شهد المقر البابوي خلال الأيام الماضية العديد من المقابلات لقداسة البابا شنودة جرت جميعها في سياق حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام قداسته بالتصريح بالزواج الثاني لمطلق دون علة الزنا, وهو ما رفضه قداسة البابا لمخالفته لتعاليم الكتاب المقدس, وكان التأييد الجارف لموقف قداسة البابا هو السمة المشتركة في كل هذه اللقاءات التي تجلت صباح الخميس الماضي في رسالة الرئيس حسني مبارك لقداسة البابا شنودة الثالث التي حملها لقداسته الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية مؤكدا أن الأمور تسير في إطار احترام كامل للعقيدة المسيحية. زيارة الدكتور مفيد شهاب ولقاؤه بقداسة البابا بدأت بجلسة مغلقة بصالون البابا بالمقر البابوي بالعباسية, امتدت لنحو نصف ساعة, أعقبها مؤتمر صحفي في صالة المقر استغرق عدة دقائق أعلن فيه الدكتور شهاب أن الرئيس مبارك حريص علي رعاية مصالح الوطن وكل المواطنين أقباطا ومسلمين, وأنه جاء لمقابلة البابا شنودة حاملا رسالة تقدير من الرئيس مبارك ومن الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء, ذاكرا أن البابا شنودة كان نموذجا مشرفا للوطنية في كل المواقف التي تخص الوطن, وأن علاقة شديدة الخصوصية تجمعه بقداسته منذ أن كان رئيسا لجامعة القاهرة, وأعرب عن تأييد الدولة للكنيسة في تمسكها بعقيدتها, وأن الرئيس والدولة والحكومة يهمهم مصلحة الجميع, موضحا أنه خلال لقائه بقداسة البابا شنودة تبادلا الرأي كما هو معتاد, واستمعنا لتوجيهاته, وتحدثنا في كثير من القضايا العامة, وتعرضنا لقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين, الذي يمر حاليا بمرحلة الدراسة, وأكد د. شهاب في حديثه أنه سيخرج إلي النور في أقرب وقت, وأن اللجنة المكلفة بدراسته من قبل وزارة العدل قطعت شوطا جيدا ومستمرة في عملها بنشاط. * الدولة وليست الكنيسة من جانبه وجه البابا شنودة الشكر للرئيس ورئيس مجلس الوزراء والدكتور مفيد شهاب لسرعة استجابتهم لصدور قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين, وهو ما وصفه بأنه أحد أهم مطالب الأقباط, مضيفا أن الدولة هذه المرة هي التي تتبني خروج القانون إلي النور, وهي التي ستقدمه للجهات المسئولة, وليست الكنيسة, مما يؤكد حرص الرئيس علي تذليل الصعاب التي تواجهنا, وتفهم موقفنا الرافض لمخالفة الشريعة.. وفي سياق الحديث أكد قداسة البابا أن القرار الصادر برفض الزواج الثاني للمطلقين الأقباط لا رجعة فيه, وأن قانون الأحوال الشخصية – الذي سيصدر من قبل الدولة – لن يتضمن ما لا يتفق مع شريعتنا من قريب أو بعيد, والدولة تعمل بحرص من منطق احترامها لعقيدتنا. * المسودة الأولي الجدير بالذكر هنا أن قداسة البابا شنودة كان قد استقبل بالمقر البابوي بالعباسية الدكتور مفيد شهاب في أبريل الماضي في زيارة ودية للأخير لقداسة البابا في أعقاب عيد القيامة المجيد.. وتطرق الحديث مصادفة إلي مشروع قانون الأحوال الشخصية – قبل صدور حكم المحكمة الإدارية العليا – وأعرب يومها قداسة البابا عن استيائه لعدم خروج مشروع القانون إلي النور رغم تقديمه منذ عام 1980 إلي الدكتور صوفي أبوطالب رئيس مجلس الشعب وقتئذ, وأفصح الدكتور شهاب أن عدم تمرير مشروع القانون يرجع إلي وجود باب خاص بالتبني وهو ما يخالف الشريعة الإسلامية, إلا أن قداسة البابا ذكره بأن المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل الأسبق كان قد طلب في عام 1998 إعادة صياغة وعرض مشروع القانون مبررا أنه من المحتمل بعد مرور ثمانية عشر عاما علي تقديم المشروع أن يكون جد جديد يستوجب تعديل المشروع.. وأضاف قداسة البابا موجها حديثه إلي الدكتور شهاب – يومها – إنه أعاد تقديم المشروع لوزير العدل بعدحذف باب التبني حتي لا ندخل في صدام قانوني مع إخوتي المسلمين.. ولعل لهذا وصف الدكتور مفيد شهاب في المؤتمر الصحفي – الخميس الماضي – المشروع بقوله إن المسودة الأولي تم إعدادها بعناية. * كل الطوائف إن كانت زيارة الدكتور مفيد شهاب لقداسة البابا شنودة الثالث صباح الخميس الماضي حاملا رسالة الرئيس مبارك المطمئنة لموقف القيادة السياسية من قضايا المسيحيين واحترامها لعقيدتهم فإنه قد سبق هذا أيضا موقف إيجابي في مبادرة رسمية من وزارة العدل بتشكيل لجنة لدراسة مشروع القانون الموحد والموقع من رؤساء الكنائس المسيحية في مصر لإعداد قانون جديد للأحوال الشخصية لغير المسلمين يتفق وأحكام الإنجيل وتعاليم الآباء وتقاليد الكنيسة.. وفي هذا الإطار أصدر المستشار ممدوح مرعي وزير العدل