اتفق العديد من الخبراء علي أهمية صدور قانون العزل السياسي في هذا التوقيت, خاصة والمجتمع يتلمس مسار الديموقراطية وبدء حياة برلمانية جديدة تتسم بالشفافية. وأجمع الخبراء أن هذا القانون سيلاحق كل من أسهم في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية دون غيرهم, خاصة الذين خاضوا الانتخابات البرلمانية الأخيرة قبل الثورة وأعضاء لجنة السياسات وكل الذين كان لهم دور في رسم سياسات الدولة في هذا العهد, مؤكدين علي أهمية عدم الاقتصاد الكلي لكل أعضاء الحزب المنحل وعدم الإبعاد الدائم عن المشاركة في الحياة السياسية.
لا يوجد أي مانع للقانون!
في البداية قال محمد فايق نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان: نحن في المجلس قمنا بإجراء بعض التعديلات علي بنود القانون, منها ما يتعلق بتشكيل المحكمة وأعضاء هيئة مستشاريها, كذلك مسألة وجود عسكريين ضمن هيئة المحكمة, كما نعتبر الخمس سنوات حرمانا من المشاركة في الحياة السياسية حكما عادلا ومناسبا, ليس فقط كعقوبة, وإنما لتهيئة البيئة والمناخ السياسي من جديد, وفي نفس الوقت نعترض علي بعض المقترحات, ونؤكد علي أهمية تطبيق القانون علي من تورط في القيام بأفعال وممارسات ساعدت علي إفساد الحياة السياسية والعامة ومنها تزوير الانتخابات سواء كان من أعضاء الحزب الوطني المنحل أو غيره من أعضاء الأحزاب الأخري الذين شاركوا في تزييف إرادة الناخبين, وليس من الضروري أن يكونوا قد خاضوا الانتخابات وأصبحوا نوابا في مجلسي الشعب والشوري, وإنما مجرد المشاركة في الإفساد, كما ينطبق ذلك علي المسئولين في الوزارات والهيئات الحكومية.
أوضح فايق أن قانون العزل السياسي هو نفسه قانون الغدر الذي سبق الحديث عنه بشكل موسع, ومن ثم أصبح يسمي قانون الإفساد السياسي مؤكدا أن تطبيق هذا القانون لا يشمل كل أعضاء الحزب الوطني, وإنما فقط قادة هذا الحزب وراسمي سياساته الذين ثبت تورطهم في الإفساد وطبقا للبلاغات المقدمة ضدهم بشكل عام, فليس كل من كان في الوطني المنحل متهما, وإنما كان هناك شرفاء يجب إنصافهم.
العزل السياسي ضروري
وعلق الدكتور يحيي الجمل الفقيه الدستوري قائلا: قانون العزل السياسي تستوجبه الضرورة الملحة التي تمر بها البلاد, لكن في الأصل المواطنين أسوياء أمام القانون, وفي هذه الظروف الثورية يجب تطبيق القانون علي أعضاء مجلسي الشعب والشوري خاصة الذين خاضوا الانتخابات الماضية وكل من شارك فيها خاصة الذين كانوا ينتمون للحزب الحاكم منهم.
وأضاف د. يحيي الجمل قائلا: من المقترح أن يتم الإبعاد السياسي فقط لمدة 10سنوات, أما العزل السياسي الأبدي فإنه غير دستوري, إذا يجب أن يكون العزل مؤقتا حتي يتم تثبيت دعائم الثورة, وبناء حياة سياسية خالية من مظاهر الفساد السابقة, لكن ليس كل من كان ينتمي للحزب الوطني يجب أن يطبق عليه قانون العزل السياسي, وإنما فقط قيادات الحزب أعضاء مجلسي الشعب والشوري وأعضاء أمانة السياسات وغيرها من اللجان التي كان لها دور مؤثر في رسم سياسات الدولة, مؤكدا أن الأربع وزراء الحاليين وعلي رأسهم د. عصام شرف رغم أنهم كانوا أعضاء الحزب الوطني إلا أنهم من أطهر الوزراء الذين تولوا المسئولية.
لا تطبيق مطلق للقانون
وذكر الدكتور مكاري أرمانيوس سرور عضو منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان وخبير الأدلة الجنائية أنه غير موافق علي تطبيق قانون العزل السياسي بشكل مطلق علي أعضاء الحزب الوطني, مشيرا إلي أن كثيرا من الأشخاص الذين كانوا ينتمون للوطني لم يكن لهم دور فيما وقع من ممارسات أو أفعال تتعلق بإفساد الحياة السياسية أو الاقتصادية, فقط كانوا يقومون بأنشطة ترتبط بالمواطنين في مجالات أو تخصصات ما, ولم يرتكبوا أي جرائم سياسية أو مالية أو غيرها.
