ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ42 عقدت ندوة بعنوانالرواية بين الانفجار الكمي والازدهار النوعي-حرية التعبير في الروايةشارك فيها د. أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة وحلمي النمنم نائب رئيس هيئة الكتاب والكاتب الصحفي سيد محمود,محمد سيد عبد التواب.
أشار حلمي النمتم في كلمته أن الرواية ساهمت في اذرهار الحرية في مصر وذلك ماثل في أعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس,ولكن هذه الحرية يعكرها في بعض الأحيان بعض القوي الظلامية,وأشاد بدور الثقافة الجماهيرية في نشر بعض الأعمال الروائية التنويرية مثلوليمة لأعشاب البحر.
أما د. مجاهد في كلمته فقد بدأ بتحديد ماهية أو حدود الرواية العربية,وتساءل:هل الروايات الإنجليزية التي يكتبها عرب مثل أهداف سويف هي روايات عربية؟,وانتهي إلي أن الرواية العربية مصطلح يدل علي الرواية المكتوبة باللغة العربية فقط.
ثم أشار إلي سيادة الرواية في الساحة الأدبية مشيرا إلي ما لاحظه نجيب محفوظ في الثلاثينيات من عمره عن سيادة فن الروايةشعر العالم الحديثمؤكدا بناء علي ذلك أن الرواية أصبحت هي الجنس الأدبي الأكثر شيوعا,بل صارت هي السائدة علي أدب العصر وكأنه صارعصر الروايةوهذا ما شكل ظاهرة الانفجار,بجانبيها الكمي والكيفي.وبنظرة إحصائية إلي إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة نجد أن هناك توازنا بين الأنواع الأدبية ولكن في دور النشر الخاصة هناك إقبال علي نشر الرواية بالمقارنة بالأنواع الأخري ويرجع ذلك-فيما ينقله عن واسيني الزعرج-إلي ظاهرة تسليع الروايةبغض النظر عن قيمة العمل المنشور,أما بخصوص الازدهار الكيفي فهو يقترن بالثورة النقدية والفكرية التي بدأت في الستينيات علي وجه الخصوص,وواكب ذلك شيوع مصطلح الشعرية أو الأدبية في الفكر النقدي والأدبي المعاصر,وظهر هذا التحول بوضوح في ضمير السرد في الرواية حيث كثر السرد بضمير المخاطب وانتشاره بالمقارنة بضمير المتكلم الذي كان سائدا في الرواية العربية الكلاسيكية عند طه حسين ويوسف إدريس وغيرهماولتحول ضمير السرد آثار جمالية وفكرية كثيرة لأنه ينطوي علي موقف من القاريء والكتابة والحياة علي الإطلاق والظاهرة الأخري الجديرة بالوقوف عندها هيالتشظي أو جماليات الفوضيوتتحقق من خلال تحطيم المنطق السببي في تتابع السرد,في سبيل خلق جماليات جديدة في الرواية ولذلك فإن اسم جماليات الفوضي أدق من التشظي ,حيث المفهوم الأول ينطوي علي بناء بعد الهدم بخلاف المصطلح الثاني,وكل ذلك يعبر عن رغبة في تحرير النصوص الروائية من المواصفات الاجتماعية والسياسية والتقاليد الكتابية والظاهرة الجديرة بالانتباه في الرواية الجديدة هيالوثائقيةالتي تقوم علي التأريخ سواء أكان للوقائع الحقيقية أو لوقائع فضائحية وهو لون من إعادة النظر في الواقع من خلال إعادة قراءة الوثائق الرسمية من جهة أو ابتكار وثائق مناقضة تمثل وجهة نظر كاتبها.
والظاهرة البارزة كذلك هيمساءلة التاريخ وهو وصف أدق منالتناصوهناك نماذج بارزة في هذا الصدد منهارواية غرناطةلرضوي عاشور,والتي تضع التاريخ الرسمي موضع المساءلة وفق الوعي المعاصر وقد خلقت التيارات السياسية المعاصرة-كما يؤكد-تيارات كتابية جديدة كما في الكتابة النسائية وهي ثورة في مضامين الكتابة.
أما الكتابة الرقمية فهي مجال جديد للكتابة أدي إليه شيوعالإنترنت,حيث أصبح العمل الروائي يستفيد من تقنيات للكتابة الإلكترونية المدعمة بالصور والوثائق وطرائق جديدة في السرد,كما صار للمتلقي دور في إنتاج وإعادة إنتاج النص,من خلال تواصله مع النص عبر شبكة المعلومات.هذه العناصر السابقة-كما يختتم د. مجاهد كلمته-تساهم في خلق حداثة الرواية العربية الجديدة,ولذلك فبناء علي هذه الفوضي لايمكن التنبؤ بالمستقبل ولكن إذا أردنا أن نتنبأ بالمستقبل فإن الازدهار القادم يمكن أن يكون للقصة القصيرة.
