بدأت الحياة السياسية في مصر تضطرب من جراء نفي سعد باشا ورفاقه سنة1922, إذ استقالت حكومة عدلي باشا ولم يستطع سياسي واحد أن يؤلف الوزارة,وظلت البلاد دون حكومة لمدة شهرين كاملين,وانصب مسعي الاحتلال علي سرعة تأليف حكومة حتي لا تشيع الفوضي في البلاد,فذهب تخطيط المندوب السامي البريطاني للاعتماد علي طبقة السياسيين المعتدلين وعلي رأسهم عبد الخالق ثروت ليعهد إليه بتأليف الوزارة,وانتشر الخبر في البلاد فظهر شجب وغضب في نفوس الشعب,وذهبت إليه وفود من الطلبة ولجنة السيدات وأعيان مصر يسألونه عن صحة الأخبار في توليه الحكم فكانت أجوبته غامضة مما زاد شكوكهم وطالبوه بعدم الموافقة بعد أن عرفت مصر كلها أنه مكلف بالوزارة لدرجة أن ابنه الصغير سأله هل أنت خائن يا أبي؟وذهب ثروت باشا إلي اللورداللنبييبين له أن قبول الوزارة في هذه الظروف يعتبر في نظر الجميع حتي ابنه خيانة, حتي إن مجموعة حاولت اغتياله.
وبعد تردد ثروت باشا في قبول الوزارة عرض في 8يناير 1922 علي اللورد اللنبي شروطه لقبول الوزارة وأهمها…إلغاء الحماية,والاعتراف باستقلال مصر,وإعادة وزارة الخارجية,ورفع الأحكام العرفية,وتكوين برلمان,وإطلاق يد الحكومة في شئون البلاد,وحذف وظائف المستشارين,وأن يستبدل بالموظفين الأجانب موظفون مصريون,والدخول في مفاوضات مع الإنجليز في شأن مصر وفي مسألة السودان.
عرض اللورد النبي هذه الشروط علي الحكومة البريطانية التي كان يرأسها آنذاك لويد جورج,وبدأت مباحثات بين رفض وقبول حتي سافر اللورد اللنبي إلي لندن في3فبراير ومعه الجنرال كلايتون مستشار وزارة الداخلية وأموس مستشار القضاء, وعندما وصل اللنبي إلي لندن يوم10فبراير أعلن في المطار أنه مصمم علي موقفه,واجتمع بوزير الخارجية في نفس اليوم وأكد له موقفه,ثم اجتمع بجورج لويد يوم15فبراير .وكانت الحكومة البريطانية بحثت هذا الرأي من قبل عندما أوصي به ملنر في تقريره بعد إخلاء يده من الانتداب علي مصر حيث تعرض لإلغاء الحماية وإبدالها بمعاهدة بين مصر وبريطانيا…غير أن تشرشل عارض هذا وأكد أن في هذا خسارة للإمبراطورية.وبعد أن تم طرح الفكرة مرة أخري علي يدي اللنبي بناء علي طلب عبد الخالق ثروت ممثل طبقة المعتدلين في مصر.
وأصر اللنبي علي الاستقالة التي قدمها مرتين حينما رفضوا طلبه,وبعد مباحثات شاقة أخذت الحكومة البريطانية القرار بالموافقة علي تصريح أطلق عليه تصريح 28فبراير أو تصريح اللنبي الذي جاء موافقا علي بعض الشروط وإلغاء الحماية البريطانية عن مصر وإطلاق يد الحكومة ولكن بشروط أربعة سميت الأربع مسائل.
وأبرق اللورد اللنبي إلي مقره في القاهرة برسالة بسيطة قائلا فيهاإني أعود منتصراوعاد بالفعل في27فبراير وأرسل إلي عبد الخالق باشا ثروت الذي سرعان ما ألف الوزارة الجديدة معترفا بهذا التصريح الذي خيب الآمال,وأعلنت الأمة عدم الاعتراف به لأن هذا الاعتراف يعطي للإنجليز حق التدخل في الصغيرة والكبيرة في شئون البلاد بالرغم من الاستقلال المزيف, وعلق هذا القرار ولم يعلن رسميا إلا في 14مارس حيث لم يكن البرلمان البريطاني وافق بعد.
وأطلق علي هذا التصريحنكبة علي الأماني القوميةلأنه لم يحقق مطالب الشعب المصري كاملة, وأقيمت اللقاءات العديدة برئاسة أعضاء الوفد وتم تعبئة الرأي العام ضد التصريح فمنعت السلطة الحكومية هذه اللقاءات,ومالبث أعضاء الوفد في التصرف بحيل حتي يتواصلوا مع الشعب, فاتجه فخري عبد النور إلي الكنيسة البطرسية يحضر الاجتماعات الدينية وينتهز الفرصة لتعبئة الشعب وبث روح النضال,وكتبت الصحف عن التصريح ليخرج دكتور طه حسين بمقال في الأهرام يوم1مارس 1922 أوضح فيه رأي المصريين بقوله: لا نطالب بالاستقلال لأننا نملكه والخصم يعترف به وإنما نطالب بالجلاء لأنه شرط لازم ليحقق الاستقلال في الواقع,وينشر هيكل أنإعلان الاستقلال هو إعلان مزيف, وأصدر الحزب الوطني بيانا أوضح فيه أن تصريح 28فبراير ما هو إلا تغرير بالأمة وأنه لا يغير شيئا في حالة المسألة المصرية.ولم يسلم التصريح من فصاحة الشعراء أمثال حافظ إبراهيم الذي قال:
قد حارت الأفهام في أمرهم
إن لمحوا بالقصد أوصرحوا
فقائل لا تعجلوا إنكم
مكانكم بالأمس لم يبرحوا
وأنشد شوقي قائلا:
قالوا الحماية زالت قلت لا عجب
بل كان باطلها فيكم هو العجب
بينما السلطان فؤاء وحاشية القصر ورجال الحكومة بدأوا مراسم الاحتفال بالاستقلال,وعهد السلطان إلي عبد الخالق ثروت تأليف الحكومة في 1مارس وحتي قبل إصدار الموافقة رسميا من البرلمان الإنجليزي أمر ثروت باشا المديريات أن تزين مبانيها وأن تحتفل بالاستقلال.
في15مارس 1922 أعلن السلطان فؤاد في خطابه عن الاستقلال مصر منذ اليوم متمتعة بالسيادة والاستقلالواتخذ لنفسه لقب ملك مصر فؤاد الأول.
واعتبر يوم15مارس عيدا للاستقلال ومن الأعياد الوطنية التي تعطل فيها جميع المصالح الحكومية وأطلقت المدفعية100 طلقة في الإسكندرية والقاهرة والخرطوم و21طلقة في عواصم المديريات.