ببادرة شخصة تنم عن سماحة مصرية حقيقية وبوازع الخوف علي مصر قرر المعلم ممدوح رشاد مدير مدرسة الأندلس والحجاز الابتدائية المشتركة بالعصافرة بالإسكندرية أن يصطحب وفدا من تلاميذ المدرسة وتلميذاتها (عشرين ولدا وبنتا) وبعض المدرسات المحجبات لزيارة الكنيسة التي في المنطقة ليبدد الحاجز النفسي الكئيب بين الصغار ليحل محله شعور آخر جديد وجميل..
وبعد أن استأذن أولياء أمورهم والذين رحبوا بدورهم بهذه الفكرة أرسل خطابا إلي الأب الكاهن القس بضابا بخيت شنودة يطلب منه زيارة كنيسة القديسين مكسيموس ودوماديوس والأنبا موسي الأسود بشارع 45بالعصافرة قبلي وكان رد الأب الكاهن بالموافقة وفي الموعد المحدد انطلق موكب المدير ومدرسيه وتلاميذه من المدرسة نحو الكنيسة وكان التلاميذ الصغار في لفتة جميلة ورائعة يحملون باقة من الورود والزهور.
ورغم الرهبة التي صاحبت بداية دخولهم الكنيسة إلا أن استقبال الأب الكاهن بوجه بشوش وابتسامة كبيرة وترحيب رائع تبدد كل شئ.
اصطحبهم الأب الكاهن في زيارة لكل أرجاء الكنيسة وقدم فكرة سريعة عن الكنيسة القبطية ولمحة عن الكتابة المصاحبة للصور وهي اللغة القبطية المنبثقة عن اللغة المصرية القديمة.
وكم وقف التلاميذ يتأملون الصور والأيقونات بكل خشوع واحترام والأب الكاهن يحدثهم بإيجاز عن كل صورة وفي تلقائية طلب التلاميذ أن يضعوا مصروفهم في صندوق العطاء في لمحة بريئة رائعة لم تكن متوقعة بل طلب بعضهم أن يضيئوا الشموع خاصة أمام صورة العذراء ثم جلس الصغار حول الأب الكاهن يتجاذبون مع معلميهم التعليقات في جو من الود والتقارب, وفي نهاية الزيارة قدم القس للصغار الشيكولاتة والبونبون وبعض الأقلام التذكارية..
التجربة بحق مثيرة فمن هو هذا الرائد والمعلم الجليل الذي دعا للزيارة؟.. وماذا لو تكررت التجربة في كل مدارس مصر الابتدائية ألا يتغير وجه مصر إلي الأفضل وينتهي مسلسل الاحتقان الطائفي بفضل الجفاء والبعاد بين أبناء مصر مسلمين ومسيحيين..
وطني توجهت للأستاذ ممدوح رشاد مدير المدرسة المهموم بوطنه قبل أن تذهب لقس الكنيسة الأب بضابا بخيت فإلي الحوار.
* حدثنا عن نشأتك فلابد أنها مختلفة؟
* * تربيت في بيت يطل علي كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك وسط بيئة لا تفرق بين مسيحي ومسلم.. وكنت ألعب مع أصحابي الصغار من الأقباط في فناء الكنيسة, فارتبطت معهم برباط الحب والتسامح ولم نعرف معني للفرقة ثم كانت مرحلة أخري من حياتي حين ارتدت الكنيسة معزيا أو مهنئا وبين المرحلتين في أيام الصبا كنت أحمل الحطب (الفحم) لعامل الكنيسة والذي يوضع في المجمرة, لذا كنت حريصا أن أبذر بين تلاميذي الصغار من المسلمين والمسيحيين روح المحبة والتسامح وقبول الآخر وأبدد الأفكار المغلوطة التي في أذهانهم, وكنت أعامل الجميع بالمساواة ودون تفرقة في حصص الدين مثلا كنت أصر علي بقاء التلاميذ المسيحيين في الفصل ونزول التلاميذ المسلمين علي عكس ما يحدث في كل مدارس مصر.
