الأحد الماضي -24 أبريل 2011- احتفل مسيحيو العالم في الشرق والغرب بعيد القيامة المجيد.. التقت كل الكنائس المسيحية في كل المسكونة حول حقيقة قيامة السيد المسيح.. قد تختلف قليلا الطقوس والمراسم من بلد عن آخر, ومن كنيسة إلي كنيسة, ولكن الكل التقي عند حقيقة القيامة أخريستوس آنستي.. أليثوس أنستي, وفي مصر كانت صورة مراسم الاحتفالات مختلفة ليس فقط عن مراسم الاحتفالات في البلاد الأخري, ولكن أيضا عن الاحتفالات بعيد القيامة في السنوات الماضية.. فثورة الشباب التي سبقت عيد القيامة هذا العام بثلاثة شهور غيرت كل شئ في مصر.. فالوجوه التي اعتدنا مشاهدتها كل عام ولسنوات طويلة في قداس ليلة العيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية تغيرت, وشاهدنا في الصف الأول وجوها جديدة في معظمها أظهرتها ثورة 25 يناير, وطبيعة المرحلة التي تعيشها البلاد هذه الأيام.. في الصف الأول جلس لأول مرة أربعة من قيادات القوات المسلحة وجه لهم قداسة البابا الشكر, وهم تحديدا -اللواء محمد سعد, اللواء إسماعيل عثمان, اللواء حسن الرويني, واللواء محمود حجازي- ولم يذكر قداسته فيما بعد أسماء كبار الحضور مكتفيا بالدكتور يحيي الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء, ومشيرا في شكره إلي حضور عدد كبير من الوزراء والسفراء ورجال الدولة.. وحتي عظة بابا الكنيسة القبطية الأنبا شنودة الثالث تغيرت من عظة دينية إلي كلمة استأثرت جميع الحاضرين وكل من سمعها بما يملكه قداسته من بلاغة في التعبير, فلم يتحدث عن قيامة السيد المسيح ولكنه تحدث عن القيامة عامة.
* في كلمة البابا شنودة الثالث عن قيامة الأموات.. قال قداسته:
* * قيامة الأموات في منتهي الأهمية لأنه لو كان الإنسان لا يقوم من الموت إذن فقد شابه الحيوانات التي تحوت وتبيد ولا تقوم مرة أخري.. من غير المعقول أن هذا الإنسان الذي هو المخلوق الأرضي الوحيد الناطق العاقل الذي وهبه الله مواهب كثيرة حتي أنه استطاع أن يخترع سفن فضاء تصعد به إلي القمر وتدور حول الأرض, وترجعه إليها وقد جمع معلومات عن الكون لا نعرفها.. هذا الإنسان الذي استطاع أن يخترع أيضا الكمبيوتر والفيس بوك والموبايل فون واختراعات طبية وعلمية كثيرة.. هل معقول أن هذا الإنسان العجيب ينتهي به الأمر أن لا يقوم من الموت مثله مثل الحشرات والهوام؟!
* بعد أن طرح البابا شنودة تساؤله.. أجاب:
* * القيامة عبور.. وهي أيضا ضرورة لأن بها يصل الإنسان إلي الحياة الأخري, فلا تكون حياته علي الأرض فقط, وإنما له حياة أخري في السماء وهذه الحياة هي باب الأبدية التي لا تنتهي, والله قد وعد هذا الإنسان بالخلود فلابد أن يقوم من الأموات.
* * والقيامة سهلة وممكنة لأنه إذا كان الله قد خلق الإنسان من تراب, فالجسد بعد أن يموت ويتحول إلي تراب, يمكن أن يعيد الله نفس التراب إلي الحياة.. بل إن التراب قبل أن يكون ترابا كان عدما, والله من العدم خلق التراب, ومن التراب خلق الإنسان, فهذه القوة العجيبة التي لله جل جلاله تمكن الله أن يعيده إلي الحياة مرة أخري.. والله يعرف مكونات الجسد أين ذهبت ويستطيع أن يجمعها مرة أخري ويعيد تشكيلها لتعود إلي الحياة.
* * نقطة أخري أن القيامة لازمة من أجل عدل الله تبارك اسمه.. فالله خلق الإنسان من روح وجسد, والروح صعدت إلي خالقها, فهل يبقي الجسد مدفونا في التراب, بينما الروح والجسد كانا شريكين معا في كل شئ.. إذا الروح حزنت يظهر بكاء الجسد في عينيه وفي ملامح وجهه, وإن الروح فرحت يظهر هذا في ملامح وجه الإنسان وفي ابتسامته.. إذن الجسد والروح اشتركا معا في الحياة, فلا يصح أن الروح وحدها تتمتع بالسماء والجسد لا يتمتع معها, لهذا رأي الله في عدله أن يقوم الجسد ويتحد بالروح ويقف الاثنان أمام عدل الله لإعطاء حساب عن كل ما فعله الجسد في الأرض.
