كشف تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية في العالم لعام 2009 عن تراجع الحريات الدينية في مصر, وأكد التقرير فشل الحكومة المصرية في التعامل مع حوادث العنف الطائفي.
قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في مقدمتها للتقرير: في كل عام يعكف الموظفون في مكتبنا المعني بأوضاع الحرية الدينية الدولية علي العمل مع سفاراتنا في الخارج والخبراء هنا في واشنطن لإنتاج أشمل دراسة مسحية في العالم للحرية الدينية, يتفحص هذا التقرير كيف تقوم الحكومات في 198 بلدا وإقليما بحماية الحرية الدينية أو بعدم قيامها بذلك, ويسلط الضوء علي الانتهاكات التي ترتكبها الدول والمجتمعات, ويلفت الانتباه إلي الخطوات الإيجابية التي تتخذ من قبل العديد من الدول والمنظمات لتعزيز الحرية والوئام بين الأديان.
وأشارت كلينتون: استنادا إلي تجربتنا الخاصة فإننا مقتنعون بأن أفضل علاج ضد التعصب لا يتمثل في تشويه النهج الديني المتمثل في منع ومعاقبة التعبير المثير للعداء, بل في مزيج من الحمايات القانونية القوية ضد التمييز وجرائم الكراهية والتواصل الحكومي النشط مع مجموعات الأقليات الدينية, والدفاع القوي عن حرية الدين والتعبير علي حد سواء.
وختمت كلمتها قائلة: إننا نرجو أن يشجع تقرير الحرية الدينية الدولية الحركات الحالية المدافعة عن الحرية الدينية في شتي أنحاء العالم ويروج للحوار بين الحكومات والمجتمعات حول أفضل السبل لتلبية متطلبات الطوائف الدينية وحماية حق كل فرد في الإيمان أو عدم الإيمان علي النحو الذي يراه ذلك الفرد مناسبا.
مناخ يسمح بالإفلات!
أوضح التقرير أن الحكومة المصرية تعمل علي عقد جلسات الصلح العرفي عقب الحوادث الطائفية لإنهاء المشكلة وتتجنب الملاحقة القضائية لمرتكبي الجرائم ضد الأقباط, مما ساهم في خلق مناخ يسمح بالإفلات من العقاب ويشجع علي مزيد من الاعتداءات, وقام التقرير بعرض الحوادث الطائفية التي تم فيها استخدام الصلح العرفي, وما ترتب علي ذلك من تفاقم للمشكلات وليس حلها, راصدا فشل الحكومة في تقديم مرتكبي الجرائم ضد الأقباط للمحاكمة.
منع التمييز
نوه التقرير الأمريكي إلي أن الحكومة فشلت مرة أخري في سن قانون وممارسات حكومية تمنع التمييز ضد المسيحيين, مشيرا إلي التقرير السنوي الخامس للمجلس القومي لحقوق الإنسان, الذي أعرب فيه عن قلقه من التوتر الطائفي وضرب التقرير مثالا بما حدث في عين شمس عندما هاجم المتطرفون كنيسة غير مرخصة وحرقوها, وقيام مجموعة أخري بإحراق منازل البهائيين في سوهاج.
اعتمد التقرير علي ما نشرته وطني في 12 أبريل الماضي, حيث تم ذكر أنه من بين 700 وظيفة لمنصب رئيس جامعة ونائب رئيس وعمداء للكليات لم يلاحظ إلا قبطي واحد, كما رصدت اليوم السابع قبول 24 قبطيا في كليات الشرطة من بين 1600 متقدم.
بناء الكنائس والترميم
ولفت التقرير النظر إلي أن السفيرة الأمريكية بالقاهرة مارجريت سكوبي وكبار المسئولين في الإدارة الأمريكية, وأعضاء الكونجرس أعربوا لكبار المسئولين الحكوميين في مصر عن قلق واشنطن بخصوص التمييز الديني, خاصة استمرار التمييز الذي يتعرض له المسيحيون في بناء الكنائس وصيانتها, والتمييز الرسمي ضد البهائيين, ومعاملة الحكومة للمواطنين المسلمين الذين يرغبون في التحول إلي عقائد دينية أخري, مع استمرار العمل جزئيا بالمرسوم العثماني والمعروف بالخط الهمايوني الصادر في عام 1856, الذي ينص علي ضرورة حصول غير المسلمين علي مرسوم رئاسي لبناء كنائس ومعابد جديدة, مشيرا إلي أنه رغم إصدار الرئيس مبارك للمرسوم رقم 2005/291, الذي يمنح المحافظين, سلطة منح التراخيص للطوائف المسيحية التي تسعي لتوسيع الكنائس القائمة أو إعادة بنائها, إلا أن قادة الكنائس يشكون من تأخير عملية إصدار التصاريح من جانب المسئولين المحليين.