قرارا بتشكيل اللجنة برئاسة المستشار عمر الشريف مساعد الوزير لشئون التشريع وضمت في عضويتها المستشار ملك مينا رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا الأسبق والمستشار بشري مطر رئيس محكمة الاستئناف, والمستشار منصف سليمان نائب رئيس مجلس الدولة سابقا, والمستشار مكرم لمعي رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية والأنبا يوحنا قلتة والسادة أماني البغدادي وأحمد محب وأحمد أنور.. والجدير بالذكر أن المستشارين ملك مينا وبشري مطر ومنصف سليمان أعضاء بالمجلس الملي العام ويعدون ممثلين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية, ونيافة الأنبا يوحنا يعد ممثلا للكنيسة الكاثوليكية كونه النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك بمصر, والمستشار مكرم لمعي من أبناء الكنيسة الإنجيلية.. وعلي هذا فإن تشكيل اللجنة بهذا النحو يعد متضمنا لممثلين لكل الطوائف المسيحية. * التزام القاضي والمعروف أن اللجنة قد بدأت أولي جلساتها صباح الأحد الماضي بحضور المستشار وزير العدل الذي أصدر توجيهاته بأن يتفق القانون مع العقيدة وألا يخرج عن فلسفتها وتطبيقاتها, مؤكدا أن لكل أصحاب عقيدة قانونهم, وأن العقيدة مجموعة من الأسرار بين العبد وربه ولا يحكمها إلا قواعد وضعها الله لعباده عن طريق رسله, ومن حق أي إنسان أن يختار ويعبد الله بمجموعة القواعد الإلهية التي يؤمن بها وليس لبشر أو حاكم أن يتدخل في اختيار إنسان لعقيدته, ولا في امتثاله للقواعد التي تحكم هذه العقيدة, وأنه في المجتمعات ودولة القانون لابد أن يكون تنفيذ قواعد العقيدة بقانون ينظم علاقات الإنسان مع غيره, وأنه إذا كان غير المسلمين في مصر في حاجة إلي قانون ينظم علاقاتهم الزوجية والأسرية بما يعرف بالأحوال الشخصية فإنه من الواجب وضع وإعداد القانون ليكون غير مخالف علي وجه القطع لما تأمر به عقائدهم في هذا الشأن, وأن القاضي يلتزم في قضائه بحدود هذه الشرائع. وأضاف الوزير – خلال ترحيبه بأعضاء اللجنة – أنه كان حريصا أن تضم في عضويتها ممثلين لكل الطوائف المسيحية.. وطلب من أعضاء اللجنة بذل كل الجهد لإعداد مشروع القانون خلال 30 يوما. * شأن حكومي ومن خلال متابعتنا لأعمال اللجنة علمت وطني أن اللجنة انتهت في الجلسة الثانية التي عقدت يوم الخميس الماضي – 17 يونية 2010 – من دراسة 40 مادة من إجمالي مواد المشروع وعددها 130 مادة مما يتوقع معه الانتهاء من صياغة مشروع القانون قبل 15 يوليو المقبل. وفي تخوف من أن انتهاء اللجنة من أعمالها في منتصف يوليو المقبل أو قبله بقليل يعني عدم عرضه علي مجلس الشعب في دورته الحالية, وعليه الانتظار إلي الدورة المقبلة, إلا أن هذا التخوف قلل من حدته الدكتور مفيد شهاب عندما أكد لقداسة البابا خلال لقائهما الخميس الماضي أن هناك خيارين, الأول أن يقدم القانون إلي الرئيس للتوقيع عليه واعتماده, أو الانتظار لحين انعقاد المجلس والموافقة عليه.. لكن يبدو أن قداسة البابا عند موقفه الذي سبق أن أعلنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده الثلاثاء 8 يونية الجاري عندما قال إنه لا يود أن يسبب حرجا للرئيس مبارك وفي هذه المرة قال قداسة البابا للدكتور مفيد شهاب: إن إصدار القانون شأن حكومي لن يتدخل فيه, وأن ما يهمه هو سرعة إصدار القانون وألا يكون فيه ما يخالف الإنجيل. * ما بعد الحكم وفي سياق متصل ولكنه علي الجانب الآخر المتعلق بموقف الكنيسة من حكم المحكمة الإدارية العليا, أو بتعبير أدق موقف قداسة البابا شنودة من الحكم باعتبار أن الحكم الصادر ألزمه بصفته.. وفي هذا الشأن فإن قداسة البابا شنودة الثالث قد التقي مساء الاثنين الماضي بالمقر البابوي بكل القانونيين في المجلس الملي سواء كانوا مستشارين أو محامين فضلا عن عدد من المحامين الأقباط لحسم الجدل القانوني حول الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة بإصدار تصاريح تسمح للأقباط المطلقين بالزواج الثاني.. وعلي حين تصاعدت المناقشات قدم الأستاذ فكري حبيب المحامي وعضو المجلس الملي العام ورقة تحمل مشروع طعن إلي المحكمة الدستورية العليا, وأعلن المستشار إدوارد غالب سكرتير المجلس أن قداسة البابا طلب منع أي محام تابع للكنيسة من إقامة دعوي قضائية بمفرده ضد حكم المحكمة الإدارية العليا, وأن قداسته كلف المستشار منصف سليمان عضو المجلس الملي لتقديم الطعن.. وعلمت وطني أن قداسة البابا التقي صباح الخميس الماضي بالمستشار منصف سليمان بمفرده لبحث الصيغة النهائية للطعن إلا أنه لم يتحدد موعد تقديمه.