يقول وولتر روسيل ميد في مستهل مقالته المعنونة بـ ##بلد الرب God##s Country?## بمجلة الشئون الخارجية ##Foreign Affairs## عن شهري سبتمبر-أكتوبر 2006, والتي تناقش أثر العامل الديني في السياسة الخارجية الأمريكية, أن الدين عادة ما يلعب دورا رئيسيا في السياسة والهوية والثقافة الأمريكية, فالدين يشكل شخصية الأمة ويساعدها في تشكيل أفكار الأمريكيين عن العالم, وله تأثير علي الوسائل التي يتجاوب بها الأمريكيون تجاه الأحداث خارج حدودهم. ويعلل الدين إحساس الأمريكيين بأنفسهم كشعب مختار وإيمانهم بأن عليهم واجب نشر قيمهم في كافة أنحاء العالم. ونظرا لأن الولايات المتحدة بلد ديموقراطي ينتخب أفراد الشعب ممثليهم بكامل حريتهم, كان من المهم دراسة المعتقدات الدينية للمواطنين الأمريكيين التي تؤثر بلا شك في اختيارهم الانتخابي. وفي هذا الصدد, نشر منتدي بيو للدين والحياة العامة The Pew Forum on Religion & Public Life, منذ بضعة أسابيع استطلاعا حديثا عن ##الدين والحياة العامة##, شمل أكثر من 35 ألف أمريكي تبدأ أعمارهم من الثامنة عشر عاما. ويهدف الاستطلاع إلي قياس حجم التحولات الدينية التي طرأت علي المجتمع الأمريكي المعروف بتنوع وتعدد طوائفه الدينية. نظرة عامة علي الخريطة الدينية بالولايات المتحدة تظهر نتائج الاستطلاع أن الأمريكيين في حالة تنقل دائم بين الأديان, حيث تفقد كبري الأديان في الولايات المتحدة أتباعا كل يوم, وتكسب أتباعا جددا في المقابل, لتظل الحركة والتنقل سمة أساسية للخريطة الدينية بالولايات المتحدة الأمريكية. أهم النتائج التي خلص إليها الاستطلاع هي أن أمريكا تتجه لأن تكون ذات أقلية بروتستانتية, حيث تصل نسبة البروتستانت فيها إلي 51% بالكاد. ويظهر الاستطلاع أن 16% من المسيحيين البروتستانت تحولوا لمذهب مسيحي آخر, في حين يصل عدد الأمريكيين البالغين المرتدين عن دينهم الذي نشأوا عليه وليس التحول من مذهب لآخر في نفس الدين إلي 28%. وتصل نسبة الأمريكيين الذين عرفوا أنفسهم علي أنهم ##بلا دين## إلي 16.1% من إجمالي الأشخاص المستطلع آراؤهم. وفي فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-29 عاما هناك واحد من كل أربعة لا ينتمي لدين بعينه. ويتسم الأمريكيون البروتستانت بتنوع داخلي, إذ يضمون المئات من مختلف الطوائف التي تدخل ضمن إطار ثلاث فئات بروتستانتية هي: فئة الإنجيليين البروتستانت, التي تشكل 26.3% من العدد الإجمالي للأشخاص البالغين, وفئة البروتستانت الرئيسية Mainline التي تمثل 18.1%, وفئة البروتستانت السود التاريخية التي لا تتجاوز نسبتها 6.9%. ولا تعد فئة المسيحيين البروتستانت هي الفئة المسيحية الأكثر فقدانا لأتباعها, ففي المذهب الكاثوليكي الذي نشأ عليه واحد من كل ثلاثة أمريكيين تصل نسبة فقد أتباعها إلي 31%, فقد قال 24% فقط من الأمريكيين أنهم ينتمون لهذا المذهب. ولولا تزايد معدلات الهجرة لظهر في انخفاض نسبة الكاثوليكيين بشكل جلي, فعدد الكاثوليك ضعف عدد البروتستانت في فئة