أفكار مغلوطة
* كيف جاءتك الفكرة وما الدافع وانطباعك قبل وبعد الزيارة؟
* * ثاني يوم أحداث ماسبيرو وجدت أولادي التلاميذ المسيحيين غائبين عن المدرسة مما أفزعني وتساءلت لو أن المسلمين أقلية هل يرضون أن تعيشوا هكذا, لماذا يخاف التلميذ المسلم من أبونا لما بيشوفه أو من الكنيسة؟ وما يحكي له أن فيها سحر وشعوذة؟ وأن القس يرتدي الزي الأسود لأنه حزين علي مصر.. أفكار مغلوطة من يصوب الخطأ للجيل الجديد أنا تربيت بمنزل في محرم بك وكنت أتردد علي كنيسة العذراء المجاورة وألعب فيها مع زملائي, لكن ما نراه الآن من كشك وعسكري أمام الكنيسة لم نره من قبل. عندي هواجس خائف علي مصر قررت أن أرسل خطابا وأطلب من أبونا زيارة الكنيسة لتغيير الفكرة والانطباع.
الأفكار المشوشة تغيرت
* ماذا عن انطباع الأولاد عن الزيارة؟
* * تعاطفوا مع الزيارة وأحبوها جدا وعندي برنامج لزيارة كنائس أخري وبوفود أخري من التلاميذ فهذه أماكن عبادة مصرية. قبل الزيارة كان فيه شئ من الرهبة والخوف وحاملين أفكار سمعوها ثم تبددت والانطباع بعد زيارة الكنيسة مبسوطين جدا وتمنوا تكرار الزيارة مرات ومرات, الأفكارالمشوشة بالنسبة لهم تغيرت, العشرون ولدا وبنتا نقلوا هذه الصورة إلي زملائهم وأولياء أمورهم الذين طلبوا نسخة من سي دي الزيارة, أما بالنسبة لي فالزيارة عادية أنا متعود عليها وكنت أحضر الحطب لعم بولس ليعمل القربان وللمجمرة.
المحبة تحل كل شئ
* ما مردود الزيارة وهل تسببت لك في مشاكل؟
* * رد فعل جميل, الإخصائية كانت تستأذن وكل أولياء الأمور الذين عرضنا عليهم رحبوا بالزيارة ونصفهم بالمناسبة (ملتحين) علي مستوي التلاميذ الكل متشوق لزيارة أخري ولم أقابل أي مشاكل عندي 13 من المدرسين والمدرسات مسيحيين, 75مسلمين, المحبة تحمل كل شئ لو فيه تذمت وتشدد وأنا أرفض, ما عملته حبا في مصر.
كأننا في عيد
* الخواطر أثناء زيارة الكنيسة حدثني عنها؟
* * الكنيسة كمكان يأخذك, فهو مكان عبادة, لقد كان الجو جميلا داخل الكنيسة والكل يسمع للأب الكاهن. أخذنا معنا باقة ورد وخرجنا بالبسكويت والشيكولاتة وأقلام هدية, شعرت كأننا في عيد, نتمني أن تكون مصر فوق الجميع وفوق الأحزاب ويسود الحب والتسامح, وسوف أزور جميع الكنائس ودي أحسن رسالة أقدمها.
الجهل آفة
* في رأيك لماذا تنفجر الفتن الطائفية؟
* * الجهل آفة الشعوب.. نتيجة الجهل والفقر والمرض.
زيارات الود
* في نظرك علاج ذلك كيف؟
* * الفتنة الطائفية 90% مصطنع, 10% نتيجة الجهل لو تهادينا وزيارات الود لا تكون قاصرة علي المواسم والأعياد فإن استمرار الزيارات سيولد شعورا طيبا.
كنت أحلم
* والتقينا الأب القس بضابا بخيت شنودة كاهن الكنيسة قال:
* * ما حدث شمعة تنير ظلام العصب, كنت أحلم ككاهن أن يكون فيه عمل مشترك مع بعضنا يقرب المسلمين والمسيحيين, لأن الناس أعداء ما جهلوا, كأن تقام ندوات ولقاءات في المدارس وقصور الثقافة والنوادي يحضرها شيخ وقسيس ويتحدثون في موضوعات مشتركة (أسلوب الحوار- التعامل مع وسائل الإعلام- أضرار التدخين والمخدرات- القيم المشتركة- وموضوعات أخلاقية, ومشروعات مشتركة).
