منذ أن أعلنت الحكومة عن نيتها لإصدار قانون جديد للتأمين الصحي والمناقشات لاتزال مستمرة في إطار التوصل إلي صيغة مناسبة لتطوير خدمات التأمين الصحي, إلا أن هناك اعتراض حقوقي علي المسودة الخاصة بالقانون التي اقترحتها الحكومة, نظرا لتزايد الدور التجاري في التطوير, وتحميل المواطنين أعباء جديدة, في الوقت الذي تبرر فيه الحكومة هذه الخطوة علي أنها محاولة للاستفادة من الأموال الخاصة بتطوير الخدمة وتخصيصها للخدمة الخاصة لغير القادرين.
وطني اطلعت علي خطة الحكومة في التطوير, والمبررات التي تسوقها لهذا التطوير, واستعراض ملاحظات المعارضون لمشروع القانون المقترح من خلال هذا التحقيق.
أين الحق في الصحة؟!
قال حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار أحمد الشاذلي أكدت أن قرار رئيس الوزراء بإنشاء الشركة القابضة خالف الحماية المكفولة للحق في الصحة بموجب الدستور خاصة المادة 16 التي تعني بكفالة الخدمات الصحية, وأن التأمين الصحي علي رأس ومظاهر الحق في الصحة, والذي بات بدوره يمثل حقا من الحقوق الإنسانية في القوانين والتشريعات المنظمة لحقوق الإنسان علي المستويين الداخلي والدولي, وذلك للارتباط الوثيق بين الحق في الصحة والحق في الحياة وكفالة الدولة للرعاية الصحية تحول دون أن يكون الحق في الصحة محلا للاستثمار أو المساومة والاحتكار.
أكد بهجت أن حكم المحكمة الذي صدر في سبتمبر الماضي اعتبر القواعد المنظمة للتأمين الصحي الاجتماعي جزءا من قواعد النظام العام التي لا يجوز مخالفتها حتي عن طريق إصدار التشريعات, إزاء حيوية قواعد التأمين الصحي الاجتماعي وتعلقها بالنفع العام وبالمصالح المهمة في المجتمع, وارتباطها بحماية الطبقات الضعيفة تحقيقا لعدالة التوزيع, خاصة أن هذه القواعد تنتمي إلي النظام العام, بما أكد عليه الدستور ونصت عليه تشريعات التأمين الصحي والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
التحول إلي الخصخصة!
أوضح د. علاء غنام مدير برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنه منذ عدة سنوات والحكومة تفكر في خصخصة التأمين الصحي, وحل الهيئة العامة للتأمين الصحي أو تحويلها إلي مجرد كيان مالي وإداري لا يقوم بتقديم الرعاية الصحية التكافلية, ورغم أن مسودة مشروع القانون أعلن عنها عام 2007, إلا أنه لم يعرض علي البرلمان حتي الآن.
يتشكل مشروع القانون في مسودته التي طرحتها وزارة الصحة من 6 فصول ويتضمن 26 مادة, ومن المواد التي تثير الجدل المادة الثانية التي تترك حزمة الخدمات الصحية في سلطة الوزير المختص, وبموافقة رئيس الوزراء, مما يعد تهديدا واضحا لحق المواطنين في الحصول علي الرعاية الصحية التي كفلها الدستور, وقوانين التأمينات الاجتماعية السارية, كذلك المادة الثالثة التي اختصت بالحزمة الثالثة من الخدمات الصحية بعد أن قسم القانون الخدمات في عدة باقات, والخدمة الثالثة تتعلق بالأمراض التي تسبب كوارث مالية لأصحابها, مثل السرطان وأمراض القلب والفشل الكلوي والكبدي, حيث لم تلزم الدولة وفقا لهذا النص بتغطية هذه الحزمة, ولكنها قد تخصص جزءا من موارد الدولة لها, علي أن يصدر لها أيضا قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء علي عرض من الوزير المختص.
والمستويات (الباقات) الثلاث المقصود بها مستوي أول يشمل عيادات الممارس العام في المواقع التي تشمل رعاية طبية كاملة, والثاني يشمل كافة التخصصات الطبية, والثالث يشمل خدمة المستشفيات العلاجية غير المحدودة وكافة التخصصات.
أوضح د. غنام أن المادة الرابعة من القانون المقترح تنص علي أن نظام التأمين الصحي تديره هيئة عامة لها شخصية اعتبارية وتتبع الوزير المختص بالصحة بناء علي قرار يصدر من رئيس الجمهورية يحدد هذه الاختصاصات, ومن ثم تحرم هذه المادة الهيئة العامة من إمكانية ممارسة دورها باستقلالية لصالح المشاركين من المواطنين في إطار مظلتها, ولا تشير إلي أهمية وجود مجلس لإدراتها يمثل فيه أصحاب المصلحة من المواطنين.
