اقتربت منه.. وبصوتها الأنثوي أرسلت إليه عدة رسائل عبر أمواج المياه تدعوه إلي لقاء حب معها.. لكنها لاحظت عدم اهتمامه بالرد عليها..
أصيبت بالانزعاج التام.. اقتربت منه أكثر.. سألته:
- ماذا بك؟
تجاهل الرد عليها,وواصل العوم صاعدا إلي السطح, ولما بلغه قفز فوق المياه بجسمه الضخم قفزة مكنته من أن يعب داخل فمه وخياشيمه الكمية التي يحتاجها من الهواء.. وغطس ثانية عائدا إلي أعماق المحيط.. أما هي فكانت في أثره.. قفزت فوق المياه بجسمها ذي الحجم الكبير وحصلت مثله علي النصيب الذي يكفيها من الهواء ولحقت به.
وعادت تسأله من جديد:
ما الذي جري لك؟ لماذا لا ترد علي..؟ أأنت متضايق من شيء..؟ أن أري أنه لا يوجد ما يدعوك إلي الضيق..؟ فأنت الأقوي بين الأسماك الموجودة حولنا والمياه تحيط بنا من كل جانب.. في محيط لا أول له ولا آخر.. والطعام موفوا وكل وسائل الراحة متاحة لنا.. وقصة الحب الجميل التي عشتها معك أثمرت الكثير من الأبناء الذين كبروا,وها هم يسبحون ويمرحون ويتزوجون وينجبون حيتانا تملأ المياه حركة وضجيجا وحياة وبهجة.. ومدام الأمر كذلك فلتكف إذا عن صمتك.. وتعال نعيش الحب..
وللمرة الثانية بصوتها الأنثوي أخذت ترسل إليه عدة رسائل تدعوه إلي الاقتراب منها.. وأمام إغرائها له لان قلبه بعض الشيء وتحرر قليلا من حالة الهم والغم الملمة به.. ورد عليها أخيرا:
يا امرأتي العزيزة طوال أيام عمري وأنا أتجول في أعماق المحيط.. تعبت.. تعبت كثيرا من العوم وبدأت أشعر بالملل من هذه الحياة.. كما أن رائحة المخلفات والعوادم التي تلقي بها السفن في كل يوم أصبحت تضايقني وتثير امتعاضي.. وقد حان الوقت كي أتحرر مما أنا فيه.
ردت عليه معاتبة:
لكن هنا في أعماق المياه بيتنا ووجودنا.
أجابها:
هناك شاطئ قريب علي مرمي الشوف قررت أن أندفع بجسدي ونفسي فوق رماله.. فإن أحببت الحضور معي فأهلا وسهلا بك.. وإن أردت البقاء هنا فلك ما تريدين..
للحظات ترددت امرأته في الرد عليه,وأخيرا قالت له:
لا.. لن أتخلف عنك أبدا.. فقط أنتظر حتي أخبر الأبناء والجيران بنيتنا.. فقد يرغب بعضهم مشاركتنا حياتنا الجديدة.
فرحا هز الحوت الضخم رأسه وردد:
هيا إذن أخبريهم بما عزمنا عليه.
في الحال قامت الزوجة بإرسال عدة برقيات عاجلة إلي جماعات الحيتان.. وسرعان ما لبت النداء.
***
ومع شروق الشمس في صباح وليد, فوجئ سكان الشاطئ بأعداد كثيرة من الحيتان ممددة فوقه,وفي مقدمتها الحوت الضخم,وعلي مقربة منه حليلته التي عاشت معه وسط الأمواج وآثرت ألا تفارقه وسط الرمال.