نهوي اختراق الحجب طالما حيينا,وننقب عن التجديد فطبيعتنا البشرية ملولة,وما ينطبق علي التجديد في كل مناحي حياتنا ينسحب علي دخول التكنولوجيا فيها,ولأن الصحافة جزء أصيل في حياة المجتمعات وجسر للتواصل بين المواطنين وصناع القرار ومرآة الحقائق التي يبحث عنها الناس,كان لا بدلها أن تتأثر بالتكنولوجيا,وتستخدمها,فهل نستيقظ ذات صباح فلا نسمع صوت الباعة(أهرام-أخبار-جمهورية) ويقتصر الأمر علي شاشة كمبيوترية أمام كل منا نقرأ عليها صحف إلكترونية ثم نغلقها؟هل يعد ذلك تطورا أم تهديدا للصحافة الورقية التي أفرزت لنا جيلا من العمالقة؟جميعها تساؤلات يجيب عليها صالون المواطنة الذي عقدته جريدةوطنيبالتعاون مع لجنة الحريات بنقابة الصحفيين الاثنين الماضي وأداره يوسف سيدهم رئيس التحرير,وتحدث فيه كل من دكتور فاروق أبو زيد عضو المجلس الأعلي للصحافة وأستاذ الإعلام وهشام قاسم الناشط الحقوقي وأحد أشهر صناع الصحف ومحمد عبد القدوس مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين,والذي بدأ الحوار قائلا:هناك فجوة في الأجيال لن تستطيع صحافة الإنترنت سدها,لأن جيل العمالقة نشأ وترعرع في عصر الصحافة الورقية,ولم يلحق بالصحافة الإلكترونية ولن يأتي أمثال أفراده مرة أخري لذلك سيظل الجميع يبحثون عن هؤلاء في الصحافة الورقية.
يوسف سيدهم:لابد أن نعترف أن الأجيال القادمة التي تنضم للقراءة تنتمي لفئة عمرية مستخدمة للإنترنت,هذه الفئة تتزايد كل يوم,في ذات الوقت تغادر أعداد كبيرة الفئة القارئة للصحافة المطبوعة بحكم السن والتطور,وتلك سنة الحياة,لذلك فالرحيل إلي الإنترنت قادم لا محالة,ولا يمكننا أن نتأخر عن العالم ورغم أنني كرئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة جريدة ورقية-مرعوب-من هذا الرحيل إلي أننا لا يمكننا إلا معايشة الواقع.
بناء الجسور
د.فاروق أبو زيد:كل تكنولوجيا جديدة تضاف إلي الإعلام تمثل تخوفا لما يسبقها فعندما ظهر التليفزيون تصور البعض أنه سيكتسح الإذاعة,وعندما ظهر الفيديو قيل نفس الشئ إلي أن وصلنا للدش والإنترنت,وعندما ظهر الإعلام المستقل قال الخبراء إن الديموقراطية ستغزو العالم والأنظمة لن تستطيع إخفاء أية معلومات عن شعوبها,لكن أخذ الإعلام الطابع المؤسسي,وبدلا من زيادة مساحة الحرية تمت إعاقتها,وأكبر دليل علي ذلك ما حدث أثناء حرب العراق بين الشعب الأمريكي إذ ظل لمدة شهرين كاملين يجهل تماما ما يحدث لجنوده علي أرض العراق,أو عدد هؤلاء الجنود ومن علي قيد الحياة منهم,ومن لقي مصرعه.
لذلك في كل مرة كنا نتوقع شيئا يحدث عكسه,وهذا ما يدعوني للتفاؤل باستمرار للصحافة الورقية,التي عليها بناء الجسور مع القراء مثلما يحدث في الصحافة عبر الإنترنت,والتجربة العملية تقول إن كلميدياجديدة تضيف للقديمة وتثريها بعد فترة الاهتزار التالية لظهور التقنية الحديثة,فتبدأ مرحلة استعادة التوازن,وهو ما أعتقد أنه يحدث مع الصحافة الورقية,كما أن الإنترنت يجذب قطاعات من الشباب هم عازفون من البداية عن قراءة الصحف ونحن هنا لا نقلل من شأن الطفرة التكنولوجية فما حققته البشرية حتي عام1975 يوازي ما حققته منذ عام1975 حتي الآن بسبب التطور التكنولوجي الهائل.
