إن الفيلم رسالة إنسانية, فجميع الأديان تحمل رسالة ضد القمع والاضطهاد هكذا قالت المخرجة المصرية نادية كامل عن فيلمها التسجيلي الطويل سلطة بلدي الذي حصل علي جائزة مهرجان الفيلم العربي لعام 2007, وهو أول فيلم مصري يتم تصوير بعض مشاهده في فلسطين وإسرائيل معا. ويمثل الفيلم وحدة العالم الإنساني, فيقدم حالة فريدة من التسامح وإلغاء كل أنواع التحزبات, والتعصب. الفيلم يصور عائلة المخرجة التي تتعدد أعراقها ودياناتها وتمتد في القري, والمدن داخل وخارج مصر…!
يبدأ الفيلم بالحفيد نبيل ابن دينا أخت المخرجة نادية كامل, وهو يصلي صلاة العيد في القاهرة, ويبدو نبيل مستمتعا بالعيد مثل باقي الأطفال وعائلاتهم. لكن يقطع هذه البهجة خطبة العيد التي يتبني خلالها رجل الدين خطابا تقليديا, عن الصراع بين المسلمين وأعداء الإسلام حسب تعبيره, ويدعوهم للجهاد ضد هذا الآخر الذي يريد تدمير الإسلام, وغيرها من مفردات الخطاب الديني المتطرف.. والذي دفع المخرجة للخوف علي الصغير مما سمعه في هذا الخطاب المتشدد.. وبعد عودتهم للمنزل تبدأ المخرجة محاولة توضيح فكرة التعددية والتعايش معا للطفل نبيل من خلال سلسلة من الحوارات, والزيارات.
البداية تكون بحكايات الجدة ماري – في الثمانينيات من عمرها – مع نبيل الذي لم يتجاوز العشر سنوات, فتسرد له الجدة أصول العائلة وأفرادها منذ زواج أبيها وأمها إلي اليوم, مرورا بهجرتهما إلي إيطاليا في الخمسينيات في الحقبة الناصرية للحاق بأخيها الذي سبقهما إلي هناك بعدما أصبح الأجانب, وخاصة اليهود منهم غير مرغوب فيهم في مصر وتعرضهم للمضايقات والضغوط التي شهدتها تلك الفترة. ولكن الجدة لم تسافر لارتباطها بمصري مسلم هو سعد كامل, وكانت هي مسيحية الديانة حينذاك, ووالدتها من أصل يهودي, ولكنها تزوجت به. فالجدة من أم مسيحية يهودية – إيطالية, والأب يهودي غير محدد الجنسية, وللعائلة أصول مختلفة إيطالية وروسية, وينتشر أفرادها في بلدان مختلفة: مصر وإيطاليا وإسرائيل وفلسطين.. وغيرها!
حينما تتحدث الجدة مع نبيل عن أقاربها في البلدان المختلفة تشعر بالحنين لرؤيتهم, بعد ما يقرب من نصف قرن من البعد المكاني عنهم.. وتبدأ الجدة مع الأسرة في الاستعداد لزيارة الأخ وأولاده الذين لايزالون يعيشون في إيطاليا.. وبالفعل يذهبون, ويتحدثون هناك مع الأخ الذي يسرد قصة خروجه هو ووالديه من مصر, والصعوبات التي واجهتهم في إيطاليا بعد الرحيل إليها.., وتعود الجدة مع أبنائها ونبيل إلي القاهرة وهي سعيدة برؤيتها لأخيها بعد سنوات طويلة.. وتفكر كذلك في زيارة أبناء العم الذين هاجروا إلي إسرائيل عام 1946, ولكن الأمر ليس بالبساطة التي حدثت حينما فكروا وسافروا إلي إيطاليا, فالوضع هنا مختلف, ويستلزم التريث قبل اتخاذ القرار بالسفر من عدمه.. وهذا ما دار حوله جزء كبير من الفيلم, فنجد هناك حوارات تلقائية تتسم بالمرح بين الجد, والجدة, والابنة, ونبيل حول إمكانية السفر إلي إسرائيل.. وعلي عكس توقعهاتهم جاء الرفض من قبل الأقارب المصريين المتدينين في حين جاء التشجيع من صديقات العائلة الفلسطينيات اللاتي قمن بتشجيع الجدة, وتبديد مخاوفهم من أن يعتبروا سفرهم لإسرائيل خيانة للقضية الفلسطينية حتي أن إحدي الصديقات من غزة قالت للجدة إنه منذ أن اتبع الكثير من البلدان المقاطعة, ورفض التطبيع زادت عزلة الفلسطينيين أكثر..!
اتخذت الأسرة القرار بالسفر, وبدأوا في إنهاء الإجراءات, ومثل مشهد اللقاء مع الأقارب الإسرائيليين تعددية الجنسيات واللغات حيث تحدثوا بكافة اللغات الممكنة العربية, الإنجليزية, الفرنسية, الإيطالية, الإسبانية, والعبرية.. ومع التواصل بلغة الجسد والمشاعر ذابت حواجز اللغة والدين والثقافة, والجنسية, والعداء السياسي..
بعد انتهاء الزيارة لإسرائيل واللقاءات والحوارات المتعددة, قاموا بتوديع بعضهم البعض أملا أن يتيح القدر لهم فرصة لقاء آخر قبل انتهاء العمر.. وعادت الجدة مع أسرتها إلي القاهرة.. وتظهر مشاهد صامتة يبدو منها تفهم الجيران والمعارف في القاهرة للزيارة لإسرائيل دون تحفظات, وتعود علاقتهم بالجدة والأسرة كما كانت من قبل.
حضر الفيلم عدد كبير أثناء عرضه وللمرة الثانية في معهد جوته, وأثار تساؤلات كثيرة لدي الحاضرين, كما أيقظ المشاعر الإنسانية لدي المشاهدين فيما يتعلق بالحب, والحنين إلي الأهل, والوطن أيا كانوا, وأينما وجدوا.. وشعر الجميع بمتعة المشاهدة لهذه السلطة الشهية المتعددة والتي لا تتعامل بمنطق الأحادية الذي زحف إلي مجتمعنا حتي أوشك علي السيطرة عليه.