الأمريكيين البالغين الذين ولدوا خارج الأراضي الأمريكية 46% (كاثوليك مقابل 24% بروتستانت). بينما ينعكس الوضع في أوساط الأمريكيين الذين ولدوا داخل الولايات المتحدة لصالح البروتستانت, وبأرقام أكبر (55% بروتستانت مقابل 21% كاثوليك). ويظهر الاستطلاع أنه بالرغم من أن عدد البروتستانت في الولايات المتحدة يقارب ضعف عدد الكاثوليك, إلا أن عدد الكاثوليك يقترب من عدد الإنجيليين البروتستانت, ويتجاوز بكثير مجموع عدد البروتستانت العاديين أو mainline وعدد البروتستانت السود. أما المسيحيين الأرثوذكس فلا تتعدي نسبتهم 0.6% من عدد الأمريكيين البالغين, فيما يمثل المورمون Mormons 1.7% وشهود يهوه Jehovah##s Witnesses 0.7% والجماعات المسيحية الأخري 0.3%. وكان من الملاحظ أن هذا التنوع الذي يظهر في الديانة المسيحية ومذاهبها المختلفة يظهر أيضا في فئة ##اللادينيين## التي تصل نسبتهم إلي 16.1%, حيث وصف ربع هؤلاء أنفسهم بأنهم ملحدونatheist أو agnostic فيما قالت الغالبية أنها لا تعتنق دينا محددا. وتجمع هذه الفئة التي تشكل غالبية اللادينيين العلمانيين الذين يرون أن الدين ليس مهما في حياتهم, وتصل نسبتهم إلي 6.3%, وأشخاص يعتقدون بأهمية الدين في الحياة وهم 5.8%. ويتكرر هذا التنوع وسط الأقليات الدينية في الولايات المتحدة, فغالبية اليهود الذين يشكلون 1.7% من عدد السكان يصنفون أنفسهم في واحدة من ثلاث مجموعات كبيرة هي اليهود الإصلاحيين أو المحافظين أو الأرثوذكس. والوضع مشابه في وسط البوذيين الذين يشكلون 0.7% من مجموع السكان حيث ينتمون لطوائف ##زن Zen## و##ثيرافادا Theravada## و##التيبت Tibetan## نسبة إلي إقليم التبت. أما المسلمين الذين يمثلون 0.6% من المجتمع الأمريكي فينقسمون بين سنة وشيعة. احتدام التنافس بين الأديان حالة التنقل الدائم بين الأمريكيين من دين لآخر تظهر حجم المنافسة الشديدة بين الأديان لكسب أتباع جدد, ويظل الرابح الأكبر من هذه المنافسة هم فئة ##اللادينيين##, فهم الفئة الأكثر كسبا لأتباع جدد, حيث يرتد الكثير عن دينهم ليدخلوا هذه الفئة, بينما لا يخرج منها سوي أعداد قليلة بنسبة 3% إلي 1%. ويشير الاستطلاع إلي أن 4% من الأمريكيين البالغين لم يكونوا منتمين لأي دين في مرحلة الصغر لكنهم اعتنقوا أديان مختلفة عندما كبروا. ويضرب الاستطلاع مثالا آخر علي ديناميكية الحركة الدينية في أمريكا من خلال تجربة الكنيسة الكاثوليكية, فاستطلاعات الرأي التي كان يجريها المركز الوطني لأبحاث الرأي بجامعة شيكاغو National Opinion Research Center at the University of Chicago منذ 1972 تظهر أن نسبة الكاثوليك من الأمريكيين البالغين ظلت ثابتة خلال العقود الأخيرة علي 25%. لكن الاستطلاع الأخير لمركز بيو الأمريكي يقول إن ثلث المستطلع آرائهم الذين نشأوا ككاثوليك لم يعودوا كذلك, وهو ما يعني أن 10% من الأمريكيين ككل هم كاثوليك سابقين. لكن الكنيسة الكاثوليكية استعاضت عن ذلك بجذب المزيد من الأمريكيين لاعتناق مذهبها, حيث