تأليف:سليم كتشنر
الناشر:الهيئة المصرية العامة للكتاب-2009
ماذا يحدث لو جاء الفارس الهمام عنترة بن شداد إلي مجتمع القرن الحادي والعشرين؟سؤال مثير نجح الكاتب المسرحي المتميز سليم كتشنر في التعامل معه من خلال مسرحيته لو كان قلبي معيحيث قدم قراءة للواقع بكل سلبياته بعين التراث مما أنتج مواقف كوميدية صارخة عن هذا الفارس الذي يريد أن يصلح أحوال الناس في مجتمعنا بسيفه !وهو الأمر الذي يجعل القاريء يتذكر فورا رائعة الكاتب الأسباني سارافانتس دونكيشوتالفارس الذي حارب طواحين الهواء.
آلة الزمن وصدمة العري
المسرحية تنقسم إلي ستة فصول:
يدور الفصل الأولممنوع علي الفرسان الشكوي حتي الموت, ويقدم فيه الكاتب عنترة وشيبوب أخاه الذي يخبره بأنه يسافر إلي عالم غريب بعد أن يطعم الجواد بزهرة الخشخاش, وقد استبدل الكاتبالحصان الأبجربآلة الزمان التي تعبر أزمنة بعيدة ومختلفة. في البداية لايصدق عنتر شيبوب إلي أن يمتطي الجواد ويعبر به إلي الزمن المقصود
يأتي الفصل الثاني صدمة العريحيث يهبط عنتر وشيبوب داخل كافتيريا بأحد الفنادق الكبري ويشاهدان هناك راقصة عارية تصور إعلانا عن الشيكولاته فيتعجب عنترة من زمن غابت فيه الأخلاق وساد فيه الانحلال والعري,وقد انتقد الكاتب في هذا الفصل الإعلانات وما يحدث بها من ابتزاز واستخدام جسد المرأة كسلعة لبيع سلعة!
تنتقل بنا المسرحية بعد ذلك إلي الفصل الثالث ادفع بالتي هي أحسنويدور حول شاب مراهق ينتظر بلهفة وبشوق من يتحدث معها علي الإنترنت, وهو اللقاء الأول فيتحدث معها علي الهاتف ليصف لها الملابس التي يرتديها كي تتعرف عليه…وفجأة تحدث المفارقة حيث إنها تتوقع أنه شاب بالغ, كما يصف لها نفسه, لكنها تجده مراهقا, وهو أيضا يذهل عندما يجدها امرأة لعوبا في العقد الرابع, ثم يجلسان في خيبة وصمت وذهول, ويدخل عنترة ويسمع الحوار والعتاب الدائر بينهما,ويتعجب لما يحدث, ويتوجه إلي المراهق ويسأله: ماذا بك؟
فيرد المراهق:باتفرج علي كل حاجة من بعيد… من بعيد قوي… الرحلات,الحفلات,المغامرة,الصداقة,الرياضة حتي الحب.البطل بيحب بدالي وأنا باتفرج عليه من بعيد وكأن الدنيا بتقول لي ممنوع اللمس,ابعد..ممنوع الاقتراب.
عنترة: أنت من الأموات إذن؟
وينتقد الكاتب أيضا في هذا الفصل النتالذي خلق حياة افتراضية يشوبها الوهم والكسل, وما يمكن أن نسميه عبودية شاشة الكمبيوتر, واستطاعت كلمات عنترة ونصائحه لهذا الشاب أن يحرر نفسه من العبودية.
قضية أخري يتناولها المؤلف ألا وهيظاهرة بيع الأعضاءوهنا يأتي ستر بتيروهو عنوان الفصل الرابع من المسرحية الذي يدور حول ظاهرة بيع الأعضاء, وقد ربط الكاتب وقارن بين راقصة الستربتيز التي تعري جسدها قطعة قطعة من أجل النقود, وإنسان هذا العصر الذي يعري نفسه وروحه حتي يعيش.
طريق الآلام
في الفصل الخامس كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟ينتقد فيه الكاتب سليم كتشنر الأوضاع المقلوبة والتعذيب في السجون, ثم ينتقل إلي الفصل السادس والأخيرطريق الآلام, وفيه يحكم ويؤمن للكاتب أن الإنسان إذا رأي وشارك وفهم وعقل الأمور فلابد أن يكون مكانه الحقيقيمستشفي المجانينوهناك يجد أبو زيد الهلالي سلامة في عنبر المجانين والشاب العاقل الذي باعوا حبيبة عمره إلي مليونير,وهناك أيضا في العنبر تجد المذيع الجريء الذي قال الحق والصدق علي الهواء مباشرة, والطبيب الحقاني الذي أقر بأن كل نزلاء المستشفي عقلاء, فأصبح نزيلا هو الآخر, وكل هؤلاء يستنجدون بعنترة بالفارس الهمام كي ينقذهم.
وفي النهاية لقد برع الكاتب في المزج بين كوميديا الموقف الناجم عن عدم فهم عنترة لآليات للعصر والتراجيديا الناجمة عن واقعنا المأساوي.
هكذا يسافر عنترة بن شداد إلي زمن غريب غريب..آخر زمن كما يقولون بعيد بعيد ومحير..فيه ما يضحك وما يبكي في آن..ما يسر وما يحزن,ما يفخر وما يحزن..باختصار هذا هو عصرنا كما يراه عنترة بمعيار قيمي مختلف عن باديته وما جبل عليه,هكذا ظهرت لدينا تلك المفارقات التي توالت عندما واجه عنترة الكثير من مظاهر الفساد والقيم المنحلة..فهل يصلح فارس من زمن قديم إصلاح ما أفسده المفسدون,وإلا كان قد فلح من قبله دون كيشوت..