وطوبي للحزاني لأنهم يتعزون(مت5:4).
4-بركات مصاعب المرنم:يارب,أمامك كل تأوهي,وتنهدي ليس بمستور عنك.قلبي خافق.قوتي فارقتني,ونور عيني أيضا ليس معي(آيتا9, 10).دفعت المصاعب المرنم إلي الحضن الإلهي الدافئ,فإن الرب يعرف كل شئ عن شعبه,ويعلم ما نحتاج إليه من قبل أن نسأله(مت6:8).يقول:سمعت أنين بني إسرائيل(خر6:5),فنقول له:أجعل أنت دموعي في زقك(مز56:8)سعيد هو الإنسان المتعب الذي يلجأ إلي الله,حتي إن كان يدرك أن تعبه عقاب إلهي عليه,لأنه عندما يلجأ إلي مراحم الله يجد عنده الترحيب والحب والغفران.
وفي آيات 11-14من مزمور38يقول المرنم إن المصاعب جعلته يفحص علاقاته الإنسانية
1-لقد هجره أصحابه,فقال:أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي,وأقاربي وقفوا بعيدا(آية11)كلمة ضربةتعني البرص(لا13:3)وقد عامله أحباؤه وأصحابه كأبرص!وقفوا بعيدا لأنهم عاجزون عن المساعدة,أو لأنهم خائفون من العدوي,أو لأنهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم معه.ربما كانت هذه كلها معا.وتطلع داود في تعبه إلي أحبائه من البشر,فلم يجد أحدا!.
2-زاد أعداؤه شرا:وطالبو نفسي نصبوا شركا,والملتمسون لي الشر تكلموا بالمفاسد,واليوم كله يلهجون بالغش(آية12)هاجموه ظلما كما كانوا يفعلون دائما.كثيرا ما يجيئنا الهجوم لأننا أخطأنا,لكن عندما يجيئنا الهجوم ونحن أمناء ننال البركة السماوية.لكم ضمير صالح,لكي يكون الذين يشتمون سيرتكم الصالحة في المسيح يخزون في ما يفترون عليكم كفاعلي شر,لأن تألمكم,إن شاءت مشيئة الله,وأنتم صانعون خيرا أفضل منه وأنتم صانعون شرا(1بط3:16, 17).
3-عجز عن الدفاع عن نفسه:وأما أنا فكأصم لا أسمع,وكأبكم لا يفتح فاه.وأكون مثل إنسان لا يسمع وليس في فمه حجة(آيتا13, 14).شعر المرنم بخطيته.فآثر الصمت أمام أعدائه وكأنه لم يسمع شتائمهم,وقرر تسليم أمره لإلهه لأنه لا يملك ما يدافع به عن نفسه.وهذا ما فعله أيوب عندما عجز عن رد دعاوي أصدقائه تمني أن يرفع شكواه إلي الله وقال:من يعطيني أن أجده فآتي إلي كرسيه.أحسن الدعوي أمامه وأملأ فمي حججا(أي23:3, 4).
وساتأمل يوم الأحد القادم إن تأني الرب في كيف جلعت المصاعب المرنم يعمق صلته بالرب,وذلك في مزمور التوبة(مزمور38)في الآيات15-22.