أرجو أن يتفضل اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية والمهندس محمد منصور وزير النقل بزيارة محطة سيدي جابر بالإسكندرية,للاطلاع علي سير العمل في المشروع الضخم الذي يجري تنفيذه هناك,علاوة علي متابعة حركة الركاب في محطة السكك الحديدية,لكن بشرط ألا تكون زيارة السيد المحافظ أو السيد الوزير مرتبةولامفاجئةولاإعلامية,بل إن أمكن تكون الزيارة فردية لكل منهما,مع إمكانية تخفيهما حتي لا يتعرف أحد عليهما فيحدث هرج ومرج من النوع المألوف إزاء زيارات المسئولين فترتبك سيمفونية العمل والحركة الجارية هناك!!
زيارة عمل قادتني الأسبوع الماضي إلي الإسكندرية,ولأنها كانت سريعة حيث الذهاب والعودة في نفس اليوم فضلت أن أستقل الديزل لضمان السرعة والراحة,لكن أثناء رحلة الذهاب من القاهرة إلي الإسكندرية جاءني اتصال تليفوني نبهني فيه محدثي إلي أن هناك إنشاءات تجري في محطة سيدي جابر,ترتب عليها وجود تعديلات في أرصفة الوصول والسفر التي تم مدها بعد النطاق المعروف للمحطة…إلي هنا وليس في الأمر غرابة,لكن محدثي استطرد يسألني عن رقم العربة التي أستقلها من القطار,وعندما عرف أنها عربة رقم(5) قال بارتياح:الحمد لله أنها عربة في منتصف القطار,إذن لن تصادفك مشاكل في مغادرة القطار إلي الرصيف الجديد للوصول,إذ أن طول الرصيف لا يمتد لتغطية كامل عربات القطار, ويضطر ركاب العربات الأمامية والخلفية إلي الانتقال إلي العربات الوسطي للنزول إلي الرصيف بأمان…ولأن محدثي كان قد سبقني في اليوم السابق إلي الإسكندرية ومر بذات التجربة استطرد يقول:بالأمس تعرضت لموقف مؤسف لدي وصول القطار إلي محطة سيدي جابر,إذ بينما أسرعت أشق طريقي بين الركاب للوصول إلي عربة متوسطة للخروج إلي الرصيف استرعي انتباهي مشهد سيدة عجوز تبكي لعدم قدرتها علي الجري والتزاحم لتفعل ما أحاول فعله,وأخذت بيدها لأطمئنها حيث عرفت منها أن ابنها ينتظرها في محطة سيدي جابر…حاولت مساعدتها علي اللحاق بباب الخروج من القطار قبل أن يتحرك متجها إلي محطة الإسكندرية,وعندما تبين لي صعوبة إدراك ذلك أجلستها وتأكدت أن معها تليفونا محمولا, وأشرت عليها أن تتصل بابنها المنتظر في الخارج ليلحق بها في محطة الإسكندرية!!
جلست في مكاني أفكر فيما حدث متحسبا ما يمكن أن أواجهه لدي وصول القطار إلي سيدي جابر,وبالفعل لاحت أمامنا آثار الأعمال الجارية في المحطة من أنقاض وتكسير وشدات معدنية وخشبية ولافتات وحواجز علي امتداد النطاق المعروف لها,وبعد تجاوز القطار لكل ذلك تمهل استعدادا للوقوف وتم فتح باب العربة لأخرج مع سائر الركاب متجها إلي السلم المؤدي إلي النفق العابر أسفل شريط السكة الحديد للخروج من المحطة…لكن لم أجد السلم وبدلا منه وجدت مجموعات الركاب تقف في مكانها متكالبة علي نقطة بعينها,وسألت فعرفت أن الجميع في انتظار تحرك القطار حتي يعبروا شريط السكة الحديد للخروج من المحطة !!…وهالني ذلك,فكيف يمكن للركاب ومنهم بطبيعة الحال كبار السن والمقعدون والأطفال ومن معهم أمتعة أن يعبروا شريط السكة الحديد؟…وماذا لو تهور أحد خاصة من الشباب واندفع يعبر قبل مغادرة القطار المحطة؟… إن الأمر ينطوي علي خطورة شديدة.وقبل أن أفيق من هذه التساؤلات تنبهت إلي قطرات المطر التي بللت رأسي وملابسي,حيث بدأ المطر ينهمر وسط جو قارس البرودة,وبدأ الناس يتململون ويستعجلون تحرك القطار…وهنا كان القدر يعد لنا مفاجأة.
