يوسف سيدهم:التمويل وصمة تلاحق المؤسسات الأهلية
الدكتور عبد الرحمن توفيق:المنهجية العلمية غائبة في العمل المدني
شيرين الطرابلسي:5.5 مليار جنيه قيمة العطاء الاجتماعي في مصر
ماهر بشري:التنمية والتمكين يخلقان موردا مستمرا للعمل الأهلي
آدارت الندوة:حنان فكري
تغطية:تريزة سمير -تصوير:فادي لبيب
المجتمع المدني في مصر..أصبح قطاعا لايستهان به في التأثير في تكوين قوي متفرقة قائدة في كافة الاتجاهات سواء حقوق الإنسان أو التنمية أو السياسة,فأتاح الفرصة لمشاركة شريحة عريضة لم تكن لها علاقة بالعمل العام قبل تفعيل دور منظمات المجتمع المدني,ولكن هل هذا الجانب هو الوحيد في صورة ذاك القطاع؟ من المؤكد وجود جوانب أخري أهمها استغلال بعض المدعين العاملين في هذا الحقل نشاطهم للتربح منه,وباتت الأخطاء والتجاوزات المالية التي يتم فضحها علي صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية مسلسلا لاينقطع ,مما حدا برجال القانون لتقديم مشروع قانون يحكم القبضة علي الجمعيات الأهلية فيما يخص مسألة المنح الخارجية,وكذلك يجري حاليا العمل علي مشروع قانون لضم الشركات المدنية غير الهادفة للربح-المراكز-تحت مظلة الشئون الاجتماعية لإحكام السيطرة عليها.
ما بين هذا اللغط الدائر حول إمكانية مشاركة المجتمع المدني في مصر لركب التنمية,وهو محمل بكل القيود سالفة الذكر دار لقاء صالونالمواطنةالذي تعقده الجريدة برئاسة يوسف سيدهم رئيس التحريربالتعاون مع لجنة الحريات بنقابة الصحفيين برئاسة محمد عبد القدوس ,استضاف الصالون كلا من الدكتور عبد الرحمن توفيق رئيس مركز الخبرات المهنية بميكوخبير التنمية البشرية,وشيرين الطرابلسي مساعدة مركزجون جرهارتللعطاء الاجتماعي بالجامعة الأمريكية,وماهر بشري زميل مؤسسة أشوكا للتنمية,ورئيس مجلس أمناء جمعية الحياة الأفضل للتنمية الشاملة.
في البداية تحدث يوسف سيدهم رئيس تحرير وطني وقال: للمجتمع المدني دور فعال وقوي باعتباره شريكا أساسيا في تنمية الوعي العام علي كافة المستويات,ولكن المشكلة الحقيقة التي واجهت المؤسسات العاملة في هذا المجال هي تلقي المنح الخارجية ,والتي صارت وصمة علي جبين النشطاء الحقوقيين تحديدا,ونحن لسنا ضد الرقابة الصارمة علي تلقي أو التصرف في المنح حتي تصل إلي الهدف المرجو تحقيقه منها فتسد الطرق علي المدعين والمستغلين, لكننا نتساءل اليوم:كيف تمنع الرقابة حدوث تجاوزات مالية بدون أن تصل بالنشطاء إلي الشعور بقيود مبالغ فيها تدفعهم للعزوف عن العمل المدني بسبب مايواجهونه من تعقيدات روتينية تعرقل نشاطهم وبرامجهم للوصول إلي أهدافهم التي تصب لصالح المجتمع,وما الآليات الأخري التي تفعل عمل أي كيان أهلي وتمكنه من الاستمرارية؟.