وأضاف د. مكاري أرمانيوس قائلا: الانتخابات المقبلة سوف تكون حرة نزيهة وسوف يختار المواطن من يمثله بعيدا عن المفسدين الذين ثبت تورطهم بكل الدلائل الدامغة, فلماذا يحرم من هم بعيدين كل البعد عن أي شبهات من خوض الانتخابات المقبلة, إذا يجب إعطاء الفرصة للجميع طالما أن المواطن سوف يختار بحر إرادته, فنحن ليس بصدد تعيينات وإنما انتخابات ديموقراطية كما سيتقدم كل مرشح بصحيفة الحالة الجنائية الخاصة والتي ستظهر أي جرم قد ارتكبه من أي نوع, وتساءل: من كان يعلم أن مبارك ونظامه قام بارتكاب كل هذه الأخطاء؟ فليس كل الأعضاء في الحزب الوطني مشاركون فيما حدث, كما أن هناك أشخاص تم التحقيق معهم وأثبت القضاء براءتهم من التهم التي نسبت إليهم, مشيرا أن منهم من يلجأ لمنظمات حقوق الإنسان العالمية والمحاكم الدولية.
قانون العزل له شكل إيجابي
وأكد الدكتور عبدالعزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق بقوله: صدور قانون العزل السياسي سوف يكون له تأثير كبير علي الحياة السياسية في مصر بشكل إيجابي, بشرط أن يشمل كل الذين تسببوا في إفساد الحياة السياسية والذين صدرت أحكام قضائية بشأنهم تدينهم عما ارتكبوه من جرائم, لكن في نفس الوقت هناك اتجاهين بين الرأي العام بخصوص هذا القانون, الأول يطالب بالإقصاء الكلي من المشاركة في الحياة السياسية بالنسبة لكافة أعضاء الحزب الوطني المنحل, والثاني يؤكد علي أهمية الإقصاء الجزئي, وأنا أنحاز إلي الاتجاه الثاني, لأنه ببساطة ليس كل المنتمين للحزب الوطني كانوا فاسدين, فهناك من خدم هذا الوطن بضمير حي وكامل منهم, إذا من ثبت إدانتهم فقط هم الواجب أن تنسحب عليهم كافة أحكام القانون.
وعند سؤاله عن المسئولين الحاليين في الوزارات والهيئات الحكومية, وما إذا كان ينطبق عليهم القانون أم لا, فقال: لا أعتقد أن ينسحب عليهم هذا القانون, فقط من تثبت إدانتهم, كما أن أعضاء الأحزاب الأخري غير الوطني الذين شاركوا في ممارسات الإفساد هم أيضا مدانون, وبالتالي الـ3ملايين الذين كانوا ينتمون للحزب الوطني لا نستطيع أن نقصيهم كلهم ونحن علي أعتاب مرحلة تاريخية ندشن فيها حياة سياسية واقتصادية تتسم بالديموقراطية, وحرية الرأي والرأي الآخر.
من جانبه قال عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد إن قانون العزل لن يري النور كما تراه الأحزاب والقوي السياسية, فالمؤشرات كلها تقول أنه لا نية لإقرار هذا القانون, وعدد كبير من قيادات الحزب الوطني المنحل قدمت أوراقها في الانتخابات المقبلة, وبالرغم من التقدم بطلب إقرار القانون منذ اندلاع الثورة, إلا أن المناقشات لم تبد تجاوب المجلس العسكري والحكومة مع هذه المطالب.
حذر شيحة من دخول نفس العناصر الفاسدة في البرلمان المقبل, وخطورة ذلك أن هؤلاء الذين أفسدوا العمل السياسي والحزبي سيشاركون في لجنة وضع الدستور الجديد, وبذلك سيعملون علي صياغة دستور مفكك يبحثون فيه عن استعادة مصالحهم وليس مصالح الوطن.
بينما قال د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس: قانون العزل لن يتم تطبيقه, لأنه لو كانت هناك نية لذلك لتم منع مئات نواب الوطني السابقين وأعضاء الحزب المنحل من ممارسة العمل السياسي لعدة سنوات, حتي يكونوا عبرة لكل من أفسد العمل الحزبي, ولكن هذا الأمر لم يحدث, ولا نعرف السبب في التلكؤ لإقرار هذا القانون, ولا يوجد أي سبب يبرر ذلك.
شدد علي ضرورة التوصل إلي أي صياغة من شأنها حرمان كل نواب الحزب الوطني المنحل في برلمان 2005 وبرلمان 2010, وهناك نواب كانت لهم بصماتهم ولا يمكن استبعادهم ولكن القوي السياسية قدمت الأسماء ومع ذلك لم يظهر أي جديد في هذا الشكل, وهو ما سيؤدي إلي برلمان مشوه.
علي الجانب الآخر قال يسري الغرباوي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: هناك ضرورة للتوافق علي صياغة قانون بشكل ما تسمح بمنع بعض أعضاء الوطني المنحل خوض الانتخابات وفق صياغات دقيقة, حتي لا يتهم القانون بعدم الدستورية أو التمييز بين المواطنين, وهذه في غاية الحساسية والسبب في التأخر.
حذر الغرباوي من عدم التجاوب مع القوي السياسية لأن هذا يعيد بالبلاد إلي ما قبل الثورة من تجاهل تام لمطالب النخبة والمجتمع وهو ما تسبب في عزلة للنظام السياسي وتسببت في سقوطه فيما بعد.