انفلات أمني وصل إلي ذروته يهدد بإسقاط كل مؤسسات الدولة, ومع تسارع أحداث العنف والبلطجة ومحاولة التعدي علي مؤسسات الدولة بشكل يقترب من الخروج علي السيطرة أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة قراره بتفعيل وتهديد العمل بقانون الطوارئ حتي يونية 2012, لمواجهة الاضطرابات في الداخل ومواجهة مخاطر الإرهاب والإخلال بالأمن القومي والنظام العام بالبلاد وتعطيل العمل وتخريب المنشآت وقطع الطرق وبث وإذاعة أخبار أو بيانات كاذبة.
ومنذ الإعلان عن هذه الخطوة والجدل لايزال مستمرا بشأنها, فهناك من يري أن قانون العقوبات كاف لردع كل حالات الخروج علي القانون ومحاولة التخريب وهناك من يري أن هذا الأمر كان مدبرا من حيث إشاعة مناخ من عدم الاستقرار كي يتم تطبيق قانون الطوارئ بصرامة وتقييد الحريات العامة.. حول هذا الموضوع تقدم وطني التحقيق التالي.
قال الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن إعادة حالة الانضباط للمجتمع يمكن أن يتم تدعيمها عبر سياسات اجتماعية وسياسية وقانونية, وأن اللجوء لتفعيل قانون الطوارئ بشكل أكثر تشددا عما كان هو أمر محير ولا يتناسب مع مكتسبات الثورة ويعمل علي زيادة الاحتقان في المجتمع, وبدلا من إعادة الانضباط الأمني والاجتماعي ستعود نفس ثقافة الأمن في البطش والتعامل بعنف مع المتظاهرين وكبت الحريات وتقييد الحقوق المنصوص عليها في القوانين ويعود بالمجتمع لما قبل ثورة يناير.
دعا د. حمزاوي إلي ضرورة وجود دور مهم لكافة مؤسسات الدولة في حل قضايا المجتمع, وعدم الاقتصار علي تصدر الأمن للمشهد السياسي, خاصة أن التعامل الأمني فقط يزيد من مشاعر الكراهية من المواطن لرجل الأمن, وكلما زادت فرص استخدام القوة وملاحقة النشطاء كلما ازداد الأمن شراسة, ومن ثم ليس من المعقول أن يكون للانفلات الأمني والأخلاقي هو تغليظ العقوبات وفق قانون الطوارئ وتكميم الأفواه وإعادة المجتمع إلي القوانين الاستثنائية, والخياران لا يمكن قبولهما في هذه اللحظة الراهنة, والتي تحتاج معالجة أكثر عقلانية.
أكد الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن الوضع في البلد وصل إلي حالة انفلات شديد, وأصبح يهدد تماسك الدولة بالكامل, والمشهد أمام السفارة الإسرائيلية محاولة لإسقاط مؤسسات الدولة وهيبتها والادعاء أن مصر عاجزة عن توفير الحماية للبعثات الدبلوماسية, وبالتالي تم توظيف وإعادة تفعيل قانون الطوارئ الذي يتوقع إسقاطه نهاية يونية المقبل.
أضاف: حالات الانفلات الأمني والسطو المسلح وصلت إلي معدلات قياسية, وبالتالي بمجرد الإعلان عن سريان قانون الطوارئ بدأت هذه المعدلات في التراجع, والمهم ألا يستخدم القانون كذريعة لقمع الرأي والتعبير وحرية عمل الأحزاب في الانتخابات المقبلة, وأي محاولة لتنفيذ هذا القانون علي هذه الأمور يؤدي إلي اندلاع ثورة جديدة, لكن إذا كان يستخدم قانون الطوارئ لإعادة الانضباط للشارع ومواجهة البلطجة يمكن أن يساهم في استعادة هيبة الدولة, وبالتالي قانون الطوارئ سلاح ذو حدين.
