لا زلنا نتأمل في المزمور السابع والثلاثين,وسمعنا المرنم يقدم سبعة أسباب تساعد المؤمن أن لا يحسد الشرير.وفي آيات16-40يقدم المرنم سبع مفارقات بين الأبرار والأشرار,نتأمل أربع مفارقات منها في هذا الحديث,ونتابع الثلاثة الباقية يوم الأحد القادم إن تأني الرب وعشنا.
1-مفارقة في التمتع بالثروة:القليل الذي للصديق خير من ثروة أشرار كثيرين(آية16).قد يكون عند الصديق قليل وعند الشرير الكثير,حتي أن الصديق يجرب أن يحسد الشرير.لكن القليل الذي نعلم أننا أخدناه بأمانة وعدل هو خير من دخل كبير أخذ بالظلم.قال الحكيم:لقمة يابسة معها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح من خصام(أم17:1).القليل مع مخافة الرب خير من كنز عظيم مع هم(أم15:16)القليل مع العدل خير من دخل جزيل بغير حق(أم16:8).إن القليل الذي للصديق حلال,وهو يستعمله بحكمة لأنه وكيل أمين علي ما أعطاه الله له,ولهذا فهو يستمتع به,ويفيض علي جسده صحة,كما أن الصديق يستخدم ما عنده لخدمة غيرهاليوم كله يترأف ويقرض,ونسله للبركة(مز37:26).ثم أن الله يبارك الصديق وما يملكه,لأنه يطيع وصية الله ويدفع عشور دخله لعمل الرب.أما الشرير فلا يستمتع بماله لأن يسلب الله ولا يدفع عشوره.وهل يتبارك إنسان يسلب حقوق الله؟(ملا3:8)إن الهم يركب قلبه.حتي إن ضحك فلن يستمر ضحكه طويلا!
2-مفارقة في القوة:لأن سواعد الأشرار تنكسر,وعاضد الصديقين الرب(آية17)ذراعا الشرير قويتان,تعملان الشر,وتقاومان الصديقين,ولكن الله يقاوم الشريروتنكسر الذراع المرتفعة(بالكبرياء)(أي38:15).ويسند الله الصديق عندما يحاول الشرير إيقاع الأذي به.قد يظن الشرير أنه قوي,يسنده ظلمه,أو جبروته,أو ماله,أو أصحابه.لكن الرب يكسر سواعد الشرير.وقد تبدو ذراعا الصديق ضعيفتين,ولكن الله في محبته يسند هذا الضعيف ويقويه.
3-مفارقة في العمر:(مزمور37آيات18-20)
وتقدم هذه الآيات ثلاث حقائق:
(أ)يعرف الرب المؤمنين:الرب عارف أيام الكملة,وميراثهم إلي الأبد يكون(آية18).إنه يعرف أسماءهم,ويدعوهم بها(إش43:1)وهو يحصي شعور رؤوسهم(مت10:30)ويعرف طاعتهم ومحبتهم له.ويعرف عدد أيامهم,كما أيوب:أيامه محدودة,وعدد أشهره عندك,وقد عينت أجله(أي14:5)وقال المرنم:في يدك آجالي(مز31:15).وهو يعرف ويحدد ما سيحدث معهم في حياتهم,ويجعل كل الأشياء تعمل معا للخير لأجلهم,لأنهم مدعوون حسب قصده(رو8:28)وهو يعرف مستقبلهم الأبدي,فقد منحهم ميراثا لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظا في السماوات لأجلهم وهو يحفظهم ثابتين إلي أن يوصلهم إليه لينالوا هذا الميراث(1بط1:4, 5).
(ب)يعرف ما يحدث للمؤمنين:لا يخزون في زمن السوء,وفي أيام الجوع يشبعون(آية19).صحيح أن الصديق يمر بصعوبات وتجئ عليه أيام جوع روحي وفكري وعاطفي ومادي,لكن الرب الذي يسير مع الصديق كل الأيام يخرجه من جميعها سالما.فإذا الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير(1بط4:19)فيقولون مع داود:إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا,لأنك أنت معي(مز23:4)ويتحقق لهم وعد المسيح:أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء.إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلي الأبد,والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم(يو6:51).