تعذر الأم من قبل!
* ولماذا لم يحدث ذلك؟
* * تعذر الأمر لعدم وجود آلية لتنفيذه وتخوف الأمن من هذه اللقاءات ورفضه لإقامتها بعد محاولات من سنين طويلة مع أعضاء جمعية التوجيه الإسلامي ومسجد أبو بكر الصديق بالعصافرة في سنة 2000 كان هناك لقاء أقيم في جمعية التوجيه الإسلامي بالعصافرة بمناسبة أحد الأعياد الإسلامية التي نتبادل فيها التهاني قمت باقتراح علي الحاضرين (وكيل وزارة الأوقاف- وكيل وزارة الثقافة- وكيل وزارة التربية والتعليم- الأئمة- أعضاء مجلسي الشعب والشوري- ومسئولي الجمعيات الأهلية) بعمل مشترك محسوس علي أرض الواقع بأعمال مشتركة ومعسكرات للشباب أو نوادي للشباب ووجدت قبولا من الحضور لكن آلية تنفيذه واجهت معوقات كثيرة جدا وخاصة من الأمن والشئ الوحيد الذي تم تفعيله هو لجنة الوفاق الوطني التي شكلت من مسلمين ومسيحيين كفض المنازعات.
وفي سنة 2005 طالب المحافظ عبدالسلام المحجوب بتفعيل ونشر الأخلاق وتسمية ذلك العام بعام الأخلاق في الإسكندرية.
* وماذا بعد ذلك؟
* * جاءتني دعوة من لجنة التعليم بالمجلس المحلي لحي المنتزه بعد جولة للجنة بالمدارس في حي المنتزه فوجدوا روحا غريبة تسود بين التلاميذ الصغار في المدارس, وهي روح الغربة والشك والتوجس من الأفكار الهدامة التي يسمعها الصغار ويكبرون عليها.
وبعد حالة من الإحباط والمعاناة الطويلة جاءني خطاب من مدرسة الأندلس والحجاز تحمله الإخصائية من م. ممدوح رشاد مدير المدرسة بطلب السماح بزيارة فصل من تلاميذ الصف السادس بالمدرسة للكنيسة فأحسست أن هناك شمعة سوف تضئ في هذا الظلام ورحبت بالزيارة وفي الموعد المحدد حضر عشرون من الأولاد والبنات وأربعة إخصائيات ومدرسات محجبات ويرأسهم مدير المدرسة بنفسه إلي الكنيسة حاملين باقة من الورود.
* ماذا تم أثناء الزيارة؟
* * قمت باستقبالهم ورافقتهم في جولة بأنحاء الكنيسة وقدمت لمحة عن تاريخها ولغتها وفن الأيقونات وصور القديسين والإجابة عن استفساراتهم وأخذت أداعب الأطفال بروح الود والابتسامات مما أزال الرهبة من نفوسهم والحواجز وقام م. ممدوح رشاد بالتعليق علي هذا الأمر بأنه لا يريد بعد الآن سماع أي إهانة أو كلمة لا تليق توجه للزميل المسيحي بعد زيارتكم لهذا المكان الجميل والمقدس.
كانت هناك تعليقات علي الصور واستمعوا إلي مديح عن العذراء, وصورة إبراهيم يذبح ابنه والقديس مكسيموس ودوماديوس وموسي الأسود, ووقفوا أمام أيقونة العذراء وألقوا مصروفهم ونقودهم في الصندوق وأضاءوا الشموع وطلبوا تكرار الزيارة واصطحاب زملائهم وأزيل ما علق بآذانهم من تشويش وطلب المدير أن نقوم بعقد ندوات بالمدرسة وقلت ليس لدي مانع ولتكن في موضوعات مشتركة واصطحب معي أحد الشيوخ وقدمنا حلوي وشيكولاتة وأقلام هدايا رمزية للتلاميذ وخرجوا وهم في حالة فرح وسرور بالغ.