عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية الندوة السنوية له تحت عنوان: دور القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد المصري: تحديات الواقع وآفاق المستقبل. وتناول الخبراء المشاركون دور القطاع الخاص في ترجمة خطط الدولة التنموية علي أرض الواقع من خلال المشاركة الفاعلة من حيث التنفيذ والإدارة بما يضمن تقديم خدمات متميزة للمواطنين وبما يعود بالنفع علي الطرفين.
قال د. طاهر حلمي رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية: لقد شرعت مصر في عام 1991 في تطبيق برنامج واسع النطاق لتحويل ملكية العديد من المنشآت والأصول العامة إلي القطاع الخاص, حيث كان هذا البرنامج مدفوعا بسببين رئيسيين, الأول: تدني أوضاع العديد من المنشآت العامة والتي اتسمت بانخفاض الإنتاجية والافتقار للكفاءة, والثاني هو الالتزامات المالية الناجمة عن ذلك والتي أدت إلي زيادة العبء الواقع علي الموازنة العامة, واتجاه الحكومة إلي الاقتراض من السوق المحلية لتمويل عجز الموازنة, ومن ثم مزاحمة القطاع الخاص في الحصول علي الائتمان المتاح.
وأضاف: بدأت مصر في تطبيق برنامج لعلاج مواطن القصور المرتبطة بأداء المنشآت العامة وتحويل الاقتصاد المصري إلي اقتصاد يقوده القطاع الخاص. ومرت عملية الخصخصة منذ انطلاقها بمراحل مختلفة تراوحت بين تزايد وتيرتها وتوقفها التام في أعقاب تزايد الجدل والخلاف حول مساوئ في التطبيق أدت إلي تحويل الأنظار عن الأهداف الإيجابية التي قام عليها هذا البرنامج وأهمها رفع الكفاءة الاقتصادية من خلال توفير مناخ يدعم المنافسة والمبادرة الحرة وتحسين أداء الشركات العامة, وتخفيف العبء الواقع علي الموازنة العامة, وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للاستفادة من الموارد المتاحة للاستثمار.
وأوضح د. حلمي أن الخصخصة ليست هدفا في حد ذاتها ولكن المطلوب انتهاج استراتيجية تسعي إلي تضافر الجهود بين القطاعين الخاص والعام بما يضمن تعظيم العائد الاقتصادي ودفع عجلة التنمية أخذا في الاعتبار الأولويات الاجتماعية, علي أن تشمل هذه الاستراتيجية دراسة شاملة لأفضل السبل المتبعة في إدارة الأصول المملوكة للدولة علي نحو يعظم كفاءة الاستخدام والعائد الاقتصادي, ويتعين القيام بذلك في ضوء دروس الماضي والتجارب الدولية التي نجحت في تعظيم الناتج الاقتصادي ورفع مستوي المعيشة لقطاعات عريضة من الشعب.
وأشار الدكتور عثمان محمد عثمان وزير الدولة للتنمية الاقتصادية في بداية كلمته إلي دور طلعت حرب ورجال الصناعة والمستثمرين وقتذاك في تنمية الرأسمالية الوطنية, مؤكدا أن تلك الفترة لعبت دورا كبيرا في إثراء المناخ الاقتصادي. أما عن دور القطاع الخاص ومكانته الحالية في الاقتصاد فقد ذكر أنه يصل إلي 88% من جملة النشاط بعد استبعاد مساهمات مشروعات البترول والطاقة مقابل 12% للقطاع العام.
وأضاف قائلا: القطاع الخاص ليس 50ألفا أو 100ألف منشأة, وإنما يستحوذ علي 2.5 مليون منشأة أعمال, 95% منها منشآت صغيرة ومتوسطة تساهم في تنمية الاقتصاد. كما أن القطاع الخاص له النصيب الأكبر في القطاعات الإنتاجية والخدمية, حيث يصل نصيب القطاع الخاص في الزراعة إلي أكثر من 95%, والاتصالات 62%, والتشييد والبناء 89%, والنقل 76%.