محاور التقييم
د. عبد الرحمن توفيق خبير التنمية البشرية,ورئيس مركز الخبرات المهنية بميكبدأ حديثه قائلا:للعمل الاجتماعي ملامح أساسية هي:الصعوبات التي يواجهها المجتمع المدني علي أرض الواقع والنجاحات التي يحققها,ولكن كيف نقف علي كلا الأمرين والدروس المستفادة منهما وأضاف:هناك ثلاثة محاور أساسية يمكن النظر إليها في التقييم وفي العمل الاجتماعي لأي منظمة أهلية أولها:دورو سائل الإعلام في التغطية الإعلامية الكاملة فكيف نعرف الجهود التي يتم بذلها ونوع الدروس المستفادة وإلي أي حد الأنشطة الاجتماعية تجد مساحة كافية للدعاية والإعلام عنها فهناك جمعيات تبذل جهودا جبارة إلا أنه لاتوجد أية تغطية إعلامية,والعكس صحيح فهناك من يهتم بالضجة الإعلامية بلا تركيز علي العمل في المجتمع والمحور الثاني يتمثل في مدي وضوح الرسالة التي يقوم من أجلها النشاط وما إذا كان جهدا تطوعيا من عدمه وما إذا كانت الجمعية وصلت لأهدافها وما الذي يعترض طريقها لتحقيق هذه الأهداف,فهناك جمعيات نجحت وتركت بصمات واضحة في المجتمع,لذلك فمسألة قياس مدي نجاح الأنشطة ومردودها مهم لتحديد طبيعة عمل المنظمة أو الجمعية لا حقا.
أما الجانب الثالث فهو وجود أدوات للتعرف علي معايير نجاح الجهد فهل بعدد المخدومين أم باستمرار الخدمة والتركيز علي الأساليب للوصول للهدف المرجو؟ ولكن للأسف لاتوجد وسيلة للقياس بل إن فكرة القياس نفسها غير قائمة في معظم مؤسسات المجتمع المدني وتغيب فيها المنهجية العلمية.
تجارب ناجحة
وأشار د. عبد الرحمن لتجارب ناجحة علي أرض الواقع منها وحدة خدمة المجتمع في الدقي التي ركزت علي فكرة تنظيف شارع واحدهو شارع عامرورغم أنها خدمة تقوم علي مستوي الشارع فقط وتهتم بزراعة الأشجار وتنظيم الشارع الذي لايتعدي طوله 150 مترا وكانت ميزانية هذه الخدمة 24 ألف جنيه أي 2000 جنيه في الشهر فأنشأت من عمل بسيط بديلا لفكرة المركزية التي تتسبب في العديد من المشاكل العامة,إنه مثال للعمل الجاد البعيد عن الأضواء والبحث عن التمويل.
أمال التجربة الثانية:
فكانت مع جمعية حواء بالجيزة التي أدركت أهمية تدريب العاملين في حقل الجمعيات علي كيفية إدارة جمعياتهم ,وتم تدريب 35 فردا علي أصول الإدارة السليمة لمؤسسات المجتمع المدني,استغرق التدريب ثلاث سنوات.
التجربة الثالثة:
المعونة الهولندية بالفيوم قامت بوضع ميزانية 30 مليون دولار وساهمت مصر في الميزانية بثلاثة ملايين جنيه رصدتها لمكافحة الآفات ونشر الوعي البيئي للفلاحين بإبراز مخاطر المقاومة الكيمائية للآفات وسبل المقاومة الصحيحة بعد استعراض تلك التجارب نصل إلي أن المجتمع المدني يلعب دورا كبيرا,لأنه شريك للحكومة في تنفيذ الأعمال وإلقاء بعض المسئوليات الاجتماعية عليه أمر مفروغ منه ولكن يبقي التطبيق في احتياج إلي الرعاية والدعاية والنشر وتنمية الكوادر التي تقوم بتحقيق أهداف الجمعيات أو المنظمات الأهلية.
جرهارتوالعطاء الاجتماعي
شيرين الطرابلسي مساعدة مركز جون جرهارت للعطاء الاجتماعي بالجامعة الأمريكية :أشارت إلي أنه منذ سنة 2006 ونحن نبني المشاركة والعطاء ليس في مصر فقط بل في الوطن العربي,ومن خلال المركز حاولنا تغيير مفهوم العطاء الاجتماعي فالعطاء ليس فقط الأعمال الخيرية وإذا انحصر في هذا المفهوم نفشل في التطبيق.
فهناك جمعيات تجاوزت هذا المفهوم وركزت علي شريحة مجتمعية للعمل علي تنميتها مثلما حدث في منطقة عين الصيرة بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي وميزة التنمية هنا هي إتاحة مصادر رزق للمحتاجين بدلا من إعالتهم فترة ثم تركهم.