وهناك العديد من المواد الأخري بحاجة إلي إعادة النظر فيها خاصة أن هناك مخاطر تتعلق ببعد أساسي من أبعاد الحياة اليومية للمواطنين الذين يعانون أصلا من الفقر والمرض وارتفاع تكلفة المعيشة, ولن يقبلوا بنظام تأمين إجباري يكرس من فقرهم واحتياجهم ويرفع من تكلفة العلاج التي يعانون من ارتفاعها.
نوه د. غنام إلي ضرورة الاهتمام بإدماج البعد الحقوقي في خطط الحكومة لإصلاح القطاع الصحي, لأنه واجب دستوري والتزام نصت عليه المادة 17 من الدستور, والتي ألزمت الدولة بتقديم خدمات التأمين الصحي والاجتماعي للمواطنين.
كما أن ترك الخدمة الصحية في يد القطاع الخاص دون النظر إلي الواقع الاجتماعي للمواطن, ودون النظر لتأثير ذلك علي الحق في الصحة, وجعله عرضة للتحكم والاحتكار وتريح القطاع الخاص من مرض المؤمن عليهم ويؤدي إلي تحويل التأمين الصحي من حق اجتماعي إلي مشروع تجار, لا يستفيد منه إلا القادرين.
تأمين صحي شامل
من جانبه قال الدكتور سعيد راتب رئيس هيئة التأمين الصحي إنه لا توجد نية لخصخصة التأمين الصحي, وإنما المطروح هو التأمين الصحي الاجتماعي الشامل ويطبق علي جميع الفئات في المجتمع, ولكنه يعتمد علي فلسفة أخذ جزء من الأموال من القادرين لزيادة المخصصات لغير القادرين, وأن هناك تنسيقا مع وزارة التضامن الاجتماعي لحصر هذه الفئة لكي تمتد إليها مظلة التأمين الصحي, خاصة أن وزارة الصحة تؤمن بأن المواطن له حق الاختيار في نوع الخدمة, والاهتمام بمعايير الجودة لصالح المؤمن عليهم لضمان حصولهم علي الخدمة اللازمة.
أوضح د. راتب أن الهدف من فصل الخدمة الطبية المقدمة عن التمويل والإدارة يأتي في إطار تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية ومد مظلة التأمين الصحي لتشمل كل الفئات حيث يتم حاليا مناقشة المسودة الخاصة بمشروع قانون التأمين الصحي بشكل موسع قبل تقديمه للبرلمان, وأنه تم رصد 44 ملاحظة, وجاري تعديل مشروع القانون بما يتفق مع هذه الملاحظات.
أشار د. راتب إلي أن الجهات المعنية بتحويل التأمين الصحي تعمل علي زيادة موارد الهيئة من مصادر متعددة منها اشتراكات المنتفعين, المساهمات التي يدفعها متلقي الخدمة, مساهمات الدولة لغير القادرين, المنح والهبات التي تأتي بعائد استثماري ومصادر أخري, وبالتالي هناك محاولات لتوفير موارد عديدة تخفف العبء علي غير القادرين مع تقديم خدمة متميزة.
نوه د. راتب إلي أن الهيئة تهتم بإدخال العديد من الأدوية المهمة لخدمة التأمين الصحي في إطار تطوير الخدمة, حيث تم إدخال عدد 8 أدوية جديدة لعلاج مرضي الأورام لأن أقل جرعة تتكلف ألف جنيه, وكذلك فيروس سي, وفي عام 2007 الهيئة تحملت 100 مليون جنيه, وفي النصف الأول من العام الماضي بلغت التكلفة 96 مليون جنيه, وكلها أعباء علي الهيئة يتحمل جزءا منها المتلقون.
أكد . راتب أنه تم افتتاح 3 مكاتب لخدمة العملاء في إطار التطوير الذي تقوم به الهيئة في المعهد القومي للقلب, ومعهد ناصر التعليمي, وعيادة مدينة نصر الشاملة, وخلال 3 أشهر وصل عدد الحالات التي استقبلها المكتب بمعهد القلب 528 حالة.
مازالت المشكلات قائمة!
وفي هذا الإطار قال الدكتور مجدي موسي مدير المركز القومي لدراسات السلامة والصحة المهنية الأسبق إن مشروع القانون لم تنته دراسته بشكل نهائي حتي الآن, والوضع الحالي للتأمين الصحي به العديد من المشكلات, من حيث ضعف الكفاءة وضعف الخدمة, ونقص شديد في الأدوية.
أشار د. موسي إلي أن القانون الجديد يضع ضوابط لاستخدام الخدمة بشكل متميز, وعلي سبيل المثال موضوع الإجازات يكلف الهيئة أعباء كبيرة, ويتم وضع بدائل مناسبة لصالح متلقي الخدمة, وعدم تحميل الهيئة أعباء إضافية تسبب مستوي أقل من المطلوب.
أوضح د. موسي أن مظلة التأمين الصحي عن طريق فتح باب التعاقدات للقطاع الخاص (مستشفيات خاصة – أطباء – عيادات خاصة) والارتقاء بالخدمة حتي تصل إلي مستوي أفضل, وزيادة خبرات الأطباء وتنميتها, وإعادة الثقة بين المؤمن عليهم والهيئة.