تولي جمال عبد الناصر حكم مصر علي امتداد ستة عشر عاما, من عام 1954 حتي عام 1970, الكثير من الشعب لم يعرف اسم حرم الرئيس في ذلك الوقت, لأن عبد الناصر لم يدفع بها إلي العمل السياسي أو النسائي أو الاجتماعي, لم تشاركه السلطة ولم تنقض علي بعض اختصاصاته, لم تلتهم الثروات أو تقتنص سلطات أو تتحول إلي مبعوث العناية الإلهية إلي الأرض!
لم تعرف مصر في ذلك الوقت لقب سيدة مصر الأولي, عاشت تحية كاظم أو تحية جمال عبد الناصر بعيدا عن الأضواء, لم تظهر في المناسبات الرسمية سوي مرات قليلة, وفيما عدا ذلك عاشت حياتها في الظل, ولذلك كانت تتعامل بعفوية وتلقائية.. تقول في مذكراتها ذكريات معه: كان جمال عبد الناصر يسافر إلي المؤتمرات ولم أرافقه, وكان يقول لي: إننا لن نركب طائرة واحدة سويا ونترك أولادنا, ثم فهمت أنه لا يريد الترف والبذخ وأن مرافقتي له في المؤتمرات رفاهية لا يرضي بها, فلم أطلب منه أبدا أن أرافقه… كان عبد الناصر لا يقبل هدية إلا من رئيس دولة ويفضل أن تكون رمزية, وتلقي هدايا عبارة عن سيارات من رؤساء الدول الصديقة, وكلها سلمها للدولة ولم يترك بعد رحيله إلا العربة الأوستن السوداء التي كان يملكها قبل الثورة, وظلت باسمه في قلم المرور, كذلك تلقي هدايا عبارة عن ساعات من الملوك العرب فأهداها للضباط, وكان يقول لي: إنهم من الضباط الذين خرجوا معي يوم 23 يوليو.
وتواصل تحية عبد الناصر مذكراتها: لم أكن أتكلم مع عبد الناصر في السياسة إلا إذا هو تكلم… وكان قليلا ما يتكلم معي في موضوع يتعلق بالسياسة… وفي مرة كنت أتحدث معه فقلت: أنا لا أتحدث إلا عن أشياء عادية ربما تضايقك فقال لي: تكلمي كما أنت, وهذا يعجبني منك ويسليني ولا يضايقني أبدا, بل العكس إنه يريحني فهو يبتعد بي عما يتعلق بالشغل والسياسة.
ثم تستطرد: في صيف 1958 اصطحبني زوجي عبد الناصر ليوجد سلافيا بدعوة من الرئيس تيتو, وكانت أول مرة يصطحبني معه للخارج ووصلنا إلي دبروفنج ثم إلي بريوني وأكد لي أن الرئيس تيتو سيكون في استقبالنا في الفندق فسلمي عليه… قلت نعم… وعندما وصلنا الفندق كان الرئيس تيتو مقبلا علينا وبجانبه رجل آخر فهمس عبد الناصر لي: سلمي علي الرئيس تيتو… وفي المساء ونحن بمفردنا قال لي ضاحكا: لقد قلت لك سلمي علي رئيس الجمهورية فوجدتك تصافحين الشخص المرافق له ألا!!
يوم وفاة جمال عبد الناصر قالت: عشت ثمانية عشر عاما لم تبهرني رئاسة الجمهورية ولا أطلب أي شئ أبدا… فقط أريد أن يجهز لي مكان بجوار الرئيس لأرقد بجواره.