وأضافت د. شيرين:للإدارة دور مهم جدا لايمكن إغفاله فيجب أن تكون هناك جهود ورؤية واضحة شاملة حتي تؤثر الجمعية تأثيرا فعالا في المجتمع,فمعظم الجمعيات في أوربا تضع خططا سنوية وأخري كل 10 سنوات,ولكن في المجتمع العربي مازال التخطيط غائبا,لذلك حاولنا التخطيط مساعدة الجمعيات الخيرية علي وضع خطط وتوضيح مفاهيم وآليات عمل فقام المركز بعمل أبحاث في ثماني دول عربية عن العطاء الاجتماعي وعلي رأسها مصر ولاحظنا أنه رغم وجود التكافل الاجتماعي فلا يوجد تغيير واضح بسبب غياب المنهجية العلمية والرؤية الدقيقة لذلك تم التركيز علي المشاركة بين الجمعيات والجامعات ممثلة في أعضاء هيئة التدريس الجامعي لأن العلم بداية التغيير للناس,ومن ثم تواصلنا مع الجامعات وقمنا بتنظيم اجتماع مارس 2009بحضور ستة عشر من رؤساء الجامعات في مصر ووزير التعليم العالي, أقوي دليل علي أهمية العلم في العمل المدني تلك التجارب الناجحة من خلال شعارالعلم والمشاركةالتي نفذتها بعض الجمعيات الأهلية في مصر مثل جمعيتيعلشانك يا بلدي,نهضة المحروسة, كل ذلك يدلل علي أن الأدوات الحديثة للعمل الاجتماعي هي الشراكة والتعليم كمدخل لتغيير الواقع.
ورجال الأعمال أيضا
وحسب رأي شيرين :أصبح لرجال الأعمال دور فعال من خلال مساهمتهم في التطوير ومؤسسة ساويروس مثال ناجح فهي مؤسسة تقدم منحا وتدعم مشروعات ومؤسسات أخري ولديها إدارة ناجحة يمكن الاحتذاء بها إذ لاينقص الجمعيات الأهلية سوي التخطيط,فالعطاء الاجتماعي في مصر يقدر بخمسة ونصف مليار جنيه سنويا,نحتاج فقط لإدارة سليمة لتؤتي ثمارها .
في المنيا نموذج حي
ماهر بشري زميل مؤسسة أشوكا العالمية للتنمية ومؤسسات جمعية الحياة الأفضل عام1995 قال:التنمية والتمكين يخلقان موردا مستمرا فالتنمية تقدم من خلال الخبرة وكيفية التعامل مع الفقراء ولنا في نموذج محافظة المنيا أصدق مثال إذ بدأت التجربة من الإيمان بما يمكن أن نقوم به كأفراد لتطوير مجتمعنا فبدأنا بتكوين جمعية والحياة الأفضل بنواة عددها خمسة أفراد,ومن خلال رؤيتنا لحجم المعاناة التي يواجهها عمال المحاجر في المنيا من الأطفال والكبار الذين يعملون في هذه المهنة وبلا حماية أو تأمين اجتماعي وإصابة عدد كبير منهم بالأمراض الصدرية وكان علينا مساعدتهم لذلك قمنا بإعلان التشكيل الرسمي للجمعية عام 2003 واستخدمناها قناة للمطالبة بحقوقهم إلي أن تم إنشاء أول نقابة لعمال المحاجر تحمي حقوقهم ثم عملنا علي تنمية الفئة الثانية الأكثر احتياجا وهي الصيادين,إذ تم تقديم القروض لتحسين ظروفهم المعيشية سواء في المسكن أو المأكل وأيضا مساعدتهم في تطوير أدواتهم ومراكبهم وزيادة مواردهم واستخدمنا خبرات الأهالي لإيجاد الحلول المختلفة,فالناس لديهم خبرات تحتاج فقط للتطوير بالتدريب ولأن التدريب أفضل استثمار للبشر ,اهتمت الجمعية بتدريبهم علي تنمية وعيهم الجماعي ,وكيف يعبرون بشكل جماعي عن مطالبهم وكيف يسعون لنيل حقوقهم, فالفقير له حقوقه التي يجب أن تحميها التشريعات والقوانين,فهل يمكن أن يأتي يوم يتم فيه تجريم الفقر,فالفقر جريمة عنيفة ترتكبها الأنظمة الحاكمة ضد المجتمعات.
التعقيبات
إسحق حنا سكرتير الجمعية المصرية للتنوير:أين الوعي الاجتماعي؟فالعمل الاجتماعي يقوم علي التعاون بين كافة أطياف المجتمع ومؤسساته التنموية وغير التنموية وللإعلام دور كبير في ذلك,لأنه المنوط بتشكيل الوعي والحقوق والمطالبة بها,وللأسف هذا غير موجود في المجتمع المصري فكل يعمل بمنطق الجزر المنعزلة.
