بعد مرور أكثر من شهر علي مذبحة ماسبيرو الدامية لم تظهر للرأي العام أية معلومات رسمية بشأن هذه الأحداث, سواء عبر لجنة تقصي الحقائق المشكلة مما وزارة العدل أو عبر التحقيقات التي تجريها النيابة العسكرية, ولم يخرج إلا تقرير تقصي الحقائق الذي أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان, والذي طالب بإعادة التحقيق في الحادث عبر لجنة تحقيق مستقلة وتعقب الجناة.
طالب نشطاء حقوقيون بضرورة الإعلان عن الجناة وهذه المذبحة ومصارحة الرأي العام بما حدث, وعدم المرور بشكل عابر علي ماشهدته منطقة ماسبيرو في 9أكتوبر الماضي خاصة وأن الحادث يعد علامة فارقة في تاريخ العنف الطائفي, وإما أن يكون بداية للحلول الجذرية وإما أن يكون بداية لاندلاع جرائم عنف بين المسلمين والأقباط طالما لم تسع الدولة إلي ترسيخ دعائم القانون والمساواة واحترام الحق في الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.
ورفع المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريره إلي كل من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومجلس الوزراء لإيضاح بعض الحقائق التي توصل إليها المجلس, علي أن يتم الرد علي هذا التقرير خلال أيام, سواء بطلب توضيحات أكثر لضمها إلي لجنة التحقيق أو الاكتفاء بما جاء به.
أكد التقرير أنه في ظل عدم توفر المعلومات وعدم إعلان تقارير الطب الشرعي التفصيلية وعدم إمكان التوصل إلي أدلة حاسمة علي مصدر إطلاق الرصاص الحي في الحادث تقع مسئولية تحديد هوية المدنيين المجهولين ومحرضيهم من مرتكبي هذه الانتهاكات التي تشكل جرائم قتل عمد علي عاتق جهات التحقيق المختصة, خاصة وأن لدي اللجنة حالتين من المصابين من المتظاهرين بطلق ناري غير نافذ وتم حصولهم علي الطلقات بما قد يمكنهم من تحديد مصدرها.
نوه التقرير إلي أنه بعد الإعلان في التلفزيون الرسمي أن الأقباط يعتدون علي الجيش,ظهر عدد من المواطنين المدنيين يحملون العصيان الخشبية والحديدية والأسلحة البيضاء وانضموا لقوات الشرطة العسكرية في منطقة جراج ماسبيرو وفي المناطق المحيطة بفندق رمسيس هيلتون, وقاموا بضرب المتظاهرين وسبهم باستخدام عبارات مضمونها(الجيش والشعب إيد واحدة ضد النصاري), ووفقا لروايات الشهود فإن هؤلاء الأشخاص كانوا من المدنيين المجهولين والبلطجية القادمين من المناطق المجاورة لماسبيرو,كما تم ترويج شائعة مفادها أن المتظاهرين المسيحيين يقومون بقتل أفراد الجيش, مما دفع مجموعات من المدنيين المجهولين من المناطق المجاورة لماسبيرو, للخروج إلي موقع الأحداث والاعتداء بالضرب المبرح والأسلحة البيضاء علي المتظاهرين من المواطنين المسيحيين.
وأكد التقرير أن تغطية التلفزيون المصري لحادث ماسبيرو كانت فقيرة مهنيا وكانت التغطية تتسم بالتحريض وبث معلومات مضللة,وكاد بأخطائه أن يوقع البلاد في أزمة طائفية حقيقية, لولا المخزون الحضاري للشعب الذي رفضت جموعه محاولات التحريض والاستعداء ضد المواطنين المسيحيين, فحمت الوطن ووحدة شعبه من كارثة قومية محققة.
