أنهي نعيم البدري العقد الخامس من عمره منذ عدة سنوات,وكانت زوجتهفاديةقد ماتت بداء الصدر.ولكنه لم يحزن عليها كل الحزن وإن إصابة لفقدها نوع من الاكتئاب لم يستطع يومها أن يعلل مصدره.
وكان الرجل يمتلك معرضا كبيرا لبيع العطارة بالجملة والقطاعي.وحدث أن التحقت بالعمل في معرضه فتاة خمرية اللون وممشوقة القد,وكانت الفتنة بعينها,وصارت هي المسئولة عن كشوف الحساب بالمعروض الكبير.
وامتلكت الفتاة من مرؤوسها الشيخ ناصية فؤاده.وصار لها عبدا وهو سيدها,والذي ما كان يفتأ ما بين الحين والآخر أن يمنحها من ماله ما يفوق مرتبها الشهري بمناسبة وبغير مناسبة.
وقرر الرجل الزواج من الفتاة مهما كانت العواقب,وحزم أمره وأقصي عن نفسه كل تخاذل وتردد.
وعندما فاتحها برغبته في الارتباط بها برباط زيجة لا تنفصم عراها,وافقت علي الفور,حتي كاد الرجل الشيخ يطير من فرط النشوة.
وبدأنعيميعد العدة للزواج من الفتاة.وبينما كان الرجل يسير منتشيا في إحدي الأسواق التجارية أبصر مصادفة صديقا قديما له من سني التلمذة يدعيسدراك الفايد,وكان الرجل قد اشتهر ما بين أقرانه شهرة مدوية بقراءة الكف والجبين.
وبعدما استوقفه نعيم وتصافحا,جلسا معا في مقهي قريب وتذكرا معا أحداث الماضي البعيد.
وسأل نعيمصديقه أن يقرأ له طالع عروس المستقبل.
وأمسك سدراكبكفنعيماليمني وقرأها,ثم لم يلبث وأن نفضها عنه,وبدأ في قراءة جبينه.
ثم ما لبث الرجل وأن ظهرت في عينيه دلائل الرعب والفزع,وقامسدراك من مجلسه وقال لصديقهنعيموهو يبتعد عنه بعيدا:
إياك يانعيموهذه الزيجة الشيطانية!…
ومضي سدراكإلي حال سبيله ولم يتفوه بكلمة.
وفصل نعيمحبيبته من العمل بمعرضه,وقطع علي الفور كل علاقة له بعروس المستقبل وهو يكاد يموت غما وكمدا.
ومرت الأيام كعادتها ولكنها مرت في ناظريه مرور السلحفاة وهو مازال كعهده ضيق الصدر مكلوم الوجدان.
وذات يوم وإذ كان الرجل في زيارة لأحد معارفه التقي بها,وكانت هي الأخت الصغري لصديقه.وكانتنورانغادة سمراء مليحة الوجه,صغيرة القدم,وعلي جانب عظيم من الاتضاع والحياء.
وسرعان ما توطدت بيننعيموالفتاة أواصر الألفة ووشائج الحب الهادئ الوديع وحول تلك الأيام التقينعيمبصديق عمرهسدراكووفق العادة بمحض الصدفة البحتة.وحكي نعيملصديقه حكاية الخطبة الجديدة.وبعدما تأملسدراكجبين صديقة مليا,بارك مشروع الخطبة بلا أدني تردد.
وتعددت زياراتسدراكلصديقهنعيمفي بيته الجديد ولكن علي فترات متباعدة ولدقائق معدودات,وعرفه خلالها آل البيت وأحبوه وإن استغربوه.
وفي آخر لقاء جمع ما بين قارئ الجبين وصديقهنعيم,قالسدراكمحدثا صديقه وبعدما تأمل جبينه وبذات لهجته الصعيدية:
لسوف يصير ولدك هذا يانعيمقومندان البحر..
ودارت الأيام دورتها ورحلنعيمعن دنياه,وجاء اليوم الذي صار فيه وحيده فايز البدريقائدا للقوات البحرية برتبة فريق بحري,وتحقق حرفيا ما سبق وأن قرأه سدراكعلي جبين صديقه الراحل.
وذات يوم أبصر الضابط الكبير بالكهل يتوكا علي عصاه في إحدي الأسواق الكبيرة,فاتجه إليه من فوره وصافحه ببشاشة وهو يهتف به:
كيف حالك أيها العمسدراكالعزيز؟…
وبعد قليل تردد تعرفسدراكعلي ابن صديقه,وربت علي ذراعه في رفق ومودة,وقال له وهو يسعل:
مرحيا بك يا ولدي..
ولم يلحظفايز البدريحينما كان الكهل يربت علي ذراعه…أنه كان يقرأ جبينه!!..