ظن الجميع أن ثورة 25يناير سترسخ مبدأ الدولة المدنية والتي تحكمها القانون ولكن تحطم ذلك بزيادة الاعتداءات التي تحدث علي أقباط مصر منذ اندلاع الثورة والتي تضمنت 14 حادثا بدءا بحادث ذبح تاجر ذهب قبطي بأسيوط وأحداث أبوقرقاص وقطع أذن القبطي بقنا وما تم في إمبابة وكلها تنتهي إلي جلسات الصلح العرفية والتي تنصب كما يدعي القائمون عليها حفاظا علي الوحدة الوطنية والأمن والسلام الاجتماعي والتي تنتهي بإغلاقها تماما دون النظر إلي القوانين التي تحكم هذه الأمور والتي ينتهك بسببها ليس فقط حق المجني عليه بل حق المجتمع في الأمان…حول حق المجتمع في القضايا الجنائية حتي إذا تنازل المجني عليه ومن المسئول عن هذا كان لنا هذا التحقيق:
إنكار للعدالة وإخلال بالأمن
يقول الدكتور إيهاب رمزي المحامي بالنقض: أولا الدعوي الجنائية لايجوز التنازل عنها أو إنهاؤها إلا في وجود أسباب معينة وهذه الأسباب ليس منها التصالح لأن الجرائم الجنائية لا يجوز التصالح فيها إلا في بعض الحالات علي سبيل الحصر التهرب الضريبي والضرب البسيط وجرائم تضخم الأموال والسرقة بين الأصول والفروع وقضايا التبديد وإصدار شيك بدون رصيد فغير هذه الجرائم لايمكن التصالح فيها حيث إن هناك حق المجتمع الذي لايجوز التنازل عنه أو الاتفاق علي مخالفته وجميع الجرائم التي ارتكبت في حق الأقباط ليست من ضمن الجرائم الجائز فيها التصالح وبالتالي علي جهات التحقيق تطبيق صحيح القانون بألا تترك حق المجتمع في العقاب لأنه حق أصيل وركن من أركان العدالة الاجتماعية وإن فعلت غير ذلك يعد إنكارا للعدالة وسبب من أسباب الإخلال بالأمن الداخلي وهو ماننأي به عن القضاء والنيابة لأنهما أمناء علي حق المجتمع في العقاب فالقانون لايعرف المجالس العرفية ولايعرف التصالح في جرائم الاعتداء علي النفس والمال إلا في أضيق الحدود وهو ما ينطبق علي الجرائم التي تصيب الأقباط في مصر وما يتم خلاف ذلك فهو خطأ مهني جسيم من القاضي وعضو النيابة اللذين يحوز مجازاتهما قانونا عن طريق دعوي المخاصمة.
يؤكد رمزي: ذلك يرجع لأن القضية القبطية دائما هي ملف من ملفات أمن الدولة, ويتم التعامل مع الأقباط من منظور خاص باللجوء إلي تسييس القضية وعدم السعي إلي تطبيق العدالة الاجتماعية بل إلي توازنات خاصة بعيدا عن فكرة العدل والسلام الاجتماعي, كالتلاعب في أدلة الدعوي وضياع الحق والعدل بفكرة إرضاء الطرف الآخر تحت مظلة ما يسمي بالوحدة الوطنية ودائما ما تكون اتجاهاتها وقراراتها في صف الجانب الآخر وإرضاء لهم ويدل ذلك علي ضعف الدولة والنظام, فنجده لايتعامل مع القضية علي أنها حالة أو جريمة ترتكب في المجتمع, وإن كنا علي أمل أن تتغير الأحوال بعد الثورة لكن الأمر ازداد سوءا بالضعف الذي انتاب الدولة.
وعن كيفية معالجة الأمر أكد رمزي: معالجة هذه القضية في يد الدولة من خلال مشروع قومي فلا يمكن للأفراد أو المجموعات علاجه وإذا لم تعالج الدولة الأمر سينهار الكيان الاجتماعي المصري بأكمله وتنهار معه الدولة بالإضافة إلي صدور القوانين الغائبة والتي طالما طالبنا بها والتي بصدورها تمنع كثيرا من المشاكل التي تؤجج مشاعر الاحتقان الطائفي من قانون دور العبادة والتمييز الديني وحرية العقيدة لأنه قانونيا حق والحقوق تنشأ بالقانون.
شعارنضمن ألا يلحقه أحد
ويقول محمد منيب المحامي والناشط الحقوقي: في القضايا الجنائية هناك جزء خاص وآخر عام الخاص هو ما يسبب أضرارا للأفراد أما العام فهو ما يقع علي المجتمع كله نتيجة للإخلال بالأمن والأمان وترويع المواطنين أو تخويفهم بإجبارهم علي ممارسة بعض الأعمال أو الامتناع عن ممارسة أعمال أخري, والحق الشخصي يجوز التنازل عنه, أما الحق العام فينوب عن المجتمع النيابة العامة في تحصيله ولايجوز التنازل عنه علي أي نحو, ولكن القانون رتب تدرج العقوبة علي الفعل الواحد ويراعي الظروف من تنازل الأشخاص عن حقوقهم الشخصية مما يخفف العقاب ولكن لايعفيه منه وبالتالي إعمال القاعدة القانونية الأساسية وهي إحالة كل من ارتكب مخالفة قانونية بقانون العقوبات إلي النيابة العامة وبعد التحقيق تحيله النيابة إلي المحاكمة والمحكمة تقرر العقوبة.
بالتالي عدم إحالة بعض الجرائم إلي النيابة العامة مثل حادث قطع الأذن لقبطي بقنا وأحداث أخري مشابهة تلت تلك أو سبقتها يعد تراخيا من النيابة العامة في ممارسة الدور المنوط بها فكان من المفترض أن تقبض أجهزة الأمن علي من قام بهذه الجرائم وعدم إتمام ذلك يعني خطأ جسيما يستوجب المسئولية عنه وليس المجرم فقط فنحن هنا أمام ظاهرتين الأولي هي ارتكاب الجريمة والإفلات من العقوبة وفي المقابل هناك مسئولية اتخاذ إجراءات محددة بحكم وظائفهم العامة والتي يتعاطون عنها رواتبهم من ميزانية الدولة من أموال المواطنين ولايقومون بواجبهم من إيقاف هؤلاء والتحقيق معهم وإحالتهم للمحاكمة يستوجب محاسبتهم حتي لا تكون دعوي للتسيب الإداري وانهياره وفساد مفهوم الوظيفة العامة وبالتالي فالمسئولية أولا تقع علي جهاز الأمن والنيابة العامة.
أوضح بقوله: أما المجرم الذي أفلت من العقوبة فهي دعوي لأي مواطن لكي يتحول إلي مجرم تحت أي ظروف وبالتالي فهي دعوة لانفلات المجتمع أمنيا وانهياره اجتماعيا ومن ثم فنحن أمام مؤامرة لانهيار البلاد بالتقاعس عن أداء المهام الوظيفية وترك المجرمين بلاعقاب وحالة متعمدة لترويع المواطنين من أجل تحقيق مكاسب سياسية وكلا الأمراين يمثلان خطرا علي استقرار الوطن وسلامته خاصة إذا طال الأمر الوحدة الوطنية عبر إثارة الفتنة الطائفية وهذا ما نشهده في الفترة الأخيرة ولابد أن يواكب ذلك قرارات واضحة لتطبيق القانون ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحسم وسرعة لإعادة الأمور إلي نصابها في المجتمع.