يجب هنا أن نسأل أنفسنا سؤالا:ما نسبة الأمية في مصر؟إنها 38% بين الذكور و60% بين الإناث هذا عن أمية الكتابة والقراءة,وإذا كان الوضع هكذا بالنسبة للقراءة والكتابة فبالتأكيد سينسحب ذلك علي استخدام الإنترنت, لذلك علينا تحويل شعوبنا من الأمية للتعليم تدريجيا.
ما عزوف الناس عن الصحف الورقية فيأتي لتدني جودة المادة المقدمة وركالتها وليس بسبب الإنترنت لذلك تشير أرقام التوزيع لانهيارات شديدة فيه.
مصنع المحتوي
هشام قاسم:اشغلت صناعة الصحف في الخمس سنوات الأخيرة بفكرة عدم اليقين في مستقبل الصحافة المطبوعة,جاء ذلك بعد تصريح لأكبر ناشر في العالم(ناشر نيويورك تايمز)عندما قال أنهم لا يعلمون هل سيستمرون أم لا خلال خمس سنوات وعندما التقيت خبراء من الاتحاد العالمي للصحف والذي ذهب إليه لإمدادي بآخر التطورات في عالم صناعة الصحف,قيل إلي الصحيفة الورقية ماتت وإذا أردت تأسيس صحيفة عليك تأسيس مصنع للمحتوي,والمقصود بذلك تكنولوجيا البث التي تعد أرخص وأكثر تداولا,ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل عندما التقيت في اجتماع مع خبراء من كل الأقسام في صحيفةبولكانبالدانمرك ووجدت أنهم توجهوا للصحافة الاستفصائية وفكرة القيمة المضافة,وهذا هو المقصود بمصنع المحتوي.
فالبث الأول يبدأ عبر شبكة المحمول بخبر قصير من جملة واحدة,ثم يليه الخبر علي الإنترنت من20إلي 30كلمة وفي اليوم التالي تظهر الصحف الورقية محملة بالقيمة المضافة وهو الكواليس والتداعيات خلف كل خبر,وبذلك نضمن استمرارية للجميع,ومثال علي ذلك خبر مصرع بنظير بوتو الذي خصصت له الفضائيات ساعات طويلة عقب وقوع الحدث,وظهرت الصحف المصرية في اليوم التالي بمانشيتات مصرع بنظير بوتولكن صحافة العالم تناولت تداعيات الحدث لأن الخبر أصبح محروقا.
والحل هو جلب الإيرادات عن طريق البث عبر المحمول,الخبر القصير (مجانا)مع رسالة لتحميل خبر كامل أو صورة يكون مدفوعا,وكذلك الإعلانات علي صفحة الإنترنت والتي بدورها تؤدي إلي أرباح طائلة,والمزج بين الإنترنت والمحمول والطبعة الورقية هو طوق النجاة الوحيد للاستمرار وعلي أي الأحوال لا نستطيع التكهن بمدي صحة التقديرات التي تقول إن استمرار الطبعات الورقية لن يدوم أكثر من 10 سنوات,وغيرها مما يشير إلي إمكانية الاستمرار 40أو 50 سنة.
التركيبة السكانية مؤشر
بالنسبة لمصر أفضل وسيلة لتقييم الوضع هي النظر للتركيبة السكانية,إذ يوجد 60مليون في مصر تحت 25 سنة لابد أن نبحث كيف نجذبهم للقراءة,خاصة أن عدد النسخ المباعة حاليا من مجموع الصحف المصرية مليون نسخة وهذا انهيار خطير في التوزيع,ومؤشر لتفشي انتشار الشائعات التي لا يمكن أن يكون لها ضابط في ظل غياب إعلامي عن المجتمع,في نفس الوقت عدد مستخدمي الإنترنت يصل إلي 9ملايين,وعدد مستخدمي المحمول 40مليونا,نصفهم يستطيعون التعامل مع الإنترنت,إذا الأمر هنا يخضع للتركيبة السكانية.
مداخلات
د.مختار الشريف خبير اقتصادي: عندما يأتي العلم بسبل جديدة لإنجاز أهداف البشر لا ينفي ذلك السبل القديمة لكنه يضيف إليها. واستخدام الإنترنت مرهون بعاملين لوصول الصحافة الإلكترونية للناس وهما: توفر الآلة المرسلة,وتوفر الآلة المستقبلة,وإتاحة ذلك تعتمد علي درجة تقدم المجتمعات وتخطيها للفقر,لذلك ستظل الصحافة الورقية إلي جانب الصحافة الإلكترونية.