تضييق الخناق
وعلي الرغم من إشادة التقرير بقيام الحكومة بإصدار بطاقات هوية للبهائيين, إلا أن البهائيين يواجهون صعوبات علي المستويين الشخصي والجماعي, كما تقوم الحكومة بتضييق الخناق علي الأقليات الدينية الأخري مثل القرآنيين والشيعة, وتقوم باعتقال بعضهم.
أشار التقرير أيضا إلي المتحولين دينيا وخاصة العائدين إلي المسيحية, حيث أكد التقرير أن الحكومة تعتقل وتضايق بعض المتحولين من الإسلام, وتحاول إقناعهم بالعودة لدينهم, ولفت النظر إلي أن الحكومة تقوم بتعيين الأئمة الذين يؤمون الصلاة في المساجد وتدفع مرتباتهم وتراقب خطبهم, بينما لا تقوم بالمساهمة في تمويل الكنائس المسيحية أو دفع جزء من مرتبات القساوسة.
وأبرز التقرير أن الحكومة المصرية قامت بذبح ما بين 300 ألف إلي 400 ألف خنزير وهو ما أضر بالحالة الاقتصادية لبعض للأقباط, وأسرهم الذين يعتمدون علي الخنازير وجمع القمامة في دخلهم, وتسبب في مشكلات كثيرة فيما بعد.
القمع الديني
سلط التقرير الضوء علي الدول التي تتهمها واشنطن بالقمع الديني الشديد ومنها كوريا الشمالية وإيران, واعتبر أنها من بين أسوأ منتهكي الحرية الدينية في العالم, حيث أشار التقرير إلي أن كوريا الشمالية التي يشار إليها دوما علي أنها من بين أشد خصوم الحرية الدينية تواصل إعاقة كل الأنشطة الدينية التي لا تقرها بينما شهدت حكومة إيران تآكل التسامح الديني المحدود بالفعل مما أوجد بيئة مهددة للأقليات الدينية, وسجنت الجمهورية الاسلامية وضايقت وروعت أشخاصا بسبب معتقداتهم الدينية بينما كثفت وسائل الإعلام الإذاعية والمطبوعة من حملاتها السلبية ضد الأقليات الدينية خلال الفترة موضع الدراسة.
الحجاب التركي
وأشاد بما حققته تركيا في مجال حقوق الإنسان, إلا إنه سجل انتهاكات وصفها بأنه لا يمكن التغاضي عنها, حيث انتقد التقرير بشدة حظر المؤسسات العامة والتعليمية في تركيا ارتداء الحجاب, واعتبره إخلالا أكيدا بحقوق الإنسان, كما انتقد تصاعد مشاعر العداء داخل المجتمع التركي إزاء اليهود الأتراك, ولاسيما بعد أحداث غزة, والتأكيد علي أهمية إعادة فتح مدرسة الرهبان التركية التي كانت موضع نقاش خلال زيارة الرئيس أوباما لتركيا في السادس من إبريل الماضي.
وأشار التقرير الأمريكي إلي ست دول أخري قال إنها ارتكبت انتهاكات فاضحة للحرية الدينية خلال العام الماضي وهي ميانمار والصين والسودان وإريتريا والسعودية وأوزبكستان وهي نفس القائمة التي قدمتها وزارة الخارجية في العام الماضي.
السعودية تمنع
وذكر التقرير أن السعودية – وهي حليف دبلوماسي للولايات المتحدة – تمنع رسميا الممارسة العلنية لأي ديانة أخري إلي جانب الإسلام, وفي بعض الحالات لم يتم احترام ذلك فيما تعرض الشيعة في أحيان للتمييز الديني والقضائي.
