دعا سياسيون ونقابيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان إلي وضع عقد اجتماعي جديد لمصر تشارك فيه كل فئات المجتمع,دون تهميش فئة علي حساب أخري,وإعادة التوازن بين السلطة والمحكومين.
وأكد المشاركون في مؤتمرنحو عقد اجتماعي جديد,والذي نظمته مؤسسة النقيب للتدريب ودعم الديموقراطية بالتعاون مع المجلس القومي لحقوق الإنسان.ومؤسسة فريدوم هاوسبيت الحريةالأمريكية علي ضرورة قيام الدولة بدورها الأساسي في المجتمع وتقديم الخدمات اللازمة وتلبية الحقوق التي نص عليها الدستور وصعوبة قيام الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بالدور التي تلعبه الحكومة.
خصص المؤتمر الذي استمر يومين جلسات للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمختلف أشكالها,للتعرف علي رؤي هذه المؤسسات للعقد الاجتماعي الذي تتمناه.
في البداية دعا الدكتور أحمد كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان إلي وضع عقد اجتماعي جديد لمصر,تشارك فيه كل قوي المجتمع الفاعلة,مؤكدا أن الحديث عن وضع العقد يجب أن يمتد إلي إجراء مصالحة شاملة لا تهمش فيها الحكومة المعارضة السياسية,مشيرا إلي أن الحكومات الضعيفة هي التي تقوم بتهميش المعارضة,وتكون النتيجة حكومة ضعيفة ومعارضة ضعيفة وشعب ضعيف.
أشار أبو المجد إلي أن هناك أزمة اجتماعية حقيقية في مصر تتسع كل يوم,فالفقير أصبح تحت خط الفقر بدرجات كبيرة,والغني أصبح أكثر ثراءا حتي باتت المقارنة بينهم,مستفزة وانتقد مظاهر البذخ الموجودة في حفلات رجال الأعمال والأغنياء والفوارق الطبقية والتنمية غير الناجحة والوضع الاقتصادي غير المستقر.
من جانبها قالت جينفر ويندسور المديرة التنفيذية لمؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية إن مناقشة عقد اجتماعي جديد موضوع مهم ويجب أن تخطو كل الأمم في اتجاهه,لكي يحدث حراك سياسي,فالشعوب تريد التغيير وليس الوعود.
أوضحتويندسور أن مصر تمر بمرحلة تغيير,ولكنها بطيئة موضحة أن الجميع ينتظر ما ستسفر عنه انتخابات2010 التي من المتوقع أن تكون ساخنة وأهم المشاكل التي تواجه تنفيذ الإصلاحات ووضع عقد اجتماعي جديد لمصر,وأن مصر تعاني من استمرار حالة الطوارئ والقيود المفروضة علي حرية تداول المعلومات لافتة النظر إلي أن مصر تقدمت كثيرا في مجال الصحافة ولكن ما نتمناه أن تحذو باقي المجالات حذو الصحافة.
وفي هذا الإطار شدد صلاح سليمان رئيس مؤسسة النقيب للتدريب ودعم الديموقراطية علي أن مصر تحتاج إلي صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ولم يكن أمام المجتمع المدني سوي أن نطرح عقد اجتماعيا جديدا,وأن يكون عقدا أساسه المواطنة وسيادة القانون وأننا لسنا أمام أطروحات محددة وأن الحوار هو أساس البحث عن هدف عام يمثل كل أطياف المجتمع.
من ناحية أخري قال بروس جورج عضو البرلمان إن مراقبة الانتخابات هي أساس أي تغيير ديموقراطي يحدث في أي أمة بشرط أن تخضع للمعايير الدولية,وحجر الزاوية في أي دولة تريد عقدا اجتماعيا جديدا هو وضع نظام انتخابي جديد يمكن كل المواطنين من المشاركة السياسية والمشاركة في الشأن العام.
ما بين الحاكم والمحكوم
قال سعيد عبد الحافظ رئيس ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان إن السلطة السياسية مجبرة لصياغة عقد اجتماعي جديد,ولابد أن تقوم بفتح قنوات للتعددية الحزبية والانتخابات النزيهة لأن ذلك يعطي الشرعية لها ولابد من دستور جديد يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وأنه بالرغم من تصديق الرئيس حسني مبارك في عام2007 علي إصدار التعديلات الدستورية الجديدة,التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء الذي أجري في26مارس2007 إلا أن الدستور المصري حتي بعد تعديله مازال يعكس مفهوم طغيان السلطة علي الحقوق الطبيعية للأفراد بشقيها المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي حتي وإن حاول الدستور أن يؤكد علي وجود مؤسسات,فإنه في نهاية الأمر هذا المظهر المؤسسي لا يخفي جوهر الدستور القائم علي احتكار السلطة وانفرادها باتخاذ القرار.