أشرف السويسي باحث وصحفي: ما مصير قيد الصحفيين العاملين في هذا النوع من الصحافة,فما ينطبق عليهم ينطبق علي الإعلاميين بقطاعي التليفزيون والإذاعة,لذلك يجب إعداد تشريع لتوفيق أوضاعهم.
أنيس توفيق مدير إدارة بالتربية والتعليم: حتي نضمن استمرار الصحافة الورقية لابد من الحفاظ علي المعلنين من خلال خفض أسعار الإعلانات,وإيجاد تفاعل بين الصحف والمواطنين.
سامح الميري باحث حقوقي: تنعكس مشاكل الصحافة حاليا علي مستقبلها,وقد اعتدنا التعتيم الإعلامي والصحفي خاصة في حالات الاحتقان الطائفي,لذلك عزف الناس عن الصحف الورقية لاتساع مساحة الحرية عبر الإنترنت,لذلك أري أن المستقبل للأخيرة.
أسامة قزمان كاتب وصحفي: أصبح العالم حجرة صغيرة وليس قرية صغيرة كما كان يقال عنها سابقا,ولكن ستظل الصحافة الورقية هي الوسيط الأول بين الجمهور والمعلومة لأننا عندما نقرأ المعلومة,علي شبكة الإنترنت نحولها مرة أخري لوسيط ورقي للاحتفاظ بها,وعلينا أن ننظر للأمر برمته في أنحاء مصر كلها في القري والأحياء الصغيرة وليس في المدن التي انتشرت فيها التكنولوجيا,فنحن ما زلنا مجتمعا ناميا لذلك أرجح استمرار الصحافة الورقية للنهاية.
فادي لبيب صحفي: ماذا عن مستقبل الصحافة المجانية الورقية في ظل التطور الحالي؟
حنان فكري صحفية: ما إمكانات الحماية والرقابة ودرء التلاعب في الصحف الإلكترونية؟
ردود
د.فاروق أبو زبد: الاتصال المباشر مازال مهما,لذلك علي الصحف الربط بينها وبين مشاكل وهموم المواطنين لضمان الاستمرارية,أما عن الجزء الخاص بالتعتيم الإعلامي أقول: عندما يتم التعتيم يعم علي الجميع وليس الأقباط فقط وعندما تعم الديموقراطية تعم علي الجميع أيضا.
وعن الصحافة المجانية قال د.فاروق:تجربة جريدة الوسيط هائلة,وتحقق أرباحا كبيرة,لكن السؤال هنا:هل تصلح مجانية الصحف مع الشعب المصري؟فنحن نقرأ عندما ندفع,ونضع الصحف فوق الأرفف عندما تأتينا بلا ثمن.
أما مشكلة ضبط الرقابة والحماية,فاعتقد أن الإنترنت لن يوفر هذه الجزئية,فمثلا عندما تخطئ صحيفة يستطيع المجلس الأعلي للصحافة محاسبتها,لكن عبر الإنترنت من سيحاسب المخطئين,لذلك اقترح وجود محكمة شاملة للإعلام لسرعة الفصل في القضايا المتصلة به وعمل توازن بين الحرية وعلاج آثارها الجانبية.
هشام قاسم: هناك طريقتان لدخول صحيفة جديدة للسوق,الأولي الدفع خارج السوق برفع الميزانية,والثانية احتلال المنطقة الفارغة في السوق,وهذا ما حدث عند ظهور المصري اليوم فاحتلت منطقة الخبر,وهكذا تبحث كل صحيفة عن منطقة فارغة إلي أن تصل لمنطقة المجانية بسبب تشبع السوق,فنجد مثلا 61% من صحف الدانمرك مجانية,وعندما التقت أحد مؤسسي الصحف هناك قال لي نحن أنفقنا 500مليون يورو ومازلنا نخسر, لكنني متأكد أننا سنكسب فيما بعد,لأنه يعرف السوق التي سيتوجه إليها لكن هنا التجربة غير مجدية,بل إنني أعتقد أنها جاءت مبكرة عن موعدها بحوالي عشر سنوات.
أما عن أمور الحماية والرقابة فالشئ الوحيد الذي لا تتسامح فيه القوانين بالخارج هو الصور الجنسية للأطفال,رغم أنها قد تهمل أو تترك ما يخص البالغين عدا ذلك يصعب ضبط الأمور,فكل يوم تظهر برامج لإخفاء المستخدمين لشبكة الإنترنت,ثم تظهر برامج مضادة لكسر برامج الإخفاء, وهكذا فمن غير المنتظر إذن وجود سيطرة علي هذا العالم وكل تطور له سلبياته وإيجابياته.