الأمن والسلام…معنيان ظلت منطقة الشرق الأوسط تبحث عنهما لإرساء الاستقرار عقودا طويلة وكلما كادت تدركهما فرا من أيديها حتي أضحت بؤرة ساخنة وساكنوها عطشي للهدوء .
حول هذا الموضوع دار اللقاء الذي عقدته الجامعة الأمريكية بالقاهرة مع الدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمشاركة شخصيات أخري وذلك علي هامش فعاليات الاحتفال بافتتاح المقر الجديد للجامعة بالقاهرة الجديدة.
بدأ البرادعي حديثه حول التحولات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط فالمنطقة تمر بمرحلة تحول في ميزان القوي,لكنها تشهد أيضا مبادرات جديدة فرغم كل ما يحدث مد باراك أوباما الرئيس الأمريكي الجديد يده للجميع مستعدا للدخول في حوارات مع معظم الأعداء -علي حد قوله- وبلا شروط ,والنظر في القضايا التنموية وذلك لأن أوباما يري أن التركيز علي القضايا الساخنة في الشرق الأوسط يترجم فيما بعد كنتائج حاسمة.
ميزان القوي…
استطرد البرادعي:لا أدري كيف ومتي ستتحرك واشنطن لكن عندي أملا أصيلا في وجود عالم آمن وخال من الحروب ,وحتي يتحقق ذلك لابد أولا من حل القضية الفلسطينية,هذا بخصوص فلسطين. لكن مايخص ميزان القوي فإيران الآن هي أقوي دولة في المنطقة خلال الفترة القادمة وسنشهد تنافسا بين إيران وإسرائيل علي القوي بدلا من أن تجلسا علي طاولة المفاوضات,في نفس الوقت دخلت تركيا كلاعب بشكل متزايد في الفترة الأخيرة. أما الدول العربية فتجلس علي السور رغم أن قضايا الشرق الأوسط أولي بالأهمية والمشاركة من جانبها ,فهي لاتشارك ولاتساهم في حل أو تنظيم الاستقرار الإقليمي حتي الآن.
إذا نسفنا المفاعل!
وعلينا معرفة أن الحل لايكمن في نسف المفاعلات النووية بإيران باعتبارها تقوم بتخصيب اليورانيوم وسط معارضة دولية لاقتناء السلاح النووي ,فإذا نحن نسفناه ستبني إيران مفاعلا آخر تحت الأرض,وإذا نسفنا المفاعل هل لنا أن ننسف المعرفة,إن المعرفة لايمكن نسفها وهم يملكون المعرفة وكان من الممكن أن تصبح إيران ذات تأثير إيجابي في المنطقة بدلا من أن تصبح خطرا يؤثر علي الأطراف المتجاورة.
العرب ينشغلون:
أردف البرادعيهناك الكثير من المشاكل التي لابد من تنظيمها بين إيران والعالم العربي,هذا التنظيم سيظل بعيدا كل البعد إن لم يحاول العرب إشراك أنفسهم في العمل .ولن يأتي ذلك إلا إذا كفوا عن الحديث الذي لايشغل بالهم سواه الشيعة والسنة الأقباط والمسلمين فإنهم لايتحدثون إلا عن هذه الأمور!
عقب الكلمة الشاملة وإن كانت موجزة دارت حلقة نقاش بين جمهور الصحفيين ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
التهديد الإسرئيلي:
سؤال لجريدةوطني:لماذا التركيز علي إيران رغم امتلاك إسرائيل للسلاح النووي؟البرادعي:نعم أسأنا إدارة مسألة التهديد الإسرائيلي النووي علي مدار الأعوام الماضية ,وظللنا نصرخ فقط,ولم نصل لإطار أمني ,وكان لابد علينا كجزء من عملية السلام إقامة هيكل نووي واستبعاد السلاح النووي من إسرائيل…ولكن للأسف نزع السلاح ليس جزءا من أجندة الوكالة وإنما فقط منع انتشاره,ولم نتصور أن الوضع سيتردي هكذا منذ عام 1967 وحتي الآن,فلا نحن ولا الغرب عملنا بشكل جاد في هذا الاتجاه للوصول إلي حل قاطع.
قضايا مهمشة
سؤال لأحد الحضور من الجانب السوداني: تتحدثون اليوم عن السلام والأمن في المنطقة بينما تهمشون قضايا الجنوب السوداني ودارفور ,والذي لو انفجرا سوف يصبح الأمر بمثابة تسوناميعلي مصر فسينزح عشرة ملايين سوداني إليها,بينما تمنحون كل الاهتمام للقضية الفلسطينية فلماذا؟
الدكتور البرادعي :نحن نضع هذه القضايا أمامنا طوال الوقت,وإذا كان هناك انحياز نحو قضايا بعينها في المنطقة,فذلك لتفاقم الوضع,لكن لاشك أن أحداث دارفور والسودان والصومال قضايا خطيرة ومأساوية بل تتعدي خطورتها الحدود الدولية.
نتجه لحرب باردة جديدة!
