لم أحسب يوما أنني سأكون في هذا الموقع. حاليا يجري جدال بشأن العامل الأكثر أهمية عند اتخاذ قرارات في السياسة الخارجية: التجربة والخبرة من جهة, أم الهوية الشخصية من جهة أخري. وأنا أجد نفسي أفضل الهوية الشخصية.
فطوال الحملة الانتخابية, كان بارك أوباما وهيلاري كلنتون يتجادلان حول من منهما يتمتع بمؤهلات أفضل لقيادة القوة العظمي الوحيدة في العالم. حجة هيلاري واضحة ويسهل الدفاع عنها. فقد كان لها دور في السياسة الخارجية طوال ثماني سنوات
أمضتها في البيت الأبيض (مع أن دورها لم يكن مباشرا من موقعها كسيدة أولي) ومن ثم سبع سنوات في مجلس الشيوخ. ومعظم المستشارين الديموقراطيين المحنكين في السياسة الخارجية يؤيدونها.
أما حجة أوباما فتتعدي الهوية الشخصية. لقد كان ذكيا ومتبصرا فيما يتعلق بكلفة الحرب في العراق. لكنه يقول إن رأيه تأثر بشكل أساسي بخبرته كرجل أبوه كيني ـــ وزوج والدته إندونيسي ـــ وأنه أمضي أربعة أعوام في إندونيسيا في صغره, وعاش في بيئة متعددة الثقافات في هاواي.
لم أتصور قط أنني سأوافق أوباما الرأي. لقد أمضيت حياتي أكتسب المعرفة المنهجية بشأن السياسة الخارجية. نلت شهادات عليا, وأدرت مشاريع أبحاث, وعلمت في الجامعات وكليات الدراسات العليا, وكنت رئيس تحرير مجلة تعني بالشئون الخارجية, ومستشارا لسياسيين ورجال أعمال, وكتبت مقالات ومواضيع رئيسية في الصحف, وسافرت مئات آلاف الأميال إلي شتي أنحاء العالم. ولم أعتبر يوما أن هويتي من بين مؤهلاتي. ولم أكتب قط مقالا يحتوي علي جملة: ”بصفتي أمريكيا من أصل هندي …” أو ”كوني غير أبيض …”
لكن ما يميز نظرتي إلي العالم, والأفضلية التي أتمتع بها وتجعلني أتفوق علي الآخرين فيما يتعلق بفهم السياسة الخارجية, هي أنني أعرف ما معني ألا يكون المرء أمريكيا. أعرف تماما الجاذبية والنفور والآمال وخيبات الأمل التي يشعر بها الـ95 بالمائة من سكان العالم الآخرين عندما يفكرون في هذا البلد. أعرف ذلك لأنني خلال جزء كبير من حياتي, لم أكن أمريكيا. كنت الغريب الذي ترعرع علي بعد 000,8 ميل من مراكز النفوذ, متأثرا بقوي خارجة عن سيطرة بلدي.
عندما أسمع ادعاءات واثقة بشأن الحرية والديموقراطية في العالم الثالث, أفكر دائما في أرياف الهند, حيث أمضيت الكثير من وقتي خلال نشأتي, وأتساءل عن رأي أولئك الفلاحين الذين يكافحون لكسب قوتهم بهذه المفاهيم المجردة التي تطلقها مؤسسة أميركان إنتربرايز. وعندما أقرأ آراء معلقين يشجبون ارتداء النساء النقاب ـــ وهو أمر لا أحبذه أيضا ـــ أفكر في إحدي عماتي, التي لطالما ارتدته, وفي الأسباب الكثيرة المعقدة التي تدفعها إلي ارتدائه, ولا علاقة لأي منها بازدراء النساء أو بتأييد الانتحاريين. عندما أتكلم مع الناس في بلدان أجنبية, مهما كانوا غرباء عني, أشعر دائما بأنني أعرفهم بعض الشيء.
ما كنت قادرا علي أداء عملي لولا الخبرة المنهجية. لكن نظرتي إلي الأمور تأتي إلي حد كبير من البصيرة التي اكتسبتها كوني أجنبيا أولا ومن ثم طالبا أجنبيا فمهاجرا طموحا والآن أمريكيا. لقد ساعدتني سيرة حياتي علي وضع ما تعلمته من الكتب في سياقه الصحيح, وساهمت في إثراء تفاعلي مع الأجانب, وساعدتني علي رؤية العالم من عدة زوايا. لذا أفهم ما يعنيه أوباما عندما يتكلم عن حياته والدروس التي تعلمها منها.
لننظر إلي خبرات الكثير من الأمريكيين المرموقين في سلك السياسة الخارجية. الجميع يقرون بأن زلماي خليل زاد كان سفيرا ممتازا في أفغانستان والعراق. هل يعود ذلك جزئيا إلي تفهمه لتلك الثقافات؟ معظم الناس يعتبرون هنري كسنجر مفاوضا شديد البراعة. هل يعود ذلك جزئيا إلي كونه يهوديا نشأ في ألمانيا وهاجر إلي أمريكا, وهو ما جعله يتمتع بمقدرة علي رؤية الأمور من عدة زوايا في الوقت نفسه؟
قد يبدو أنني أجادل بشأن أمور غير ملموسة, لكنها أمور أصبح أكثر رجال الأعمال حنكة يؤمنون بها. إن 14 مديرا تنفيذيا لشركات مدرجة علي لائحة فورتشن 100 مولودون في الخارج, وهو عدد ازداد إلي حد كبير في العقد الماضي. بعض هذه الشركات أعلنت بشكل صريح أنها اختارت مديرين تنفيذيين قادرين علي فهم واختراق الأسواق والثقافات الأجنبية. وهذا الفهم يتأتي من خبرتهم العملية الواسعة في تلك البلدان. بعض المديرين التنفيذيين مثل فيكرام بانديت من شركة ”سيتي غروب” وإندا نوي من شركة ”بيبسي” أمضوا معظم حياتهم المهنية خارج الولايات المتحدة لكنهم يتمتعون بحدس قوي فيما يتعلق بالعالم خارج أمريكا.
نحن ننتقل إلي عالم مختلف تماما, حيث ستصبح بلدان مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين أغني وأقوي وأكثر فخرا.
لكي تستمر أمريكا, يجب أن تنمي فهما أعمق وأغني وأكثر اعتمادا علي الحدس فيما يتعلق بهذه البلدان وشعوبها.
نيوزوييك