ويري عبد الحافظ أن العقد الاجتماعي من منظوره الحقوقي يولي أهمية كبيرة للدستور باعتباره منظما لعمل السلطات ويؤكد علي سيادة الشعب باعتباره واضع الدستور,ويرجع سبب الحاجة إلي عقد اجتماعي جديد إلي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر,فمن الناحية الاقتصادية قال إن ظاهرة الفقر تفشت بشكل لافت,حيث تشير تقارير البنك الدولي إلي أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون علي أقل من دولارين ويتزامن ذلك مع سوء الأحوال المعيشية,وارتفاع مستوي الأسعار مقابل تدني مستويات الأجور وارتفاع معدلات البطالة,فهناك أكثر من5ملايين عاطل خاصة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة,يضاف إلي ذلك النتائج العكسية المترتبة علي عمليات الخصخصة.
وفيما يتعلق بالمشهد السياسي لخصه عبد الحافظ في غياب الديموقراطية واحتكار السلطة وتراجع عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي واحتكار السلطة يعني التخلي عن مبدأ التداول السلمي للسلطة,وتقييد حرية وحركة الأحزاب والقوي السياسية المختلفة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني,وقمع الحريات العامة ودفع الشعب إلي التخلي عن المشاركة السياسية وتزوير الانتخابات التشريعية,وهيمنة السلطة التنفيذية علي باقي السلطات,وغياب الرقابة الشعبية,بل واختفاء دولة القانون والمؤسسات لتحل محلها السلطة المطلقة للأفراد,ومن بين العوامل السياسية الأخري استمرار فرض حالة الطوارئ لدرجة أن قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 قد أضحي بمثابة الدستور الحقيقي للبلاد.
ويعتقد حافظ أنالدافع لصياغة عقد اجتماعي هو إحداث التوازن بين السلطة بكل ما تملك وبين الفرد الأعزلكما يعتقد أن المجتمع المدني الأجدر بالقيام بصياغة العقد الجديد نظرا لأهمية الدور الذي تلعبه منظمات حقوق الإنسان في مصر والتغيرات التي تبنتها الحكومة المصرية وينسب الفضل الأول فيها للحركة الحقوقية ويحسب لها إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان رغم بعض التحفظات إلا أنه استطاع القيام بدور الوسيط بين المواطن ومؤسسات الدولة وأن المنظمات الحقوقية تجاوزت دور الأحزاب السياسية وتخلصت من بعض أمراض الأحزاب والقوي السياسية وعلي رأسها الانشقاقات الداخلية وعدم فاعليتها وفقر التواصل مع القواعد الجماهيرية وهو ما يؤهلها للعب دور فاعل في صياغة عقد اجتماعي جديد.
المواطنة والدولة الحديثة
من جانبه قال محمد بسيوني رئيس مؤسسة حقوق الإنسان للتنمية المستدامة إن الحديث عن عقد اجتماعي جديد أصبح ضرورة مهمة منذ ثمانينيات القرن الماضي.وليس مرتبطا فقط بالحالة المصرية أو العربية,ولكنه مرتبط بالعالم الآن,نتيجة ضعف الدولة القومية بسبب عدم التواصل علي أصعدة مختلفة,وأن العقد الاجتماعي ركيزة سياسية في علم الدولة ويجب أن يكون المحور الرئيسي علي مجموعة من الاتفاقات علي رأسها قضية المواطنة,وأكد علي أن يحرص المجتمع المدني علي الصدق مع المواطنين يعبر عنهم التعبير الصحيح لأن ذلك من مصلحة النظام الاجتماعي حتي لو كانت هناك ملاحظات علي النظام السياسي.
جدوي المجلس القومي
بينما انتقد جمال عيد رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان فكرة العقد الاجتماعي مؤكدا علي أن الوطن العربي يعمل عقدا مع من؟!!وانتقد مزاعم الدعم الأمريكي والأوربي للديموقراطية في مصر مؤكدا أن هذا غير صحيح وأوضح أن هناك مساحة نفاق من جانب الغرب والولايات المتحدة للحكومة المصرية,الديموقراطية ليست أولوية عندهم.
هاجم جمال عيد المجلس القومي لحقوق الإنسان قائلا:إن إنشاء هذا المجلس ليس خطوة للأمام ودوره تلميع صورة النظام.ويساهم في تفتيت الحركة الحقوقية.وسيؤكد كذبا في تقريره أمام مجلس الحقوق العالمي العام القادم أن الحالة علي مايرام.وهو ما أثار غضب مني ذو الفقار عضوة المجلس التي أكدت أن المجلس سيتحاور مع جميع منظمات المجتمع المدني قبل تقديم التقرير في سبتمبر القادم.وأضافت أنه عندما يتم التحدث عن عقد اجتماعي جديد ينبغي أن لا نخون بعضنا البعض بل ندفع بعضنا نحو التغيير واشترط جمال عيد علي الدولة أن تتخلي عن أسلوبهاالإجرامي وتعترف بأنها مخطئة في معاملتها مع الجمهور المصري.
