في هذه الأيام المقدسة تمتلئ نفوسنا سعادة…بالذكريات المجيدة…ذكريات الميلاد العجيب, ونشعر أن الميلاد هو أعجوبة تفوق كل العجائب.. أحاطت بالميلاد ظروف
في هذه الأيام المقدسة تمتلئ نفوسنا سعادة…بالذكريات المجيدة…ذكريات الميلاد العجيب, ونشعر أن الميلاد هو أعجوبة تفوق كل العجائب.. أحاطت بالميلاد ظروف عصيبة…تنكر فيها البشر لخالقهم…وواجهت العائلة المقدسة مشاكل جسام…تصارعت فيها قوي الشر أمام الخير الآتي للبشرية…قوي الشر يحركها الشيطان وتعمل في الظلام,تعمل للتدمير,تعمل للخطية,ويزكي نارها الشيطان…وقوة الخير الذي بزغت أنواره وسط الظلمات تضئ الطريق…تجسد ملك السلام…وانبعث منه السلام العجيب…يسطع ليبدد كل ظلم…ويعطي المجد لله في الأعالي وينتشر السلام علي الأرض وتمتلئ البشرية بالفرحة والمسرة.
أدرك الله الكلمة جيدا….إنه لم يكن ممكنا أن يقضي علي فساد البشرية بأي طريقة سوي الموت نيابة عن الجميع…ومن غير الممكن أن يموت الكلمة لأنه غير مائت…بسبب أنه ابن الله الغير مائت.
لذلك اتخذ لنفسه جسدا قابلا للموت…حتي أنه عندما يتحد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الجميع…يصبح جديرا ليس فقط أن يموت نيابة عن الجميع…بل يبقي في عدم فساد بسبب اتحاد الكلمة به..
هذا الكلمة هو الله الذي أخذ جسدا من السيدة العذراء,وجاء للبشرية التي خلقت بواسطته كما جاء في إنجيل معلمنا يوحنا…في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله,هذا كان في البدء عند الله كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان.
لم يتخل عن الجنس البشري ولم يتركه ينحدر إلي الفناء,بل أبطل الموت الذي حدث نتيجة التعدي بتقديم جسده,ثم قوم إهمالهم بتعاليمه…وبقوته الخاصة أصلح أحوال البشر وبتجسده أظهر محبته للبشرية…لأن محبة المسيح تحصرنا,إذ نحن نحسب هذا,إن كان واحد قد مات لأجل الجميع,فالجميع إذا ماتوا,وهو مات لأجل الجميع كي لانعيش فيما بعد لأنفسنا,بل للذي مات لأجلنا,وقام ربنا يسوع المسيح له المجد…
ويظهر جليا سبب تجسد الله الكلمة,إنه لم يكن أحد آخر يستطيع أن يسترد البشرية من الفساد الذي حدث…نتيجة السقوط في المعصية…غير كلمة الله الذي خلقهم من البداية وبتقديم جسده الذاتي…ووضع نهاية لناموس الموت الذي كان قائما ضدنا.
هذا هو سبب تجسده وتأنسه…لكي يجدد الخليقة التي خلقها علي صورته ومثاله ولكي يستطيع البشر معرفته مرة أخري…وهذا كان لا يتم إلا أن يأتي الله في الجسد آخذا جسدا مشابها لنا في كل شئ ما خلا الخطية وحدها…مقدما لنا المصالحة بتقديم جسده فداء وخلاصا عن البشرية.
ويقول القديس اثناسيوس الرسولي:
إذ رأي الله الكلمةأن البشر حصروا أفكارهم في الأمور الجسدية…تنازل إلي مستوي تفكيرهم…وأخذ جسدا والتقي بإحساسهم في منتصف الطريق…وسواء اتجهت ميولهم إلي عبادة الطبيعة أو البشر…أو الأرواح الشريرة…أو الموتي,فقد أظهر نفسه ربا علي كل هؤلاء…وهذا من عمق محبته للبشرية المائتة,آخذا لنفسه جسدا…ومشي كإنسان بين البشرية وجذب كل البشر نحو نفسه,لكي يستطيع أولئك الذين يظنون أن الله له جسد مادي…أن يدركوا الحق عن طريق الأفعال التي يعملها الرب بواسطة جسده.
ولأجل هذا السبب ولد وظهر كإنسان ومات وقام…وهو أظهر بأعماله التي غطت علي أعمال كل من سبقوه من البشر…إن أعمالهم ضعيفة…وحتي إذا انحرفوا إلي أية ناحية فإنه يستردهم من هناك ويعلمهم عن أبيه الحقيقي..كما يقول عن نفسه أنا جئت لكي أطلب…وأخلص ما قد هلك…وبتأنسه أتم عملية المحبة التي أباد بها الموت فوق الصليب وجددنا ثانية…وبإعلانه عن نفسه بميلاده العجيب وأنه هو الله الكلمة الغير ظاهر…ولامنظور…ولامحصور لاهوته في الجسد,بل كان موجودا بالفعل في كل شئ…وبأعمال الجسد أظهر قوته,وقدرته كإله بإقامة الموتي…وشفاء الأمراض…وإخراج الشياطين بالمعجزات.
هذا التجسد الإلهي…إنما يظهر عمق محبته لنا جميعا لكي الكل يعرفوه….أنه هو الإله الحقيقي كلمة الله الظاهر في الجسد….الذي أعطانا بتجسده الغلبة والفداء,فعلينا أن نسعي إليه طالبين بركات الميلاد لتعمل فينا.
لنسعي إليه حاملين هدايا من أعمال الخير…والرحمة….والبر….والصلاح….والتقوي والمحبة.. كما أتي المجوس إليه حاملين هدايا رمزية ذهبا…ولبانا…ومرا…رمزا لملكه…وكهنوته…وآلامه المقدسة.
ليفرح بنا قلب مولود بيت لحم…ويحل بسلامه علينا,وفينا,ويحل بسلامه علي بيوتنا ويحل بالسلام والمسرة والطمأنينة علي بلادنا العزيزة…التي زارتها العائلة المقدسة وامتلأت من السلام, ونستحق في هذه الليلة أن ننشد نشيد الحب والسلام.
المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة(لو2:14).