من المفاوقات أن كل ما نقبل عليه من أعمال يتطلب الإعداد اللائق سواء بالدراسة أو بالتدريب, ماعدا أهم دور نؤديه وعمل نقوم به في حياتنا وهو الزواج وتأسيس أسرة, هذا الدور نقبل عليه دون إعداد ولا تأهيل والنتيجة مشكلات وأسر هشة أو محطمة.
كم تبنينا في هذه الصفحة الدعوة لإعداد المقبلين علي الزواج وحلمنا بأن يكون هذا الإعداد بمناهج متخصصة وإلزامية لكل خطيبين لتكون إجراء وقائيا وخط دفاع أولي ضد عواصف الزواج التي تزداد عنوة جيل بعد جيل.
وإن كانت بعض الكنائس بادرت بجهود طيبة في تقديم بعض المعلومات والموضوعات والنصائح للمخطوبين من خلال اجتماعات الشباب أو من خلال بعض المؤتمرات الدورية المعنية بهذا الشأن المهم والخطير, إلا أن كنيسة السيدة العذراء بأرض الجولف كان لها السبق في ترتيب إعداد منهجي دوري للمخطوبين من خلال مركز المشورة الذي يديره عن جدارة د. نبيل صبري.
واصل المركز نشاطه بكل حماس وإيمان بالدور الخطير الذي يلعبه في إعداد أسرة مسيحية ناجحة, وبلغ عدد الشباب والشابات الذين تخرجوا في هذا البرنامج 260 من المخطوبين والمقبلين علي الخطوبة, وذلك من خلال ثلاث دورات تشمل كل منها محاضرة أسبوعيا لمدة ثلاث أشهر.
كان حفل تخريج الدفعة الثالثة شاهدا علي نجاح البرنامج وعلي تعطش الشباب والشابات لمثل هذا الإعداد والتدريب, ومعبرا أصدق التعبير عن الجهد الذي بذله القمص يوحنا ثابت الأب الروحي لمركز المشورة في شحن الهمم والطاقات, ليصبح البرنامج مثمرا بل ومفجرا لطاقات جديدة وبرامج جديدة تحيط الأسرة المسيحية بكل أفرادها بسياج يحميها ويحصنها ويجعلها قادرة علي مواجهة المصاعب والمشكلات.
شمعة في الظلام
الوقاية خير من العلاج.. هكذا استهل د. نبيل نصري مدير مركز المشورة كلمته قائلا: هذا النشاط الذي يقوم به المركز هو نشاط وقائي لا يمنع حدوث المشكلات في حياة الزوجين المرتقبين, وإنما يبصر بكيفية التعامل معها ويتوقع حدوثها فلا تفاجئه.
واستطرد بأن أهم أسباب المشكلات الزوجية هي سوء الاختيار لشريك الحياة, ولا يعني بالضرورة أن يكون الشخص سيئا, ولكنه قد يكون غير مناسبا لشخص ما ومناسب جدا لغيره, ولذلك تصبح أول خطوة في إعداد المخطوبين هي أن يفهم الشاب أو الشابة نفسه أولا, ومن ثم يعرف من الذي يناسبه ليشاركه الحياة.
تعجب د. نبيل من أن الزواج هو النشاط الإنساني الوحيد الذي نمارسه دون أن نعد له! وكم عبر الشباب من الجنسين بأن هذه الدورة أزاحت ستارا من أمام أعينهم وأنارت أفقهم في شئون الحياة الزوجية والأسرية.
وأضاف بأن أهم مقومات نجاح برنامج المشورة هي الفكر المستنير الداعم للآباء الكهنة رعاة كنيسة السيدة العذراء بأرض الجولف الذين يعطون دفعة قوية للقائمين علي البرنامج دون فرض فكر معين أو سيطرة بعينها, فضلا عن التخصصات الدقيقة للقائمين علي التدريب والحماس الذي لا يقل مع مرور الوقت بل يزداد اشتعالا وإيمانا بالدور الخطير لإعداد المخطوبين الذي يمثل شمعة في الظلام الذي يحيق بالأسرة.