قبل تحرك القطار إذا بقطار قادم من الاتجاه المضاد علي الشريط المقابل يصل إلي المحطة,وبدأت مع وصوله آهات الركاب الواقفين تنطلق,إذ أدرك الجميع أنه حتي مع تحرك القطار الذي نزلوا منه,أصبح هناك أمامهم قطار آخر يعيق عبورهم شريط السكة الحديد للخروج,وعليهم أن يقفوا تحت المطر والبرد القارس في انتظارتحرك القطار التالي أيضا…وانتابني في تلك اللحظة خاطر مضحك ومفزع,إذ تساءلت:وماذا لو وصل قطار ثالث إلي الرصيف قبل مغادرة القطار الثاني,هل نقف ننتظر إلي ماشاء الله؟…هل هذا هو التنظيم الذي تفتق عنه ذهن المخططين للمشروع الجديد عندما قرروا استمرار عمل محطة سيدي جابر بالرغم من الإنشاءات؟!!!قد يكون الطريق المألوف الذي يعبر أسفل سطح الأرض غير متاح لاعتراض الإنشاءات له,لكن البديهي أن يتم إنشاء كوبري علوي في منطقة الرصيف الجديد ليسمح للركاب بالعبور السريع الآمن عبر أرصفة المحطة ودخولا لها وخروجا منها…هل استعصي ذلك علي إدراك المسئولين؟!!…وهل هانت سلامة وأرواح المصريين إلي هذه الدرجة؟!!…
أفقت من أفكاري وحنقي علي صوت تحرك القطار الثاني وحمدت الله أنه لم يصل قطار ثالث وانفتح الطريق أمام الركاب ليندفعوا عابرين شريطي السكة الحديد,حيث انقسموا إلي مجموعتين:الشباب الذين فقدوا صبرهم قفزوا من الرصيف إلي منسوب الشريط الذي ينخفض حوالي80سم وعبروا ليعودوا يقفزون صاعدين إلي الرصيف المقابل…أما الكبار أو من معهم سيدات وأطفال فتزاحموا للمرور من خلال منحدر وحيد ضيق بجواره سلم وحيد ضيق أيضا لا يتناسبان إطلاقا مع كثافة حركة الركاب المعروفة في محطة سيدي جابر,وبعد عبورهم الشريط استقبلهم علي الجانب الآخر منحدر وسلم مماثلان ليصعدوا إلي الرصيف المقابل…هذا كله جري وأنا أتحرك ضمن المجموعة الثانية وأتلفت يمينا ويسارا تحسبا لاقتراب قطار قادم إلي المحطة من أي من الاتجاهين, ولا أعرف هل سينتظر انفضاض الركاب عن الشريط أم ستحدث كارثة؟!!
الطريف أنه وسط ذلك المشهد الهزلي لمحت أحد الواقفين علي الرصيف تبدو عليه علامات الحيرة والعجز ويرفع لافتة مكتوبا عليهامكتبة الإسكندرية…وهنا تذكرت أن المكتبة تستقبل بانتظام العديد من الشخصيات العامة من المصريين والأجانب من المدعوين للمشاركة في أنشطتها,كما تذكرت أن ذلك اليوم يواكب الاستعداد لبدء فعاليات المؤتمر السنوي الحاشد الذي تنظمه المكتبة منذ عدة أعوام تحت عنوان الإصلاح العربي…وطبعا شعرت بقدر غير قليل من الحرج و الضيق أن تكون تلك السقطة في تأهيل محطة سيدي جابر لتستمر تعمل في ظل الإنشاءات قد استقبلت زوار المكتبة في بدء وصولهم للإسكندرية.
أعود إلي اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية وإلي المهندس محمد منصور وزير النقل لأسألهما :إذا كان ما يحدث في الوقت الحالي في محطة سيدي جابر هو أقصي ما يمكن تحقيقه من اعتبارات الأمان والسلامة,وإذا لم يكن في خطة المحافظة أو الوزارة تعديل مسار حركة الركاب بعيدا عن عبور شريط السكة الحديد في الفترات المتاحة بين حركة وصول القطارات في الاتجاهين…لماذا لا يتم إيقاف تشغيل المحطة والاكتفاء بالمحطة الرئيسية في الإسكندرية؟…أعلم أن ذلك سيخلق مشكلة تكدس وازدحام,لكن ذلك أرحم وأهون من ترك محطة سيدي جابر كقنبلة موقوتة سوف تنفجر حتما علي مأساة إنسانية,ووقتها سوف يقف كل منكما أمام كاميرات التليفزيون والفضائيات ليدلي بتصريحات عنترية عن العمل علي إنشاء كوبري علوي لعبور الركاب فوق شريط السكة الحديد,وكأنه اختراع حديث لم يسبق أن عرفه المصريون!!!