نوه التقرير إلي أن مصر تشهد منذ 1970 عددا من العمليات من قبل جماعات العنف المسلح لبعض التيارات الإسلامية المتطرفة التي استهدفت المواطنين المسيحيين والكنائس. وكان من أبرز الأحداث حادثة كنيسة الخانكة بمحافظة القليوبية والتي صدر بمناسبتها تقريرا في نوفمبر 1972 من لجنة لتقصي الحقائق برئاسة د. جمال العطيفي, تضمن توصيات من أهمها إخضاع تراخيص بناء أو ترميم الكنائس للقواعد العامة للبناء التي تسري علي بناء المساجد, وضرورة احترام حق المواطنين المسيحيين الدستوري في ممارسة شعائرهم الدينية دون تمييز, بالإضافة لإتاحة تدريس الدين المسيحي للتلاميذ المسيحيين في المدارس, علي أن تتسم دروس الدين, سواء للمسلمين أو المسيحيين, بالبعد عن التعصب, وضرورة إخضاع المساجد الأهلية لإشراف وزارة الأوقاف. وتمثل بعض هذه التوصيات أهم المطالب التي لم يتم الاستجابة لها حتي تاريخ هذا التقرير, وهو ما يوضح سبب تكرار أحداث العنف ضد الكنائس والمواطنين المسيحيين, مادامت الحكومة المصرية لا تملك شجاعة مواجهة الأسباب الحقيقية للعنف الطائفي واتخاذ ما يلزم من إجراءات وسياسات وإصدار التشريعات لمعالجتها.
وأنه نتيجة لغياب الأمن, وزيادة التعصب الديني, برز خطاب ديني من بعض قيادات الجماعات وقوي الإسلام السياسي, يتعارض مع مبادئ الدستور الأساسية بل ومباديء الشريعة الإسلامية, فيما يتعلق بموقف الإسلام من غير المسلمين, كما ارتفع صوت من يطالبون بتطبيق الحدود ووقعت تطبيقات مروعة,حيث قام بعض المتطرفين بإقامة الحد علي مواطن تنفيذا لحكم عرفي أدي لإصابته بعاهة مستديمة, دون أي احترام لسيادة القانون, بالإضافة إلي ذلك, زادت وتواترت حوادث الاعتداء علي المواطنين المسيحيين وحرق وهدم الكنائس منذ يناير 2011, سواء قبل الثورة أو بعدها, في ظل غياب أمني غير مقبول, علي نحو يشير إلي وجود أصحاب مصالح في إشعال الفتنة الطائفية في مصر. وترتب علي كل ذلك, تحرك بعض قطاعات من المواطنين المسيحيين للدفاع عن وجودهم والمطالبة بحقوقهم كمصريين, انطلاقا من الانتماء الديني.
نوه التقرير إلي أن عدد الضحايا نتيجة انتهاك الحق في الحياة بإطلاق النار علي الرأس والصدر وهو ما يشكل جرائم قتل عمد, 8 حالات ( 7 من المواطنين المسيحيين وحالة واحدة من العسكريين)وذلك وفقا لشهادات الوفاة التي صدرت لأسر الضحايا والتي أمكن الحصول عليها,وبيانات وزارة الصحة التي أكدت وفاة أحد جنود الشرطة العسكرية.
أوصي التقرير بالدعوة لتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة تنظر في هذه الأحداث في سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي , تخول بالإطلاع علي ما تم حجبه من معلومات, حيث إن اللجنة التي شكلت بتاريخ 10 أكتوبر الجاري,جاءت برئاسة وزير العدل بما يخل باستقلالها , وبما أن التقرير خلص إلي وجود تحريض واستعداء ضد المواطنين المسيحيين في تناول التليفزيون الرسمي لأحداث ماسبيرو ,فإنه يوصي بإحالة هذا الموضوع إلي تحقيق جنائي باعتبار أن التحريض جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات. ولا يكفي التقييم الذي خلصت إليه اللجنة التي شكلها السيد وزير الإعلام لبحث هذا الموضوع والتي خلصت إلي اعتباره خطأ مهنيا نظرا لتناولها الحدث من جانب واحد .
