لا زلنا نتأمل المزمور الرابع والثلاثين,الذي رتله داود عندما نجا من موت محقق علي يد شاول ومعه أبيمالك,فدعا شعب الرب ليسبحوا الرب,وأوضح في آيات8-10أن علاقة المؤمن الطيبة بالرب تدفعه للتسبيح:(آيات 8-10).
(1)فهي علاقة شخصية:ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب.طوبي للرجل المتوكل عليه(آية8).يذوق المؤمن صلاح الله عندما يعرفه معرفة قريبة شخصية ,فيكتشف صلاحه العظيم,ويتعلم أن يثق فيه ويتوكل عليه,ويكون سلوكه اليومي متوافقا مع عقيدته,فيصبح قويا به.قال الرسول بطرس:ذقتم أن الرب صالح(1بط2:3)ويقصد بالرب هنا:المسيح.وقال الرسول بولس:لأعرفه وقوة قيامته(في3:10),وهذه معرفة القرب والاختبار,التي تؤدي إلي السعادة الحقيقية.وكلمةرجلالمستخدمة في هذه الآية معناها في اللغة العبريةالقويفالذي يذوق صلاح الله تصبح حياته الإيمانية والأخلاقية قوية.
(2)هي علاقة مغيرة:اتقوا الرب يا قديسيه(آية9أ).اتقوا أي صيروا قديسين,بأن تخافوا الله في سلوككم.والقداسة تعني التكريس والتخصيص لله,كما تعني الطهارة والسلوك الذي يتفق مع دعوتنا لأن نكون لله مملكة كهنة وأمة مقدسة(خر19:6)ويقول الله:إني أنا الرب إلهكم,فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا قدوس(لا11:44).نقول إن هذه الكنيسة مقدسةلا لأن مواد بنائها تختلف عن مواد بناء أي بيت مجاور,لكن لأنها مخصصة لله قال الرسول بولس:الإله الذي أنا له والذي أعبدهفقد خصص نفسه لخدمته(أع 27:23).
(3)هي علاقة مباركة:لأنه ليس عوز لمتقيه.الأشبال احتاجت وجاعت,وأما طالبو الرب فلا يعوزهم شئ من الخير(آية9ب,10).سدد الرب أعواز الأرملة المديونة,فملأن دهنة الزيت كل الأوعية التي استعارتها من جيرانها,وباعت الزيت وسددت ديونها,وعاشت هي وبنوها بما بقي(2مل4:1-7).أما الأشبال فاحتاجت .وقد يقصد المرنم المعني الحرفي لكلمةالأشبالكما قيل:الليث هالك لعدم الفريسة,وأشبال اللبوة تبددت(أي4:11),أو قد يقصد بها المضايقين كما قيل:استرد نفسي من تهلكاتهم,وحيدتي من الأشبال.(مز35:17).ووحيدتههي حياته,والأشبال هم الأعداء الذين يريدون أن يهلكوه.فيكون المعني أن القوي الذي يخطف يجوع,أما المؤمن الوديع فيرث الأرض ولا يحتاج إلي شئ.الرب راعي فلا يعوزني شئ(مز23:1).فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع(في4:19).وقد سأل المسيح تلاميذه:حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية,هل أعوزكم شئ؟فقالوا:لا(لو22:35).إن الذين يعيشون حياة الصلة الشخصية بالله يضمنون لأنفسهم دائما كل البركات الإلهية.
بشر القديسكولومبااستكلندا بالمسيحية(521-597م).وقبل موته مباشرة كان يكتب تفسيرا لمزمورنا,توقف فيه عند آية10ولم يكمله,فعلق كاتب سيرته بالقول:لم يعوز القديس كولومبا شئ آخر من الخير وهو يعيش مع الله هنا,ولن يعوزه شئ من الخير وهو يحيا مع الله هناك.لقد ترك أمانة الوعظ والتعليم لمن سيحمل أمانة ذلك من بعده.
بعد تظاهر داود بالجنون,هرب من أمام أخيش الملك إلي كهف عدلام,التحق به بعض أهله وأربعمائة رجل,معظمهم هاربون من ديون أو أحكام,وكلهم متضايقون ونفوسهم مرة,ولكنهم قبلوا قيادته لهم ورياسته عليهم(1صم22:1, 2).وذات يوم سبت في عدلام ألقي موعظة كانت إجابة لسؤال أثاروه وسنتأمل في الواعظ,والسؤال,والموعظة.
1-الواعظ:هلم أيها البنون,استمعوا إلي فأعلمكم مخافة الرب(آية11).هو واعظ رحيم علي الخطاة,فينصحهم.صحيح أنه شجاع كمحارب وقوي كقائد,كما أنه مختبر شاركهم معاناة الطرد وهو برئ.غير أن أخلاقياته واهتماماتهم كانت أرفع من أخلاقياتهم واهتماماته,ومعرفته بالله أعمق من معرفتهم,فأخذ من الله تعليما أعطاه لهم.والواعظ الناجح هو من يستمع لله ثم يخبر الناس بما سمعه,لأنه يريد أن تتغير حياتهم للأفضل,كان يمكن أن ينشغل بنجاته الشخصية,أو بأمور الأربع مئة رجل المادية والاقتصادية,لكنه لم ينس أبدا الحياة الروحية لهذه الجماعة.
2-الواعظ يطرح سؤالا:من هو الإنسان الذي يهوي الحياة ويحب كثرة الأيام ليري خيرا؟(آية12).والحياة التي يهواها خائف الله هي الحياة الفضلي التي جاء المسيح ليهبها لنا(يو10:10)وهي لا تقاس بعدد الأيام,بل بالإنجاز والسعادة والطاعة.وهي الحياة ذات المعني التي تخدم الآخرين وتنمو يوما بعد يوم في مخافة الله,وهذا هو الخير الأسمي.
3-الموعظة:ومضمونها أن السعيد هو الذي يخاف الله في كلامه,وفي سلوكه:
(أ)التقوي في الكلام:صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش(آية13).عادة يستخدم المطاريد لغة خشنة,فيتعاركون مع بعضهم ومع غيرهم.وينصحهم الواعظ أنهم إن أرادوا حياة طويلة خيرة فعليهم أن يصونوا ألسنتهم عن الشر والغش,فإنهمن فضلة القلب يتكلم الفم(لو6:45)فيجب أن تصلح القوب.ولن يتم ذلك إلا بإيجاد صلة شخصية بين كل واحد منهم والرب,فيذوقون كم الرب طيب,وأنه طوبي للرجل المتوكل عليه.وكلمةالرجل المستخدم هنا تعنيالقويالقادر أن يسيطر علي لسانه,لأنهإن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة.الأشياء العتيقة قد مضت .هوذا الكل قد صار جديدا(2كو5:17).
(ب)التقوي في التصرف:حد عن الشر واصنع الخير.اطلب السلامة واسع وراءها(آية14).وما أحوج المطاريد للسلام مع الله ومع النفس ومع الآخرين.وعليهم أن يسعوا وراءه باستمرار بغير يأس.فلنعكف إذا علي ما هو للسلام وما هو للبنيان بعصنا لبعض(رو14:19).وقد اقتبس الرسول بطرس هذه الكلمات في1بط3:10.لأنه أراد أن يشرح للمؤمنين كيف يحصلون علي الحياة ذات المعني,وذات القيمة,في اللسان الذي نضبطه,وفي السلوك اليومي الذي يحيد عن الشر ويصنع الخير.