وطبقا لدراسة أعدتها د. ماجدة قنديل المديرة التنفيذية ومديرة البحوث للمركز, فإن نسبة الاستثمار الخاص للناتج المحلي الإجمالي مازالت ضعيفة في مصر بالمقارنة بالاقتصادات الناشئة, حيث يقوم القطاع الخاص بشكل عام بتمويل فجوة الموارد العامة (العجز الكلي في الموازنة).
وأوضحت أن ارتفاع نسبة الاستثمار الخاص للناتج قد اقترن بارتفاع في معدل النمول الحقيقي, ولكن زيادة نسبة الاستثمار العام للناتج قد اقترنت بتدهور معدل النمو الحقيقي, وهو ما يميز الكفاءة الإنتاجية للاستثمارات الخاصة مقارنة بالعامة.
وأضافت أن هناك علاقة وثيقة بين تراجع الموارد العامة وزيادة الاستثمار الخاص للناتج المحلي.
وذكرت د. ماجدة قنديل أن تحرير القطاع المالي وتطوير آليات تطوير السياسة النقدية منذ عام 2001 قد ساهم في توثيق العلاقة بين الاستثمار الخاص والائتمان الممنوح للقطاع الخاص. كما تركزت مجهودات الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2004 في تفعيل برنامج الخصخصة, وتقليص العجز الكلي في الموازنة العامة, ورفع الاستثمار الخاص. أما بالنسبة للوضع المالي للحكومة فتري د. ماجدة أنه بالإضافة لمزاحمة الدين (الحكومي) لنشاط القطاع الخاص, فإنه أيضا يثير مخاوف لدي المستثمرين, وبالتالي يؤثر سلبا في نسبة الاستثمار الخاص للناتج المحلي الإجمالي.
ويري د. جودة عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة, أن القطاع الخاص هو المشروعات الإنتاجية أو مشروعات الأعمال التي تقوم علي أساس الملكية الخاصة, وتستهدف تحقيق الربح, في إطار اقتصاد السوق, أما علي أرض الواقع فهو خليط غير متجانس قد يكون منظما أو غير منظم, كبيرا أو متوسطا أو صغيرا أو متناهي الصغر, وطنيا أو أجنبيا, يعمل في أي مجال سواء الزراعة أو الصناعة أو المرافق أو التشييد أو الخدمات بأنواعها.
وبصورة عامة فهناك ثلاثة اتجاهات تحدد طبيعة العلاقة بين القطاع الخاص والتنمية, الأول يري أن القطاع الخاص ليس فقط ذا أثر إيجابي علي التنمية, بل إنه ضروري لتحقيق التنمية, وهذا هو الاتجاه الذي تعبر عنه المنظمات الاقتصادية الدولية وتحديدا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. أما الاتجاه الثاني: فيري أن القطاع الخاص لا يضمن تحقيق التنمية, حيث إن تحقيق التنمية يستلزم وجوب هيمنة القطاع العام في إطار دور قائد للدولة. وأساس هذا الاتجاه هو أن الانتقال من حالة التخلف إلي حالة التنمية عملية يلزمها الاستهداف والتخطيط علي المستوي القومي, ولا يمكن فيها الاعتماد علي قرارات فردية تستهدف الربح في إطار اقتصاد السوق. ثم يأتي الاتجاه الثالث الذي يري أن تحقيق التنمية يستلزم تضافر القطاع الخاص مع القطاع العام في إطار دور قوي للدولة لتصحيح فشل الأسواق.
ويقارن د. جودة تجربة الخصخصة في مصر بمثيلتها في كل من الصين والهند, حيث يري أن الخصخصة في الصين بطرح أسهم جديدة للاكتتاب في سوق الأوراق المالية, مع احتفاظ الشركة بكامل عائد عملية الطرح ولا تأخذ الحكومة منه شيئا. أما في الهند, فقد قامت التجربة علي أساس دور قوي للدولة للتعامل مع الفجوات والتحديات الأساسية كالفقر, والأمية, والبطالة, والأمن الغذائي, وتطوير الهياكل الاقتصادية دون انتظار. ويختتم كلامه بأن الخصخصة في مصر تصفية وبيع, وفي الهند والصين إضافة وتطوير.