إن ميلاد المسيح الذي هو الله الكلمة الظاهر في الجسد أمر مدهش بالحق لأن اللسان عاجز, وكيف يحوي الفم الصغير العاجز هذا الخبر الإلهي الكبير جدا؟!. لم يستطع العالم كله أن يدرك عظم هذا الخبر الذي طال انتظاره مع عظيم مقداره.. وكيف يقدر المخلوق من الغبار والتراب أن يخبر بمجد هذا الميلاد الذي جاء من العلالي سر عجيب لا يدركه المخلوف إلا إذا منحه الخالق نعمة الإيمان في أدرك البيان.. إلهي بأي أصوات أعلن ذلك الخبر والبشريون لا يدركون مقدار تشريفك بينهم ولم تحتو عقولهم هذا الحب غير المسبوق ولا معلوم بين العقول البشرية.. لهذا يهتف إشعياء النبي المفتوح العينين ويقول: من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب (إشعياء 53: 1).
وكيف يستطيع لساني العاجز المحدود الفكر والعاجز البيان عن إدراك حلول الله في أحشاء البتول النقية المشرفة عن كل ذي جنس البشر.. وأي لسان يملك أن يعبر عن حبك الذي جاء في ملء الزمان, وبأي ميعاد أتفرس في ميعاد مجيئك ومحبتك, وفي أي مجال استطيع أن أتفهم هذا العجب الصادر من مزود بيت لحم؟! نعم عند العذراء البتول يتم الدهش الذي يراه البشريون, أنه غير معقول في مزود مخفي بعيد عن الفهماء ومجالس الرفعة أتي غير المحدود ليكون منظورا ملفوفا في خرق بالية وهو في الحقيقة نار آكلة احتجب في الجسد لكي يستطيع أن يراه المنظور..
إن غير مدرك بالعقول وقد تاهت فيه أوصاف الكاروبيم وأصحاب العروش النورانية وغير الموصف ولا مدرك حبه ولكن تراه علي ركب العذراء في صورة أبهي من النور وأجلي من الشمس الذي تخفي الملائكة نفسها بأجنحة النور من بهاء عظيم مجده, وهم يحسبون أنفسهم غير مدركين ولا مستأهلين لرؤيته الآن محمول علي أيدي ابنة داود.. هي تحتضن ابنها.. وهو في ذات الحال سيدها وربها.. المجد الكامن بين يديها معلوم من سكان السماء ولسان حالهم يقول: طوباك يا مريم يا ابنة داود الحماة الحسنة حاملة الجمر الإلهي ولا تحترق.. المالئ السموات بمجده والممجد من كل الطغمات تراه الآن في أفراتا (بيت لحم) في ركن هادئ بعيدا عن مشغولية لقاءات الأحباب ومعشر لقاءات النواب وزحمة ومراسيم الاكتتاب.. إنه في بيت داود القرية النكراء جاء ليحسبها ليست صغيرة (ميخا 2: 1). إنها موضع تشرف به الوجود فوق كل حساب ومحسوب أنها مدينة فوق التاريخ موضع ميلاد الكلمة الغير المدرك.
وإنه جاء في الجسد لكي يرسل نسيم الأبدية مع الحياة الأفضل علي كل من يؤمن به ولكي لا يهلك أحد بل يكون لهم الحياة الأسمي والحياة الأفضل في ملكوت ابن المحبة الإلهية.
ها هو إله الكل في أحشاء البتول أنه قدم ذاته لكي يشتري العبودية ذاك الذي فوق الكل يدخل إلي أعماق التركيب في الأحشاء ويخرج للعالم كمثل إنسان جسداني.. يا مريم أنك لم تقبلي الزواج ولا أنت في حاجة إليه من أجل ولادة الغير المنظور لكي يصير منظورا, لأنك فوق الكلمات, لأن قوة العلي تظللك وتثمر في بتوليتك. إنه لن يفسد الختم الشفاف برقابة بتوليتك, لأنك الوعاء الألمظي لأقداس النعمة غير المدركة, اطرحي عنك كل الأفكار البشرية ولا تفحصي بالعقل لأنه ابن الله…