قضية تغيير اسم قريةدير أبو حنسبمركز ملوي بمحافظة المنيا أثارت ردود أفعال كثيرة انتهت في15يونية الجاري بصدور قرار محافظ المنيا رقم924 لسنة 2009 الذي ينص علي الآتي:يستمر مسمي قرية دير أبو حنس بناحية مركز ملوي بمحافظة المنيا كما هو دون تغيير أو تعديل,وذلك وفقا لما سبق وروده بقرار وزير الدولة للحكم المحلي رقم1979/30…وهكذا تم وضع حد لمعاناة أهل القرية الذين بوغتوا في12أبريل الماضي بالقرار رقم2009/3499 الصادر عن وزير العدل بتعديل اسم قريتهم ليصبح قرية وادي النعناع!!
لم يفهم أهل القرية لماذا يجري تعديل الاسم,ولماذا يتم طمس التاريخ الذي أفرز اسم قريتهمدير أبو حنسلحساب الاسم المعدلوادي النعناع,ومن الذي اقترح ذلك,ولماذا لم تتم استشارتهم قبل اتخاذ القرار…كل تلك الأسئلة ظلت تبحث عن إجابات وعندما فشلت احتج السكان رافضين تغيير اسم قريتهم,والحمد لله أن استجاب المحافظ وأصدر قراره بالحفاظ علي اسم القرية دون تعديل.
لكن إذا كان الستار قد أسدل علي معاناة أهل قريةدير أبو حنس,يظل الأمر المسكوت عنه والذي فجرته هذه الواقعة هو موضوع أسماء الأماكن وجذورها التاريخية وحجيتها وقوتها التي اكتسبتها عبر التاريخ والأزمنة…هل يمكن ببساطة أن نندفع ونعيد النظر في تلك الأسماء؟وما هي المعايير التي تسمح أو تمنع ذلك؟ وما هو حق السكان المستقرين في تلك الأماكن ومدي ارتباطهم باسم المكان تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا وثقافيا؟وهل يؤخذ رأيهم أو تقوم جهة الإدارة بتغيير الاسم دون استشارتهم وتفرض الاسم الجديد عليهم؟
كل هذه الأسئلة تتردد كلما يتم الإعلان عن تغيير اسم مكان ما سواء كان مدينة أو قرية أو ميدانا أو شارعا أو حتي اسم منشأ عام,وفي جميع هذه الحالات يشعر المواطن أنه غير معني بالأمر,فقط عليه أن يتلقي القرارات الصادرة ويقبلها ويتصرف بناء عليها دون أن يعرف أسباب التغيير ودون أن يشارك في صنع القرارات…صحيح أن الإدارة تتعلل بأن الأمر تم عرضه علي المجلس الشعبي المحلي أو علي مجلس المدينة أو علي مجلس المحافظة,لكن واقع الحال يشهد بأن سائر تلك المجالس منفصلة تماما عن القواعد الشعبية والسكانية التي تمثلها-والتي قامت بانتخاب أعضائها-ولا ترجع لمناقشة أي أمر مع المواطنين بل تتصرف من عليائها وتصدر قرارات فوقية وكأن الأسماء التي يتم تغييرها تخص ملكيات خاصة تضمها إقطاعيات تملكها وتحكمها تلك المجالس!!
ثم نأتي إلي المنطق والحجة اللذين يقفان وراء التغيير في الأسماء فنجدهما مفقودين,فما من مرة اكتشف المواطنون بالصدفة أنه تم تغيير اسم مكان يعرفونه تمام المعرفة إلا ووجدوا أنه لا يوجد سبب أو دراسة أو تبرير معقول يقف وراء التغيير,دائما يكون السبب سياسيا بإلغاء اسم شخصية أو خلفية تاريخية ارتبط بها المكان وإحلال اسم دخيل مصطنع بدلا منه,وذلك المسلك بجانب ما يسببه من استنكار وبلبلة ومشاكل مرتبطة بالأوراق الرسمية,ينطوي علي تجاوزين في غاية الأهمية والخطورة:الأول أنه يتنازل ويفرط في الإرث التاريخي للاسم الذي اكتسبه المكان والذي في معظم الحالات يكون له ثقل وجداني لدي المرتبطين بالمكان والمستقرين فيه والمترددين عليه والذين لهم جذور وفروع عائلية فيه,وذلك ما يطلق عليه هوية المكان التي يصعب جدا التضحية بها أو فقدانها…والتجاوز الثاني أنه يترتب عليه عبء هائل من الجهد والمال اللازمين لتعديل سائر الخرائط والمستندات واللافتات وغيرها من الأمور المرتبطة بالمكان لتحديث اسمه فيها…فلماذا نجد أن شهية مجالسنا المحلية وإداراتنا مفتوحة لطمس هويتنا الأصلية وتكبيلنا بالأعباء الناتجة عن ذلك بهذه البساطة؟!!
وأخيرا نأتي إلي النتائج المترتبة علي تعديل الأسماء فنجد أن أهمها يكون في انفصال الأسماء الجديدة عن الواقع المعاش,فليس بقرار إداري غير مبرر وبهذه البساطة يتوقف الناس عن استعمال الاسم القديم الذي جبلوا علي إطلاقه علي المكان ويتحولون فجأة لاستعمال الاسم الجديد,فغالبية الناس بشكل تلقائي عفوي-أو حتي في رد فعل رافض محتج علي التغيير-يستمرون في الإشارة إلي المكان باسمه السابق,ويحتاج الأمر إلي جيل كامل أو أكثر حتي يألف الناس الاسم الجديد وتتآكل لديهم الخلفية التاريخية للاسم القديم-وهنا تكمن الكارثة-فيشاع بينهم استعمال الاسم الجديد دون أن يدركوا الخسارة التي لحقت بهم من جراء ضياع الهوية والتاريخ.
إننا يجب أن نتروي في سياسات مراجعة أسماء الأماكن والاندفاع نحو تغييرها دون دراسات أو تبريرات أو موافقات شعبية,وحتي إن كان لدينا رصيد متزايد من الأسماء الجديدة التي تلح علينا ولا نعرف ماذا نفعل بها,فلدينا في المدن الجديدة والقري الجديدة والميادين والشوارع والمرافق التي تعج بها المجتمعات العمرانية الجديدة أرضا خصبة لتفريغ هذه الشحنة فيها…علي الأقل لن نتسبب في هذه الحالة في تشويه هويتنا وتاريخنا وثوابت شعبنا وسوف نتفادي الارتباك الإداري والانفصال المعاش بين الأسماء القديمة الراسخة والأسماء الجديدة الدخيلة عليها!!