انتقادات للصين
أضاف أن الصين حققت بعض التحسن بما فيه زيادة التسامح لبعض الجماعات الدينية التي تري الحكومة أنها لا تمثل تهديدا, إلا إن التقرير انتقدها لقمعها الديني الشديد في التبت وفي منطقة شنجيانج الواقعة في غرب البلاد التي شهدت موجة من العنف في يوليو الماضي بعد اتخاذ إجراءات صارمة ضد احتجاجات من قبل المسلمين اليوجور, واعتبر أن بيجنج تقمع انشطة رجال الدين الكاثوليك السرية لأنهم يظلون إلي حد كبير موالين للفاتيكان كما قيدت ما تسميه بالديانات الشريرة مثل جماعات مسيحية عديدة وجماعة فالون جونج.
تسامح بالإمارات
وأوضح أن الإمارات تكفل حرية الممارسة الدينية بنص الدستور, ولم يلاحظ خلال الفترة التي يغطيها التقرير أي تغير لجهة احترام الحرية الدينية, وأن معتنقي الأديان والعقائد المختلفة يمارسون عباداتهم من غير تدخل من الدولة. وأن الدولة تتبني سياسة التسامح الديني, كما أن الدولة تشجع الاعتدال وتحض مواطنيها علي عدم اعتناق الاتجاهات أو الأيديولوجيات المتطرفة.
الكويت تحترم
وفي الكويت رصد التقرير وجود جدل مستمر حول جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم معتبرا أن الأغلبية تري أنه لا حرج في ذلك بينما تعارض الأقلية تقديم التهنئة لهم, واستشهد التقرير بالمادة الدستورية التي تنص علي أن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع, معتبرا أن الحكومة الكويتية تحترم الحرية الدينية بشكل عام علي الرغم مما يتعرض له بعض الأقليات الدينية من تمييز, وقدر التقرير عدد المقيمين المسيحيين بـ450 ألفا والهندوس بـ300 ألف والبوذيين بـ100 ألف, والبهائيين بـ400 مقيم.
كما نوه التقرير إلي أن الترخيص ببناء الكنائس في الكويت يتطلب موافقة عدة جهات حكومية منها وزارة الشئون الاجتماعية والعمل وبلدية الكويت ووزارة الداخلية, مشيرا إلي أنه علي الرغم من عدم وجود قائمة رسمية بعدد الكنائس الكويتية إلا أن هناك سبعة كنائس لديها ملفات في وزارة الشئون الاجتماعية والعمل التي تسمح لتلك الكنائس بجلب العمالة اللازمة لإدارة العمل بها.
تحامل ديني بالسودان
كما اتهم التقرير الحكومة السودانية بفرض قيود مشددة علي حرية العبادة في الولايات الشمالية رغم أن المسيحيين يمارسون طقوسهم في الأعياد والصلوت الأسبوعية في الكنائس دون تدخل حكومي, إلا أن هناك تمييزا علي أساس الدين والمذهب والمعتقد وتحاملا دينيا.
وفي هذا الإطار وجه التقرير سهامه نحو الصحافة الجزائرية بخصوص ما تنشره عن التبشير في منطقة القبائل, مشيرا إلي أن عدد المتنصرين الذي تنقله الصحافة مبالغ فيه كما أن العديد من المسيحيين يعقدون اجتماعاتهم الدينية في أماكن وصفها بـكنائس منزلية وهي عبارة عن منازل أو محلات يمتلكها أعضاء من الكنيسة المسيحية, وينقل التقرير قلق المسيحيين بالجزائر كون الحكومة لم تمنح الاعتماد لمنظماتهم الدينية وأماكن العبادة الخاصة بهم علي الرغم من أنهم بذلوا جهودا لجعل منظماتهم تتوافق مع القانون الجزائري, حيث أشار العديد من الجماعات المسيحية إلي محاولاتها العديدة في الحصول علي الاعتماد غير أنها فشلت في ذلك بسبب عدم وضوح الإجراءات الإدارية اللازم القيام بها, وأن بعض المسئولين في الحكومة لم يبدوا استعدادا لدراسة طلبات المسيحيين علي الرغم من علمهم بالإجراءات الإدارية الواجب القيام بها في هذا الخصوص.