بلغت نسبة معتنقي المذهب الكاثوليكي 2.6% من البالغين, كما مثلت الهجرة عاملا مهما للكنيسة الكاثوليكية في تعويض أعداد الأتباع المفقودين, إذ أن النسبة الكبيرة من المهاجرين ينتمون للمذهب الكاثوليكي, وهو ما جعل الكنيسة تحافظ علي هذا التوازن بين الأتباع الجدد والكاثوليك الوافدين إلي أمريكا وبين الأتباع المفقودين. مستقبل الخريطة الدينية بالولايات المتحدة ويتوقع الاستطلاع الانتماءات الدينية في المستقبل عن طريق قياس أعمار الأمريكيين المنتمين لكل دين ومذهب. وجاءت الأرقام كالتالي: البروتستانت: أكثر من ستة أشخاص من بين كل عشرة يتجاوز عمرهم السبعين عاما بنسبة 62%. لكن نسبة البروتستانت في أوساط الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-29 عاما بنسبة 43% هي أربعة من كل عشرة أشخاص. ويعد الشباب في هذه الفئة العمرية هم الأكثر ميلا إلي أن يقولوا إنهم لا ينتمون لدين بعينه من الشيوخ الذين تتجاوز أعمارهم السبعين عاما (25% إلي 8%). وفي حال استمرار الانخفاض في عدد البروتستانت فإن عدد السكان غير المنتمين لدين معين سوف يستمر في الازدياد. الكاثوليك: تمر فئة الكاثوليك بتغييرات كبيرة حيث يشكل اللاتينيون Latinos واحد من كل ثلاثة كاثوليك تقريبا. ومن المحتمل أن تزيد هذه النسبة في المستقبل. وتصل نسبة اللاتينيين الكاثوليكيين واحدا من كل ثمانية في الفئة العمرية التي تتجاوز السبعين عاما حيث تصل نسبتهم إلي 12%, أما في فئة الشباب بين 18-29 عام تصل نسبة اللاتينيين إلي 45%. المسلمين: ثلثا المسلمين في الولايات المتحدة هم مهاجرون في الأصل. الهندوس: أكثر من ثمانية من كل عشرة ولد خارج الأراضي الأمريكية. العقيدة بين الرجال والنساء ويكشف الاستطلاع أن الرجال هم الأكثر ميلا من النساء لوصف أنفسهم بأنهم بلا دين, حيث يقول واحد من كل خمسة رجال إنهم لا ينتمون رسميا لأي دين مقارنة بـ13% من النساء. وفي أوساط الرجال المتزوجين هناك أربعة من كل عشرة أي 37% من هؤلاء الرجال المتزوجين من نساء يعتنقن دينا آخر غير دينهم (وتشمل هذه النسبة عدد البروتستانت المتزوجين من بروتستانت من طائفة أخري مثل معمداني Baptist وميثودست Methodist). أما أكثر الأديان والمذاهب التي تمنح لأتباعها بعض المرونة في الزواج من أشخاص لا يتبعون ديانتهم, هم الهندوس والمورمون بنسب 78% و71% علي التوالي, لكن تظل نسبة استعدادهم للزواج من أتباع الدين نفسه كبيرة (90% و83%). ويعد المورمون والمسلمون هم أكثر الجماعات الدينية أصحاب الأسر الكبيرة, حيث أنجب واحد من كل خمسة مورمون ثلاثة أطفال أو أكثر بينما تصل النسبة إلي 15% في أوساط المسلمين. وتعتبر منطقة وسط غرب أمريكا مثالا علي التنوع الديني الذي تشتهر به الولايات المتحدة, حيث تنتشر دور عبادة الأديان المختلفة في هذه المنطقة, بينما تعتبر منطقة الجنوب الأمريكي معقلا لكنائس الإنجيليين البروتستانت, والشمال الشرقي مركزا لكنائس الكاثوليك بينما يضم الغرب الأمريكي أكبر نسبة من اللادينيين. تقرير واشنطن