للروائي الكبيرفتحي غانم رواية جميلة تحمل اسم تلك الأيام وتدور فكرتها حول فساد المثقف في ستينيات القرن الماضي. من هذه الرواية استوحي ابنه المخرجأحمد غانم أحداث فيلمتلك الأيام بعد أن اشترك في كتابة السيناريو مع علا عز الدين.
ولولا أخطاء التجربة الأولي لانضم هذا الفيلم الممتع إلي قائمة أهم أفلام السينما المصرية. وإذا كان من غير اللائق أن أشير إليأخطاء الفيلم في مقدمة الكتابة عنه, لكن ذلك لأنها للأسفعكرت صفو مشاهدة هذه التجربة السينمائية الرائعة..وكأنها بقع لونية ركيكة أصابت لوحة فنية مبهرة!!
تدور أحداث الفيلم حول المثقف الكبيرد.سالم عبيد -يقوم بدوره القدير محمود حميدة- هذا المثقف رمز للفساد علي عدة مستويات. والمهم عنده تحقيق مصلحته الشخصية دون أي اعتبار لأي شئ آخر فهو ينافق السلطة ويدافع عن كل فسادها في سبيل تحقيق الوعد بأن يصبح وزيرا. والفساد الذي ينخر كالسوس في نفس دكتور سالم ليس مجرد أمر ظاهري لكنه طبقات متراكمة في داخله استطاع السيناريو كشفه بالتدريج وبمهارة…وأجاد محمود حميدة أداءه بحرفية عالية. فالأمر ليس مجرد أن تكتب مقالا تدافع فيه عن السلطة الجائرة…الموضوع أعمق من ذلك بكثير كما تكشف المشاهد المتتالية والفلاش باك. فالدكتور سالمباع أصدقاءه عندما اعتقل واقتنع أثناء دراسته للدكتوراه بأمريكا أن المثقف في الدول المستبدة لا يستفيد إلا إذا وقف علي باب الحاكم وتحول إلي عبد له! وقبل أن يحصل علي10ملايين دولار لتأسيس جريدة من جهة أجنبية حتي إذا بصق الممول عليه…وعندما تري زوجته الشابةأميرة -تقوم بدورهاليلي سامي بأداء متميز- هذهالبصقة يسقط المفكر العظيم من نظرها تماما. لا تجد حيلة أمامها إلا اللجوء إلي الخمر والتسوق في محاولة للهروب من واقع يطاردها بكونهاباعت نفسها يوم أن تزوجت هذا الرجل الذي حقق الكثير لأسرتها الفقيرة.هذا الواقع الذي يكشفه لها بصراحةالضابط المستقيل علي النجار-يقوم بدوره بإتقان أحمد الفيشاوي- هذا الضابط الذي يستعين به زوجها ليعرف منه تجربته العملية مع الأرهابيين في التسعينيات وتدخل الكاميرا إلي أعماقه لنكتشف أنه يعاني من عقدة الذنب لأنه كان قد قتل إرهابيا انتقاما لصديقه بدل أن يلقي القبض عليه, خاصة وأن هذا الإرهابي قد رفع يديه مستسلما, ولهذا يقدم استقالته ويفتح محللعب أطفال.
وتتذكر الزوجة أن هذا الضابط هو الذي أنقذها أثناء هجوم إرهابيين علي قطار للطلبة ! وهي واقعة غير مقنعة لأن الإرهابيين كانوا يهاجمون قطارات السائحين ولم يحدث أن تم الهجوم علي قطار للطلبة, كذلك فإن تنفيد المشهد تم بالطريقة الهندية الشهيرة وهي تفجير لغم لإجبار القطار علي الوقوف!
وتحاول الزوجة اللجوء إلي هذا الضابط لكنه يكشف عن خيانتها لنفسها بالإبقاء علي زواج المصالح هذا وفي نفس الوقت يضيق زوجها بتصرفاتها خاصة بعد زيارة إلي أمهقدريه التي قامت بدورها الفنانة صفية العمري في اختيارمحير من مخرج الفيلم وذلك لأن صفية في المشاهدة المحورية القليلة التي تظهر فيها تبدو أصغر بكثير من ابنها!!وهي تطلب من ابنها أن يطلق زوجته لأنها لا تحبه, أما هو فيشيع عنها وسط أسرتها أنها مريضة نفسيا ويطلب منعلي قتلها في مقابل مادي وتوفير الحماية له, مؤكدا أنها زوجة منحرفة خائنة. وعندما يرفض علي يعطيه تليفونها الخاص ليسمع بنفسه مكالمتها الجنسية. وهنا يغضب علي لأنه كان قد وقع في حبها.وعندما يواجهها تكشف له أن الذي يحدثها في التليفون هو زوجها نفسه. وتتركه وتنطلق بسيارتها فيطاردها بسيارته علي كوبري قصر النيل حيث تستوقفهما الشرطة. في هذا التوقيت يكون الدكتور سالم في برنامج علي الهواء مباشرة يدافع فيه عن السلطة الفاسدة ويؤكد أنها تحقق الاستقرار. وفي الفاصل يحدثه الحارس الذي يراقب زوجته بأمر القبض عليها, فيتحدث مع شخص مهم في الداخلية الذي يسأله عن مكان وجوده فيقولإنه يدافع عن بلاوي النظام الفاسد ويبدأ في كشف هذهالبلاوي وينتهي الفاصل لكنه كان قد اندمج فيستمر في كشف خطايا النظام علي الهواء مباشرة في فضيحة مدوية يضيع علي أثرها حلم الوزارة. ويطلب منهالجلوس في البيت ويحاولعلي قتله..لكن الحرس الخاص يقتل علي, ونعود إلي الطريقة الهندية ونكتشف بعد قليل أن علي أصيب فقط ويذهب ليأخذ حبيبته, فيقتلسالم نفسه.
الفيلم جرئ وممتع رغم قلة عدد الأبطال فيه واستطاعأحمد غانم أن يقدم الصراع النفسي علي شاشة السينما وهو مخرج واعد بالفعل وعليه أن يتخلي عن مشاهدة الأفلام الهندية وأن يدقق في التفاصيل الصغيرة لأنها تلوث الأعمال العظيمة .ويبقي أنه كان يجب أن يصبح اسم الفيلمهذه الأيام لأنه يناقش الواقع لاالماضيالذي ناقشته الرواية.
Em:[email protected]