حرية التعبير
أما محمد عبد التواب ففي مداخلته بالندوة بدأ بإقرار مبدأ عام يمكن الاتفاق عليه هو أن حرية التعبير حق أساسي لكل كاتب,ولابد أن يتكاتف أفراد المجتمع ومؤسساته في الدفاع عن هذا الحق,حتي تنتهي أشكال التعصب والمعارك بين الفرق الثقافية.
ولكن-كما يؤكد -ليس لأي فريق من الكتاب أن يتصدي لهدم قيم وتقاليد المجتمع المصري,راصدا حالة سماها الانفلات الإبداعي في التعبير عن الجنس,حيث أصبح الكتاب يلجأون إلي الخلطة المعروفة بين الجنس والسياسة وخرق المحرمات حتي يصبح الكاتب من المشاهير,وهذا ليس من الحرية في شيء وما ينبغي التأكيد عليه أن المحك الأساسي في الأدب لابد أن يكون جدارة هذا الأدب,أي أن يكون أدبا حقيقيا فالجنس والجرأة علي قيم المجتمع لاتصنع أدبا حقيقيا.هذا مع التزام الأطراف جميعا بآداب الحوار والجدل بعيدا عن التكفير والسباب.
أما الكاتب الصحفي سيد محمود فقد بدأ من حيث انتهي السابقون مشيرا إلي أن الحرية مسألة نسبية,والأخلاق والعيب تختلف من جيل إلي آخر,وضرب المثل علي ذلك بكتابات نوال السعداوي التي كانت تعد خارج الإطار أو النسق الأدبي في مرحلة سابقة وصارت الآن مألوفة.وهذا يؤكد أن كل جيل يصنع قطيعة مع الأجيال السالفة في قيمه ومعاييره وأفكاره وما يصنع المشكلات بين الأجيال هو اللجوء إلي نموذج فكري أو معيار قديم لتقييم إنتاج جديد.
ومن الواجب علي أطراف الحركة الأدبية أن يتصفوا بالقبول للاختلاف والتوسع بهامش الحرية ليتسع لكل الأطراف المختلفة.و,قد أشار-سيد محمود-إلي أن هناك جهات اتخذت من المصادرة بابا للشهرة والانتشار الزائف, حيث إن بعض الكتاب يقوم بالإبلاغ عن نفسه إلي الجهات الأمنية لينال عمله الزيوع في الوسط الأدبي والثقافي,وهي روايات في أغلب الأحيان لا علاقة لها بالرواية ولا الأدب.وفي مداخلة للصحفي يسري السيد تساءل عن مفهوم الرواية الجديدة وهل هو مفهوم زمني أم جمالي؟أي هل يرتبط بحقبة حديثة أم بنمط فني خاص؟
واختلف الشاعر محمد بغدادي مع ما طرحه د. مجاهد عن أن الرواية العربية لابد أن تكون بلغة عربية,حيث رأي أن هناك أعمالا بلغات أخري عربية الطابع والهوية.
ورأي أحد الحاضرين أن الربط بين إيقاع الحياة,والرواية غير مبرر لأن الشعر أسهل في قراءته وطالب محمد ناصف بالأدلة علي شيوع القصة القصيرة.
وردا من د. مجاهد علي هذه المداخلات قال:إن سمات الرواية الجديدة هي تقنية وليست تاريخية ,والنصوص الأجنبية المكتوبة من العرب لا تنتمي إلي الأدب العربي لأن الأدب ينتمي إلي لغته بالأساس,ورأي-د.مجاهد-أن المثقفين والنقاد دافعوا دفاعا مريرا عن حرية الكاتب والأسماء في هذا الصدد كثيرة ,لأننا لايمكننا ولايمكن لأي رقابة أن تحذف كلمة من عمل أدبي لكاتب,وأشاد بدور الجهات الحكومية في نشر الأعمال المعبرة عن الحرية والسقف المطلق للإبداع,منوها بالكتابات التي صدرت عن الهيئة وحاول البعض مصادرتها ومنها:وليمة لأعشاب البحر,وأعمال أنسي الحاج,وكتاب المعلم يعقوب….إلخ.
وهذا دور لم تقم به أية دار من دور النشر الخاصة,وذلك ما يجعلنا نعيد النظر في انحياز المؤسسات الحكومية للحرية والتي تتهم كثيرا بالمحافظة والتقليدية.