مد أحمدي نجاد يده إلي الرئيس أوباما,وكذلك مد أوباما يده لنجاد عندما فتح الباب للحوار,وأعتقد أن هذه البداية تراجع عن الخطاب المتشدد تجاه بعضهما البعض,هكذا بدأ الدكتور ويليام كواندت أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرجينيا حديثه قال:إذا استطعنا تحييد سياسة طهران في اتجاه انتشار السلاح النووي سيكون ذلك بادرة طيبة لتحسن الوضع بالمنطقة ,ولكن للأسف واقع الأمور يقول إننا نتجه لحرب باردة جديدة في الشرق الأوسط ,فإيران تبدأ في تخويف بعض الدول الصغيرة المجاورة ,والحل هنا هو وقف التعامل مع إيران علي أنها دولة خطيرة سيكون ذلك إنجازا.
صفقة متبادلة
استرسل كواندت:كلي تفاؤل بسبب المبعوث الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط جورج فيتشل لكن ما الوقت الذي يمكن استغراقه لحل مشاكل المنطقة؟!هذا هو المحك الحقيقي لأن طول الوقت بدون حل سيزيد التطرف الديني والأيديولوجي والحكومات المهتزة ستزداد اهتزازا,لذلك إن لم تكن هناك صفقة متبادلة للسلام ستضيع الجهود أدراج الرياح,وذلك يمكن حدوثه بلا مظاهرات عالمية وإنما بإقرار السياسات الذكية.
التحدي الذي أمامنا
نحلم بعالم خال من السلاح النووي…لكن التحدي الماثل أمامنا في الشرق الأوسط هو انقسام الفلسطينيين علي ذاتهم وكذلك العرب,فما قاله البرادعي متفائلا للغاية,وأهنئه علي تفاؤله لكن المنطقة غير آمنة والدليل علي ذلك اليوم ونحن نحتفل بالعيد التسعين للجامعة الأمريكية كان علينا الاحتفال بحدثين مهمين :الأول الثورة الإيرانية التي كانت بادرة أمل فأصبحت تهديدا للمنطقة والثاني أكبر معاهدة سلام في المنطقة بين مصر وإسرائيل,بينما الآن نحن محبطون والمنطقة بأكملها عائمة في بحر من المشاكل!فالخليج فقد كثيرا من عوائد النفط,وهناك طوفان من العمالة قادم إلي مصر لايمكن احتواؤه كما يوجد 143 صراعا محليا بين الحكومات وبعضها من ناحية,وبين المجتمع المدني والحكومات من ناحية أخري,و16 نوعا من الجريمة المنظمة بدءا من غسيل الأموال وحتي الهجرة غير الشرعية,فماذا يمكننا أن نفعل تجاه كل هذه الصراعات.
الزيرو أوبشن!
في تحديده لمفتاح الحل قال نبيل فهمي -السفيري السابق لمصر في الولايات المتحدة :يمكن لأمريكا أن تقوم بالدور القيادي في المنطقة وتنجح فيه إذا اتبعت الأساليب المناسبة ,كما أنها تملك القوة لتحقيق ذلك ولكن تواجهها مشكلة فالاقتصاد الأمريكي لديه مشكلة الآن,وعلي أوباما أن يشرح للمواطنين الأمريكيين المصلحة التي ستعود عليهم من حل مشاكل الشرق الأوسط ويوضح لهم أنهم لن يدخلوا في صراعات الشرق الأوسط من باب الأعمال الخيرية,وأنهم سيستفيدون من حسم النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وصراعات الشرق الأوسط,فعندما يري الرأي العام الأمريكي هذا التدخل لصالحه سيتحول لتأييده.
استطرد السفير فهمي مشيرا إلي حركةالزيرو أوبشن -الخيار صفر- قال:هذه الحركة للتخلص النهائي من الأسلحة النووية,وحتي يتسني ذلك لابد أن تقرر أمريكا التخلص من أسلحتها النووية وتعقد اتفاقات ثنائية تحقق الأمن العالمي لتستطيع تحقيق هذا الخيار.
في النهاية ختم الدكتور البرادعي الندوة بكلمة :علينا أن نترك العالم الذي نعيش فيه إذا لم نكن أكبر قوة موجودة هاهنا,هكذا قالها بيل كلينتون,فإذا توجهت أمريكا للتخلص من الرؤوس النووية ستسير كل الدول في هذا الاتجاه,ولكن لن يحدث ذلك بين عشية وضحاها ولابد أن يوجد دائما مخالفون لكن علينا أن نبدأ الطريق الطويل لنظل قيد البقاء ويتحقق حلم عالم خال من السلاح النووي.
الأدب..العولمة..الأسواق…
جاء افتتاح الحرم الجديد للجامعة الأمريكية بالقاهرة الجديدة متزامنا مع الاحتفال بعيدها التسعين للتأكيد علي إسهاماتها الكبيرة في الحياة التعليمية والاجتماعية والمصرية..
أيضا شهد الأسبوع الماضي احتفالات ولقاءات يومية كان علي رأسها الافتتاح الرسمي الذي رأسته السيدة سوزان مبارك.. وعقدت بالأيام التالية مناقشات حول الأدب العربي والترجمة للكاتب علاء الأسواني,والعولمة والأسواق الاقتصادية للدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية إضافة إلي مناقشات لباقة من الأساتذة الأمريكيين في كافة المجالات.