حديث المدن الجديدة لاينقطع لأنها تمثل المستقبل,سواء المدن المحيطة بالقاهرة والإسكندرية,أو تلك التي يجري إقامتها علي طول نهر النيل بالوجه القبلي كتوائم لمدن الصعيد…ولأنها المستقبل الذي يحمل الأمل في حياة أفضل للكتل البشرية التي تكتظ بها المدن,يتواصل الحديث في شتي المجالس حول ظروف المعيشة وفرص العمل ونوعيات الخدمات التي توفرها المدن الجديدة,ومدي نجاحها في اجتذاب المصريين للحياة والعمل فيها .
ولأن القاهرة تستحوذ علي نصيب الأسد في كل شيء بفضل المركزية في التخطيط وفي القرار التي لانري فكاكا منها حتي الآن ,كان من الطبيعي أن يكون نصيبها من مشاكل التكدس العمراني والسكاني هائلا وبالتبعية كانت لها الأولوية والنصيب الأكبر في المدن الجديدة التي نشأت حولها-والتي يسميها المخططون مدن الأقمار-ومنها التي قامت علي أساس اقتصادي وصناعي وسكني,ومنها التي قامت لتوفر مناطق تعليمية ,ومنها التي قامت كمناطق سكنية فقط لتوفر بيئة جديدة نظيفة هادئة صالحة للسكن والسكينة.
ولعل واحدة من التجارب الملفتة لنماذج المناطق السكنية الجديدة التي نشأت في حضن مدينة القاهرة الجديدة هيمدينة الرحاب,وهي نموذج ناجح جدا استطاع أن يجتذب شريحة كبيرة من راغبي الانتقال إلي المدن الجديدة هربا من الواقع المتردي للقاهرة بالرغم من أنه لايمثل مركزا للعمل إنما هو مجرد ضاحية سكنية جديدة…لكنمدينة الرحابجذبت المصريين لرحابة تخطيطها وتلبية العناصر السكنية فيها لاحتياجات الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة وتوفر شتي الخدمات علاوة علي اكتمال تنفيذ وتشطيب شبكة الطرق والمرافق والحدائق فيها وهو العنصر الذي ساعد علي رفع درجة جاذبيتها بالمقارنة بمعظم المدن الجديدة الأخري التي تبدو في مراحلها الأولي جرداء موحشة وكأنها قديمة مهملة وهي بعد مدن بكر في مهدها التنموي…وأخيرا تتميزمدينة الرحاببوجود وسيلة مواصلات عامة تابعة لها تربطها بالقاهرة الأم بشكل منتظم مما يسهل علي قاطنيها الانتقال منها وإليها.
هذا ليس مقالا دعائيا لمدينة الرحاب ,فهي تجربة نموذجية تحتذي في مجال التنمية العمرانية استطاعت أن تقدم حياة هادئة مستقرة لمن بادروا بالانتقال إليها,ثم ارتفعت القيمة العقارية لمبانيها تباعا مع زيادة الطلب عليها وذلك هو المعيار الذي لايكذب لنجاح العمل…وقد حرصت علي هذا العرض لإيفاء المدينة حقها قبل أن أتعرض لأمر مقلق يجري علي قدم وساق فيها حاليا ويسبب فزعا لمجموعة من سكانها ,لأني أثق أن القائمين عليها إن كان فاتهم هذا الأمر سوف يسارعون إلي تداركه لعدم توافقه مع الأصول التخطيطية والعمرانية المرعبة في المدينة…ففي ركن المدينة توجد محطة المحولات الكهربائية المسئولة عن تغذية المدينة بالطاقة الكهربائية,ومنذ شهور قليلة لاحظ السكان المقيمون في المنطقة المتاخمة للمحطة بدء أعمال إنشاءات في الأرض الملاصقة لها مباشرة وظنوا أن هناك توسعات تجري للمحطة أو إنشاءات لمرافق تابعة لها,لكن كانت المفاجأة الصاعقة التي أذهلتهم عندما اكتشفوا أن الإنشاءات تخص إقامة محطة بنزين لتموين السيارات!!تابعة لشركة إكسون موبيل…وعلي الفور تمثل أمام عيونهم الخطر المرعب المحدق بهم في وضع محطة بنزين بما تتضمنه من خزانات وقود وطلمبات تموين السيارات وتداول مستمر لمواد سهلة بل سريعة الاشتعال ملاصقة لمحطة محولات كهربائية!!
أسرع السكان المرعوبون إلي القائمين علي إدارة المدينة يستفسرون عن الأمر حيث تأكدوا أن ما يجري تنفيذه واقعا وليس خيالا فهرعوا يحررون المحضر رقم 149 لسنة 2008 إداري قسم شرطة القاهرة الجديدة للتضرر من محطة تموين السيارات وطلب إيقاف تنفيذها ,لكن مضت الأيام ولم تتوقف الأعمال والخطر محدق بهم,فقالوا بالكتابة إلي الشركة القابضة لكهرباء مصر التابعة لها الشركة المصرية لنقل الكهرباء والمسئولة عن محطة المحولات الكهربائية في المدينة والتي قامت بمخاطبة رئيس جهاز مدينة الرحاب بالآتي:
إيماء إلي أعمال إنشاء محطة تموين وقود بجوار محطة محولات كهرباء الرحاب…برجاء التفضل بالإحاطة والتنبيه باللازم نحو إخلاء موقع محطة تموين الوقود ونقلها إلي أي موقع آخر بعيدا عن موقع محطة المحولات نظرا للخطورة الشديدة التي قد تنتج عن هذا الوضع,والشركة المصرية لنقل الكهرباء تخلي مسئوليتها تماما عن أي حوادث أو أضرار تنتج عن تواجد محطة الوقود بجوار محطة المحولات التي تغذي أحمال المدينة بالتيار الكهربائي.
ويبدو أن هذا الخطاب الصارم الواضح لم ينجح في إيقاف العمل في تنفيذ محطة تموين الوقود,لأن المجموعة المتضررة-بل المذعورة-من السكان أسرعت برفع الدعوي المستعجلة رقم 472لسنة2008 أمام الدائرة الثانية بمحكمة القاهرة للأمور المستعجلة والتي تحدد لنظرها جلسة السبت المقبل- 23 فبراير الجاري-…وأتصور أن الأمر أفدح من التهوين من شأنه باعتباره منظورا أمام القضاء,صحيح أن القضاء سيقول كلمته في هذه الخصومة,لكن ما يقلقني ترك تلك القنبلة الموقوتة التي يجري زرعها وسط بستان جميل,فهل يبادر القائمون علي مدينة الرحاب بنزع فتيل القنبلة؟