شكوك في المرحلة الانتقالية
رفض عبدالمنعم إمام ناشط سياسي ومؤسس حزب العدل قانون الطوارئ وقال: هذا قانون سئ للغاية فثورة 25 يناير خرجت ضد قانون الطوارئ وغير مسموح بعودته مرة أخري, وإقرار القانون يعطي شكوكا حول إدارة المرحلة الانتقالية وإطالتها, والتحول السريع نحو سرعة التحول الديموقراطي في مصر وأن الداخلية عندها قدرة القبض علي مثيري الشعب والضالعين في تنفيذ أية عملية إجرامية, وبالتالي القضية في إعادة هيكلة جهاز الشرطة وليس زيادة القهر في تفعيل قانون الطوارئ, وكل مشكلات المجتمع يوجد ما يحد منها في القانون المصري مثل القانون الجنائي
يهدد مكتسبات الثورة
وفي هذا الإطار اعتبر حمدي الأسيوطي المحامي والناشط السياسي أن تفعيل قانون الطوارئ في غير محله ويهدد كل مكتسبات الثورة, بل يجني ثمار عكسية, فالشعب ثار في 25 يناير ضد مبارك وقانون الطوارئ وضد الاستفزاز, والمرحلة الحالية تتطلب تواجد أمني حقيقي دون فساد أو بلطجة أو رشوة, فالجرائم التي تتم حاليا ؤآخرها الاعتداء علي السفارة الإسرائيلية لم يقم بها ثوار جمعة تصحيح المسار, وإنما مؤامرة, والقانون المصري به من القوانين ما يكفي لمواجهة أعمال البلطجة والإرهاب, والمطلوب تفعيل هذه القوانين كقانون العقوبات والمخدرات, كذلك مواجهة البلطجية المعروفين بالاسم لدي أقسام الشرطة مطالبا باحترام التعديلات الدستورية التي أقرت أن أي تجديد لقانون الطوارئ يجب أن يطرح علي الشعب في استفتاء عام, والشعب لن يقبل بأي قوانين استثنائية مرة أخري.
من جانبه قال سعد عبود النائب السابق بمجلس الشعب: سعينا ونحن في مجلس الشعب لإلغاء حالة الطوارئ علي أساس أن قانون العقوبات يكفي في مواجهة مختلف الجرائم, وعبر الطوارئ سيتم الزج بشباب الثورة إلي المعتقلات من خلال القانون وذلك لوجود بعض العبارات المطاطة فيه وعدم تعريفه الدقيق لبعض الجرائم ومن بينها إصدار بيانات كاذبة, ومن الممكن أن نفاجأ بتطبيق القانون علي من يشارك في مظاهرة سلمية بتوجيه تهمة تعطيل العمل إليه, وقانون العقوبات يكفي لمكافحة كل الجرائم التي شملها قرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة الأخير بتعديل قانون الطوارئ وتفعيل القانون هو رسالة سياسية أكثر منها قانونية لردع كل من يحاول تعطيل مسيرة العمل.
وصف الناشط الحقوقي نجاد البرعي ورئيس المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية التعديلات الجديدة علي قانون الطوارئ بأنها انتكاسة, مطالبا بإزالة النص الذي تم إضافته والخاص بـبث إذاعة أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة, والموجود في قانون العقوبات, معتبرا أن المجلس العسكري يسير علي طريق الخطأ, وأن حرية التعبير في خطر.
التعديل بعد الانفلات!!
أكد اللواءحمدي بخيت الخبير الاستراتيجي والعسكري أن إعلان تعديل قانون الطوارئ وتشديد العمل به جاء متأخرا في ظل حالة التدهور والانفلات التي يشهدها المجتمع المصري والعمل بقانون الطوارئ سينتي بمجرد الوصول لمرحلة من الأمان السياسي والاجتماعي وأن تعديلات قانون الطوارئ لا تهدف إلي تقييد الحريات ولكنها تحاول مواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة التي يمكن أن تؤثر علي الأمن القومي خاصة أن وسائل الإعلام تتعمد نشر معلومات وتفسيرات خاطئة ويصعب علي العامة أن تفصل بين ما هو حقيقي وما هو مفبرك في ظل هذا الاحتقان.