د. مختار الشريف:
جاءت نشأة المجتمع المدني مبكرا في الغرب نتيجة التقدم الصناعي والمدني, ولكن من المؤسف أن وضع المجتمع المدني في مصر مازال في البداية رغم أن مصر أولي الدول التي اهتمت بالعمل الأهلي عام .1824ولكن تبدأ المشكلات عندما تتدخل الحكومة لتقييد العمل الأهلي ولاتقدم البديل والمشكلة الأساسية هي تحديد الاحتياجات وبالتالي الأهداف,فالاحتياجات كثيرة والموارد أقل..فهناك احتياجات في كل المجالات,في تقوية شبكة الكهرباء,الصرف الصحي,تطوير المدارس,الاهتمام بالجانب الصحي ولن تستطيع الدولة تحمل ذلك وحدها لكنها لاتترك الفرصة للمجتمع المدني بل تكبله.
الريف في احتياج
سلوي استيفن:
ظهرت في الفترة الأخيرة الحاجة إلي الاهتمام بالريف نظرا لضعف الموارد به وبالتحديد في مجالات التعليم,الصحة,البيئة,فهناك جهات تقدم خدمات ولكنها تتركز في المدن,ومن ثم تبدأ الهجرة الداخلية من مواطني الريف إلي المدينة ومن المدن ,خاصة الصعيد إلي العاصمة,وهذا وجه آخر من أوجه القصور لدي المجتمع المدني فتجاهل وجود جمعيات في المناطق الأكثر فقرا وتركزها في الحضر يدفع المتابعين للأمر من الشئون الاجتماعية إلي الشك وفرض القيود.
شريف الجندي المحامي:
هناك فجوة عميقة ما بين المجتمع المدني والجمعيات الأهلية فلا يمكن أن نحصر المجتمع المدني بما يضمه من نقابات وأحزاب ومؤسسات حقوقية وغيرها تحت اسم الجمعيات فقط,خاصة بعد أن أصبحت طريقا للوجاهة الاجتماعية لدي البعض بينما يقبع البعض الآخر تحت ستار العمل التطوعي علي كيفية الاستفادة وهنا يأتي دورالشئون الاجتماعية فتتم محاسبة الجمعيات.
القيود..عودة للوراء
يعلق الدكتور عبد الرحمن توفيق علي التعقيبات فيقول:فكرة الرقابة جاءت بسبب ممارسات خاطئة حدثت بالفعل تسببت في إهدار الموارد واستغلال المنح التي حصلت عليها المؤسس ولكن ما الذي أوصل بتلك المؤسسات إلي هذه الدرجة ؟سؤال علينا التفكير فيه مليا أيضا من المؤسف أن نجد هرم التنمية الاجتماعية مقلوبا.فحال وصول مبالغ في شكل منح ينشغل القائمون علي الجمعية بالأوراق وضبط الحسابات ومن الفجوات المالية حتي لايكونوا عرضة للمساءلة القانونية من قبل الشئون الاجتماعية حتي لو لم يكونوا مخطئين ,وهنا ينسي الناس الهدف والتطبيق ويفكرون في إبراء ذمتهم مقدما .
ماهر بشري:عقب علي المداخلات بقوله:الحرية تنتج عنها مسئولية ففكرة الضمان الاجتماعي والقروض يتبعها القدرة علي العمل والاستثمار وتبني المشاريع والأفكار الناجحة فإذا ما منحت الدولة حرية للمنظمات العاملة في المجتمع المدني ووضعت معايير ثابتة للمساءلة بلا مبالغة ستلتزم الجمعيات ويسير ركب التنمية,ولكن عدم وجود الحرية ينشيء التخلي عن المسئولية,وبالتالي إما تراجع للخلف وانهيار للهدف والعمل الاجتماعي,إما استمرار يعقبه تعسر.
شكر خاص لفريق ملامح
تقدمت فرقة ملامح الغنائية المشكلة من مواهب من أعضاء مركز التكوين الصحفي بجريدةوطني بعض الأغنيات الوطنية التي نبعت من مواهبهم الخاصة .
تأليف:ريمون سليمان
تلحين:جرجس صبحي
غناء:ماري جرجس-ناريمان وديع