ودعا التقرير إلي أنه تقع علي الدولة مسئولية التعويض عما أنزله موظفو إنفاذ القانون من قتل وإصابات للمواطنين, وتطالب اللجنة بسرعة إقرار وصرف معاش استثنائي لأسر الشهداء من المواطنين المسيحيين, أسوة بما جري بالنسبة لشهداء 25 يناير. أما بالنسبة للإصابات, فتوصي اللجنة باستكمال علاج المصابين وتوفير الإمكانات لإجراء الجراحات للحالات الحرجة, وتحمل الدولة لكامل نفقات العلاج, بالإضافة لإقرار وصرف التعويضات وفقا للمعايير التي تطبقها القوات المسلحة, والتوصية بصرف التعويضات عن الخسائر في الممتلكات من جراء الأحداث من صندوق التعويضات المنشأ لدي وزارة المالية لهذا الغرض فيما يتعلق بثورة 25 يناير.
لاتوجد إرادة سياسية
قال الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض القاضي الدولي:حادث ماسبيرو من أبشع جرائم العنف الطائفي التي عصفت بالمجتمع, وأنه من المهم اتخاذ قرارات حازمة لمواجهة تداعيات هذا الحادث المؤلم, وعلي الدولة البدء فورا في تعقب الجناة وعدم إفلاتهم من العقاب كما كان يحدث من قبل, خاصة في ظل سقوط ضحايا, لانتشار ثقافة الكراهية والعنف وغياب الخطاب المعتدل في وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم, وأن المجتمع يدفع الثمن نتيجة هذه التراكمات.
أكد د.رياض:المجلس القومي سبق أن أرسل لجان تقصي حقائق لعدة حوادث طائفية وتم تقديم عشرات التوصيات ولكن للأسف لاتوجد إرادة سياسية لمواجهة هذه الحوادث وهو ما يؤدي إلي استمرارها وتفاقمها, وإلي عجز الدولة عن المواجهة.
شدد د.رياض علي ضرورة الاعتراف بوجود مشكلة كبيرة تتطلب الحزم والبدء فورا في الحلول وعدم منح أي تيارات متطرفة الفرصة لاستغلال حالة الانفلات الأمني في المجتمع ومايترتب عليه من صعوبات في الاعتداء علي الكنائس والأقباط وتحريض التلفزيون الرسمي المتعمد ضد الأقباط والكتابات في بعض وسائل الإعلام بشكل تمييزي لايتناسب مع روح المواطنة وحقوق الإنسان ومن ثم كانت النتيجة هي تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتعرض النسيج الوطن للشق.
من يأخذ زمام المبادرة؟!
وفي هذا الإطار عبر محمد فائق نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عن أسفه جراء استمرار الحوادث الطائفية دون اتخاذ مواقف حاسمة تجاهها, وقال: المجلس القومي منذ تأسيسه وهو يعمل علي ترسيخ ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان وصيانة حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية, وهذا التقرير اشترك فيه 12عضوا من أعضاء المجلس إلي جانب عدد من الباحثين وهو ما يؤكد الاهتمام الكامل بضرورة التكاتف والمصارحة والبدء في العلاج من الجذور.
وأضاف فائق: المشكلة الطائفية معروف كيفية مواجهتها ولكن يتبقي من يأخذ زمام المبادرة وكيفية الحل, والشروع في المواجهة الصارمة لإرساء دعائم الدولة الحديثة.
من جانبه انتقد صفوت جرجس مدير المركز المصري لحقوق الإنسان قال: هناك تباطؤ في الإعلان عن الجناة في حادث ماسبيرو بمرور أكثر من شهر دون الكشف عن جوانبه, واكتفاء مجلس الوزراء بمعالجة المشكلة بالمسكنات والتصريحات المطمئنة دون اتخاذ قرارات صارمة ومجلس الوزراء أعلن فور اندلاع الحادث عن صدور قانون دور العبادة خلال أسبوعين وتقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة, وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته رغم مرور عدة أسابيع علي الحادث.
أعرب جرجس: نأسف لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية جراء حادث ماسبيرو رغم أن الشرطة العسكرية طرف في الاعتداءات وقامت المدرعات بدهس المواطنين.