رؤية المجتمع المدني
وأشادر صلاح سليمان بدور المجلس القومي لحقوق الإنسان,مؤكدا أنه لولا دعم المجلس ما كانت المنظمات الحقوقية تستطيع دخول الجامعات والهيئات الحكومية لنشر ثقافة حقوق الإنسان.
من جانبه قال محمد محيي رئيس جمعية التنمية الإنسانية إن العقد لابد أن يكون له التزامات لكن النظام أخل بالتزاماته التعاقدية مع هذا الوطن,اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا,ومن ثم نحن في حاجة ماسة إلي هذا العقد.وانتقد محيي تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرا إلي أنها لا تؤكد طموح أي أحد,وأضاف أن المجتمع المدني في مصر محمل بأعباء شديدة تسببت في ضعفه الشديد هو والأحزاب السياسية التي فقدت دورها وتركت فراغا للمجتمع المدني ليلعب دورها.
أوضح محيي أهمية دور المجتمع المدني في التوعية والتثقيف من أجل عقد اجتماعي جديد ويجب أن ينظر إلي الملفات المسكوت عنها بموضوعية ويعرضها بمصداقية حتي لا ينضم إلي من فقدوا ثقة الشارع فيهم مثل النظام المصري والأحزاب.
السياسي والمهني
من ناحية أخري قال أحمد بهاء الدين شعبان القيادي بحركة كفاية إن العمل النقابي يمر بأزمة في المرحلة الراهنة,حيث غلبت الصبغة السياسية علي صورة العديد من النقابات المهنية كالمحامين والصحفيين والأطباء,وغيرها من النقابات فضلا عن نقابة المهندسين,وما نجم عن هذا التداخل من التباسات ونتائج,وفرض الحراسة علي نقابة المهندسين منذ عام 1994 وحتي الآن.
أوضح بهاء الدين شعبان أن هذه الظاهرة تمثلت في غلبة البعد السياسي علي عمل النقابات المهنية والذي تميزت به العديد من النقابات المهنية في مصر,وهذا الأمر يدفع قوي واتجاهات سياسية محرومة من الفرصة المباشرة للمشاركة في العمل السياسي إلي استخدام النقابات كمنصة إطلاق للمواقف والتصورات السياسية,مثلما حدث فيما يخص العلاقة بين نقابة المهندسين وجماعة الإخوان المسلمين في فترة سابقة.
تفسخ مجتمعي
أوضح شعبان أن الأخطر فيما يمر به المجتمع هو تعمق الشعور الذي يسود المجتمع الآن وعلي كل مستوياته الطبقية وفئاته الاجتماعية بغياب العدل,وشيوع الظلم الاجتماعي والاعتداء غير الإنساني علي كرامة المواطن وأمنه وملكيته,والتفاوت الطبقي الضخم وانعدام تكافؤ الفرص وانتهاك مبدأ المواطنة وفقدان المساواة,والانقسام المجتمعي العنيف بين القلة ممن يملكون كل شئ وعشرات الملايين من أبناء الشعب المحرومين من كل أسباب الحياة.
ونوة إلي أن هذا الوضع يفسر انفجار موجات الاحتجاج الاجتماعي التي طالت كل طبقات المجتمع وفئاته وانتشرت في جميع المحافظات في مشهد غير مسبوق.
انسحاب الدولة
من جانبه قال د.عصام العريان القيادي بجماعة الإخوان المسلمين إن مفهوم هدا العقد ليس اختراعا غربيا,بل إنه ممتد في جذور الثقافة العربية والإسلامية وتطبيقه في مجتمعاتنا كان سيغير إلي حد كبير شكل المنطقة.داعيا العرب إلي تبني حوار عالمي حول ضرورة إنشاء العقد الاجتماعي لإعادة الثروات المنهوبة والحرية لشعوب المنطقة.
قال العريان: إن العقد القديم كان ينص علي تنازل المصريين عن حقوقهم السياسية للسلطة مقابل تمتعهم بمعيشة كريمة,أما الآن فإن أحلام التمتع بهذه الحقوق الأساسية من الطعام والشراب والعمل تبخرت جميعها في الهواء.
شدد علي أن أزمة العمل النقابي في مصر هي انعكاس لأزمة كبيرة في العمل الوطني والمجتمعي والسياسي العام,مؤكدا أن تخلي الحكومة عن القيام بواجباتها في تقديم خدمات للمجتمع دفع النقابات للقيام بهذا الدور,مثل مشروع العلاج في اتحاد نقابات المهن الطبية ومشروع التكافل الاجتماعي.