(ج)يعرف ما سيحل بالأشرار:لأن الأشرار يهلكون,وأعداء الرب كبهاء المراعي فنوا. كالدخان فنوا(آية20).إنهم يهلكون كما تهلك المراعي التي تبدو خضراء,لكن حر الصيف ييبسها,وتلتهم الحيوانات خضرتها فتصير جرداء!فما أعظم الفرق بين من يحيا لله ومن يحيا لنفسه!يعرف الرب أيام الكملة,ويفارق بينهم وبين الأشرار.صحيح أن أعداء الرب يظهرون كالمراعي الخضراء البهية,لكن سرعان ما يقال عنهم:فنوا!كالدخان فنوا.
4-مفارقة في الأمانة:الشرير يستقرض ولا يفي,أما الصديق فيترأف ويعطي,لأن المباركين منه يرثون الأرض والملعونين منه يقطعون.من قبل الرب تتثبت خطوات الإنسان,وفي طريقه يسر.إذا سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده.أيضا كنت فتي وقد شخت ,ولم أر صديقا تخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا.اليوم كله يترأف ويقرض,ونسله للبركة(آيات21-26).
وتعلمنا هذه الآيات ثلاث حقائق:
(أ)الشرير يقترض ولا يفي:في أول المزمور كان المرنم يغار من الشرير لأنه ثري وناجح,ولكنه نجاح الشرير لم يستمر,فراح يقترض وعجز عن السداد.أو أنه لم يسدد لأنه غير أمين.والنتيجة الأليمة أنه يقطع من الأرض.أما المرنم,الذي يبدو في أول المزمور فقيرا,فقد أعطاه الله ما يكفي حاجاته وحاجات المحيطين به,فأخذ يترأف ويعطي,ويحسن إلي المحتاجين, فتم فيه الوصف:سعيد هو الرجل الذي يترأف ويقرض.يدبر أموره بالحق..فرق أعطي المساكين,بره قائم إلي الأبد(مز112:5, 9)وتحقق معه الوعد الإلهي:يباركك الرب إلهك كما قال لك,فتقرض أمما كثيرة وأنت لا تقترض(تث15:6).
(ب)الرب يكره طريق الشرير:يسر الرب بسلوك الصديق,لأن الصديق يسر بطريق الله,وكل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله(رو8:14),يتأمل الصديق في حياة المسيح الذي ترك لنا مثالا لنتبع آثار خطواته,ويسير في آثار تلك الخطوات(1بط2:21).وقد يتعثر الصديق ويسقط وهو يسير في طريق البر,ولكنه سرعان ما يقوم وينفض عنه ما علق به من أوساخ,لأن الرب يسند يده,كما أمسك المسيح بيد بطرس وهو يكاد يغرق,وأنقذه(مت14:31).قال الحكيم:الصديق يسقط سبع مرات ويقوم(أم24:16).ويقول الله:أنا الرب إلهك,الممسك بيمينك,القائل لك:لا تخف(إش41:13).يمشي المؤمن رحلة الحياة ويده في يد الرب,فإذا حدث وانزلق لخطأ ارتكبه أو لنقص حكمته فإن الله يرفعه.والقادر أن يحفظكم غير عاثرين,ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج(يه24).ليس كذلك الأشرار,فإنهم عندما يسقطون في الخطية يتمرغون فيها ويستمرون في ارتكابها,لأنها تناسب طبائعهم الفاسدة.
(ج)الرب يكافئ الصديق:إنه لا يسمح أبدا له ولا لأولاده أن يحتاجوا إلي شئ,أما بنو الشرير فيتيهون تيهانا لعدم وجود القدوة والتعليم في الأبوين,ويحاصرهم الفقر والجوع,فيلتمسون خبزا في خربهم ولا يجدونه(مز109:10).ويكرر المرنم أن الصديق يحسن ويعطي,ويسلك أولاده في آثار خطواته,لأنهم يتعلمون العطاء منه.وعندما نخدم الله خدمة بالمال يكافئنا بالمال,ويكافئ نسلنا ماديا.وعندما نخدمه بأن نسبحه ونشهد للآخرين عنه.يكافئنا بالروحيات,ويكافئ نسلنا.بالطريقة نفسها.دعونا نخدم الله خدمة مادية وخدمة روحية معا لننال البركتين.