بداية صحيحة
أعرب القمص ميخائيل إبراهيم راعي كنيسة السيدة العذراء بأرض الجولف عن أمنياته بأن يصبح إعداد المخطوبين للزواج إلزاميا لإتمام صلوات الإكليل.
وأشار إلي أن تأسيس أسرة مسيحية جديدة يعني تأسيس كنيسة صغيرة. كما قال القديس بولس في رسائله سلم لي علي الكنيسة التي في بيتك بكل ما تعنيه الكلمة من حضور لله في البيت, ومن الصلوات التي ترفع فيه والمحبة التي تسود أفراده.
وأكد القمص ميخائيل إبراهيم علي أن إقبال المخطوبين علي هذه الدورات يعني أنهم يريدون أن يبدأوا بطريقة صحيحة, وأن هذه الفكرة جاءت مبادرة من الكنيسة في استجابة لنيافة الحبر الجليل الأنبا بولا سكرتير المجلس الإكلريكي للأحوال الشخصية عندما أعرب عن أمنياته ودعوته لأن تحرص كل كنيسة علي برنامج إعداد المخطوبين لتأسيس أسرة مبنية علي الصخر.
مبادرة منهجية
ومن جهته عبر أ.د. رسمي عبدالملك مقرر لجنة التعليم بالمجلس عن الملي العام امتنانه بأن تكون في كنيستنا الأرثوذكسية هذا الإعداد المنهجي للمخطوبين, وقال: يحضرني قول أحد الفلاسفة عندما سئل: متي أبدأ في تربية ابني؟ فأجاب: قبل أن يولد بعشرين عاما, وكان يقصد أن النجاح في تربية الأبناء يعود لتنشئة صحيحة ومتكاملة لآبائهم منذ طفولتهم.
وأكد أن تبصير الخطيبين بسبل تفاهمهما وسعادتهما أصبح أكثر إلحاحا من أجل طفل سوي يواجه تحديات رهيبة من السماوات المفتوحة بالفضائيات والإنترنت.
نظرة أشمل
واختتم الأستاذ يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة وطني معبرا عن اعتزازه بأن تتبني الكنيسة التي تربي فيها رسالة إعداد المخطوبين لتأسيس أسرة جديدة مشيرا إلي تبني صفحة المرأة والأسرة والطفل في جريدة وطني هذه الدعوة لسنوات طويلة مسترشدة بمؤتمرات الأسرة التي أقامها نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها, وما حرصت عليه الجريدة بالتقاط أنه إرهاصات من الكنائس في هذا الشأن المهم, ونشرها لزيادة الوعي بأهمية هذه الدورات, واستطرد قائلا: إن الزيجات التي لم تنجح, ولم يكن الرب فيها هو سيد هذا البيت تفزعنا, وتجعلنا نحلم بأن يكون هناك إلزام للخطيبين بتقديم ما يثبت اجتيازهم لهذا البرنامج أو الدورة لكي يعطوا تصريحا بإتمام صلوات الإكليل.
كما أشار للمفاهيم الخاطئة داخل الأسرة عن الزواج والعلاقة التي تربط الزوجين, فقال: مفهوم الزواج خارج إطار الكنيسة يرسخ الفكر الذكوري وتسلط الرجل علي المرأة وسيادته عليها مما يخل بالتوازن بين شريكي الحياة, بل وينفر من الاختلاط بين الجنسين, ويفرض حالة من الصمت بين الأب وابنه والأم وابنتها في قضايا مسكوت عنها مثل التربية الجنسية, مما يحتم وجود مراكز لإعداد المخطوبين كملاذ أخير لتصحيح مفاهيم اختلطت في أذهان الكثيرين.
وأكد سيدهم أن الأمل في هذا الإعداد لا يعقد علي الكنيسة وحدها, لأن ما تخرجه هذه الدورات بالكنائس من عناصر جيدة لا يستطيعون أن يعيشوا بمعزل عن المجتمع, وقال: نحتاج بالتوازي لهذا الجهد أن تكون لدينا نظرة أشمل, ومجال أوسع لهذا الإعداد للمخطوبين يستفيد منه كل شاب وشابة من المصرين لحماية المجتمع.