وتمييز في إسرائيل
وذكر التقرير الأمريكي أن حكومة إسرائيل تمارس التمييز ضد غير اليهود, وأن الحكومة تخصص الأموال للجماعات الدينية اليهودية, رغم أن أعضاء هذه الجماعات يرتكبون أعمال تمييز وانتهاكات ضد عرب 48 الفلسطينيين المسلمين وأتباع الكنيسة الإنجليزية.
يذكر أن التقرير السنوي يتم جمعه من مصادر تشمل الصحفيين والأكاديميين والمنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان والجماعات الدينية, والسفارات الأمريكية بمختلف عواصم العالم.
وطني استطلعت آراء بعض المحللين السياسيين حول مدي تأثير التقرير السنوي للحريات الدينية الذي تصدره الخارجية الأمريكية وما إذا كان أداة ضغط الإدارة الأمريكية تلعب بها وقت الأزمات وهل يحفز لمزيد من الإصلاحات بهذه الدول:
قال الدكتور سامر سليمان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إن تقرير الخارجية الأمريكية يؤثر علي سمعة الحكومات في العالم, ولا يوجد لها أي تأثير أو تبعيات, إلا أنه في كثير من الأحيان تستخدم الولايات المتحدة مثل هذه التقارير كأداة ضغط علي الحكومات, فعلي سبيل المثال تم الضغط خلال الفترة الماضية في مصر بدعوي نشر حقوق الإنسان وترسيخ الديموقراطية, ومع الحرب الأمريكية تنازلت الولايات المتحدة عن الديموقراطية وخففت من ضغطها علي مصر في مقابل دور في مصري في الحرب الأمريكية.
نوه د. سليمان إلي أن القوي الداخلية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني هي التي تؤثر في تعديل الأوضاع وتحسين مناخ حقوق الإنسان, مع الاعتراف بدور المنظمات الدولية في الضغط علي الحكومة المصرية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
وأوضح أنه علي المدي القريب يستبعد حدوث أي إصلاحات للأفضل, ولكن علي المدي البعيد يمكن تعديل الأوضاع من خلال نشر الديموقراطية وإجراء إصلاح سياسي شامل, والعودة لأجواء ثورة 1919 والاتفاق علي أجندة مدنية ومشروع وطني يمكن أن يساهم في تعديل الأوضاع وترسيخ مناخ ثقافي وسياسي واجتماعي يسمح بحرية تداول السلطة والحفاظ علي ازدهار أوضاع حقوق الإنسان.
من جانبه قال محمد عبدالله خليل المحامي وخبير التدريب الحقوقي إن صدور التقارير الدورية عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم أمر متعارف عليه, خاصة أن حقوق الإنسان لغة عالمية وليست محلية, والتقرير الأخير الخاص بأوضاع الحريات الدينية في العالم لم يأت بجديد, وإنما يؤكد علي تراجع الحريات الدينية في مصر وبعض البلدان الأخري.
أشار خليل إلي أن أوضاع الحريات الدينية في مصر تؤكد أن تعديلها للأفضل يتطلب تعديلات ثقافية واجتماعية, أكثر من كونها بحاجة إلي تعديلات تشريعية, مشيرا إلي أن حوادث العنف الطائفي التي يشهدها المجتمع منذ سنوات يرجع معظمها إلي غياب تشريع ينظم بناء وترميم دور العبادة, ورغم أن هذا القانون طرحه الكثيرون منذ فترة, إلا أنه لم ير النور حتي الآن, وأعتقد أنه من المهم صدور هذا القانون في أقرب وقت, خاصة أن ممارسة الشعائر الدينية جوهر رئيسي من مبادئ حقوق الإنسان.
وأوضح أن تقرير الخارجية الأمريكية مثله مثل تقارير أخري تعلن عن طريقة إعدادها ومصادر معلوماتها, ويجب الرد علي مثل هذه التقارير بالأدلة والإحصائيات وليس بالكلام المرسل, ولابد من الاستفادة من هذه التقارير في تعديل أوضاع حقوق الإنسان أكثر من الهجوم علي التقارير فقط.