في 29 يوليو الماضي وفي ميدان التحرير تحولت (جمعة الإرادة الشعبية وتوحيد الصف إلي مصادرة الإرادة الشعبية وتمزيق الصف وكان ذلك مع سبق الإصرار والترصد من جانب تيار الإسلاميين والسلفيين لأنهم باغتوا إجماع الوطنيين المصريين بالانشقاق بعدما كان هناك اتفاق بين 38 فصيلا سياسيا علي توحيد الجهود ولم الشمل… وإذا كنت أقول مع سبق الإصرار والترصد, ذلك لأن تبريرات زعماء الحركات الإسلامية والسلفية التي صرحوا بها في الإعلام مساء ذلك اليوم بأنهم لا سيطرةلهم علي الجموع التي ساقوها وحشدوها كانت تبريرات واهية هزيلة تتناقض مع الواقع والأدلة فكل شئ كان منظما سلفا سواء إطلاق الهتافات الدينية أو رفع الأعلام العنصرية أو البيانات المطبوعة التي تم توزيعها في الميدان!!!
وفي ضوء ما أعلنته الفصائل السياسية ظهر ذلك ذلك اليوم أن 33 فصيلا من أصل 38 انسحب من الميدان اعتراضا علي نقض الاتفاق من جانب الإسلاميين والسلفيين, أما في البيان الذي تم توزيعه بواسطة الفصائل الخمسة الباقية وهو يحمل شعارات هذه الفصائل وهي:
- الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
- الإخوان المسلمون
- الدعوة السلفية
- الجماعة الإسلامية
- جبهة الإرادة الشعبية
من يقرأ البيان الذي جاء عنوانه لماذا جمعة 29 يوليو؟ يجد أنه يكرر المبادئ التي يقرها الجميع فيما يخص التضامن مع مطالب أهالي الشهداء, والتضامن مع حقوق المصابين في العلاج والتكريم, والمطالبة بمحاكمات حقيقية للفاسدين, وإعادة روح الثورة وتوحيد المصريين وتفويت الفرصة علي من يريد شق الصف الوطني (وهنا دعوني أتوقف لأسجل أن شر البلية ما يضحك فها هو البيان الذي طعن الإجماع الوطني في الظهر يتحدث عن توحيد المصريين وعدم شق الصف الوطني!!!), ثم يمضي البيان ليسجل رفض الوصاية من أية جهة علي الشعب واختياره الحر, وأخيرا رفض وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور باعتبارها مصادرة لحق الشعب في وضع الدستور الجديد.
للأسف الشديد أن هذه الفصائل الخمسة التي أصدرت ووزعت البيان اغتصبت لنفسها حق التعبير عن جموع المصريين وادعت الحرص علي مصالحهم دون سائر الفصائل الأخري الثلاثة والثلاثين, فكأن هذه الفصائل الخمسة بصوتها العالي وبهتافاتها وأعلامها العنصرية تحولت فجأة لتمثيل سائر المصريين واحتكرت وحدها حمايتهم من سلب إرادتهم أو فرض الوصاية عليهم… هكذا اعتقد أصحاب الصوت الزاعق أنهم يستطيعون تزييف الواقع والانفراد بالذور عن الشعب إزاء المؤامرات التي تحاك له!!!
ولكن ما هي المؤمرات التي تدبرها الفصائل الوطنية الثلاثة والثلاثين والتي تحاول بها اختطاف إرادة الشعب المصري وتضليل وخداع جموعه, والتي استوجبت أن تهب الفصائل الخمسة مرتدية رداء المنقذ المصلح؟!!… إنها مؤامرات الحديث عن المواد الحاكمة للدستور في شقيها: الأول الذي يخص معايير اختيار الجمعية التأسيسية التي ستتولي صياغة الدستور, والثاني الذي يخص المبادئ الأساسية الواجب تضمينها الدستور لتعبر عن توافق الأمة وصيانة حقوق جميع أبنائها… فهي تلك المبادئ الحاكمة شر يحيق بالمصريين يستوجب إنقاذهم منه؟…
الحقيقة أن من يطلع علي الجهود الدؤوبة المخلصة التي بذلتها الجماعة الوطنية بفصائلها المختلفة خلال الأشهر الأربعة الماضية في مناقشة وصياغة وتشكيل مبادئ الدستور وطرحها للنقاش العام ومراجعتها بناء علي ردود الأفعال التي عبرت عنها شتي شرائح المصريين, لا يمكن أن يفوته ذلك العمل الوطني المخلص ولا يمكن أن يتبادر إلي ذهنه أن هناك نوايا مبيتةلمصادرة إرادة الشعب في هذا الخصوص… وكذلك من يطلع علي تشريح الجماعة الوطنية للعناصر والخبرات الواجب دعوتها لعضوية الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة الدستور لا يمكن أن يفوته حرص هذه الجماعة علي أن يكون تمثيل جميع المصريين بسائر تنوعهم واضحا ومتوازيا في تلك الجمعية.
إذا ما هذا الاتهام الجائر الذي تروجه مجموعة الفصائل الخمسة المنشقة عن الإجماع الوطني في جمعة 29 يوليو الماضي؟… ولماذا تصر علي تشويه ذلك الجهد وتضليل البسطاء لمجرد أنهم لا يعرفون؟… وما المصلحة في اختطاف الدستور ومن سيكتبه لحساب مجموعات محددة أعلنت عن أجنداتها الخاصة جدا التي تبتعد كثيرا بمصر وطموحات المصريين في دولة مدنية ديموقراطية حديثة؟… كل هذه الأسئلة لا تكمن إجاباتها في الانزلاق في معارك كلامية أو تراشق لفظي مع هؤلاء, إنما في تسليط الضوء علي ما أنجزته الجماعة الوطنية في إطار الوثيقة التوافقية للمبادئ الدستورية الأساسية, ومعايير اختيار اللجنة التأسيسية, حتي يعرف القاصي والداني من الذي يبغي لمصر خيرا ومن يضمر لها شرا… فإلي اللقاء حول قراءة فاحصة في هذا الخصوص.