* بعد أن أوضح البابا أن القيامة ضرورة تستلزمها عدالة الله من جهة الروح والجسد.. استطرد قداسته في كلمته موضحا أنها ضرورة أيضا من جهة أحوال الناس علي الأرض.. فقال:
* * القيامة أيضا لازمة لأجل التوازن, ففي الأرض ليس هناك توازن بين البشر, ففيها الغني والفقير, السعيد والتعيس, الجميل وفاقد الجمال.. فهل يظلون هكذا؟!.. عدل الله يقضي أن يعوصهم في السماء, فلا يحيوا علي الأرض في بؤس ويستمر الأمر هكذا.. كذلك في الأرض عميان ومعوقينون ومشوهون هؤلاء أيضا بالقيامة يعوضهم الله في السماء, فتقوم أجسادهم في اليوم الأخير بلا عيب ويعوضها الله عما قاسته من نقص.. فالحال في السماء يتغير تماما, ومن لم ينل حقه علي الأرض يمكنه أن يناله في السماء, ويعوضه الرب عن كل ما فاته في الدنيا.
* وأضاف قداسة البابا:
* * القيامة أيضا معجزة جميلة تقدم الحياة المثالية في العالم الآخر.. فالإنسان المثالي الذي بحث عنه ديجول الفيلسوف ولم يجده, والذي فكر فيه العلماء وأطلقوا عليه سوبر مان.. هذا الإنسان تقدمه لنا القيامة في العالم الآخر, حيث لا خطية ولا حزن ولا بكاء ولا فساد ولا ظلم ولا عيب ولا نقص, إنه عالم الأبرار الذين كافأهم الله عز وجل.
* واختتم البابا كلمته بدعوة مفرحة.. قال قداسته:
* * هذه الصورة نحن ننتظرها ونتمناها, فالبقيامة يدخل الإنسان في الحياة التي لا تنتهي.. حياة الخلود التي هي حلم كل إنسان علي الأرض ومن أجلها يضبط نفسه ويقاوم الخطية ويفعل البر لكي يستحق هذا الخلود المملوء فرحا.. وببركة القيامة نرجو لبلادنا العزيزة كل خير, ولتكن مصر علي الدوام بلدا للسلام والاطمئنان والأمان, وليبارك الرب شعبها واقتصادها وعلاقاتها.
* بعد أن أنهي قداسة البابا كلمته صعد إليه كبار الحضور لتهنئة قداسته وكان واضحا هنا بعض التغييرات في المراسم المعتادة.
* * لأول مرة تقدم المهنئين قيادات المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وبعدهم الدكتور محمد البرادعي المرشح لرئاسة الجمهورية وكان قد أخذ مكانا بالصف الأول إلي جوار القمص سرجيوس سرجيوس وكيل البطريركية وعلي يساره عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية والمرشح أيضا لرئاسة الجمهورية ولم تتح له فرصة مصافحة البابا وتهنئته -وربما لهذا أو لأنها عادته في كل عيد- حضر إلي المقر البابوي صباح يوم العيد للتهنئة.. وكان من بين من صعد لتهنئة البابا الدكتور يحيي الجمل, وعماد أبو غازي وزير الثقافة, والدكتور حسين العطفي وزير الري, ومنير فخري عبدالنور وزير السياحة, وماجد جورج وزير البيئة, ومارجريت سكوبي سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية.
* * كان أول المهنئين بالعيد شيخ الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب وعبدالله الحسيني وزير الأوقاف الحالي, ود. حمدي زقزوق وزير الأوقاف السابق.. لكن زيارتهم للتهنئة جاءت مبكرة, إذ جاءت يوم الأربعاء الذي يسبق عيد القيامة بأربعة أيام.
* في صباح يوم العيد توافد عدد كبير من الوزراء وكبار رجال الدولة وقيادات الأحزاب والنقابات والإعلاميين إلي المقر البابوي لتهنئة قداسة البابا بالعيد.
* * من الوزراء الحاليين الذين حضروا -بترتيب حضورهم- الدكتور أيمن فريد أبو حديد وزير الزراعة, ود. فتحي البرادعي وزير الإسكان, ود. سيد مشعل وزير الإنتاج الحربي, ود. عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي والبحث العلمي, ود. سمير رضوان وزير المالية.. الملفت للنظر كانت زيارة وزير الداخلية اللواء منصور عيسوي, فلم يسبق لأي من وزراء الداخلية السابقين دخول المقر البابوي.. ومن الملفت للنظر أيضا أنه رغم غياب كل الوزراء السابقين فقد حضرت عائشة عبدالهادي وزير القوة العاملة السابقة للتهنئة كعادتها رغم الإعياء الذي كان واضحا عليها..
* * للمرة الثالثة جلس الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء في صالون قداسة البابا.. جاءت زيارته هذه المرة صباح عيد القيامة للتهنئة بالعيد.. وأكد الدكتور شرف خلال زيارته هذه علي عمق التلاحم بين المسلمين والمسيحيين, مشيرا إلي أن ثورة 25 يناير أيدت وعبرت عن ترابط المسلمين والمسيحيين, إلي جانب مزج دماء المسلم بالمسيحي من شهداء الثورة, وقال إننا نبني علي أصل العلاقة المتينة المتجذرة بين جميع أبناء الشعب المصري.