تفوق القبط أكثر من غيرهم في الصناعات المرتبطة بالأخشاب فلم يكتفوا باستخدام الأنواع المحلية من الأخشاب مثل خشب السنط والجميز واللبخ والنبق والصفصاف بل استوردوا أجود أنواع الأخشاب من الخارج مثل خشب الأبنوس والأرز والزيتون والصنوبر واستخدموها في أعمال النجارة الدقيقة مثل عمل المذابح والأثاث والتوابيت والحشوات الدقيقة التي كانت توضع في أفخم وأجمل الأبواب وأحجبة الهياكل والكرانيش والأعتاب العلوية.
ويقول بهجت فانوس مدير المتحف القبطي: قسمت الآثار الخشبية بالمتحف القبطي إلي عدة مجموعات طبقا للفترات الزمنية, فنجدها في القرن الثالث والخامس الميلاديين تحمل نقوشا بارزة مستمدة من البيئة في مصر, فنجد لوحات ذات ألوان رائعة بها رسوم للطيور والحيوانات مثل البط والتماسيح وأبومنجل وهي تسبح في نهر النيل وكذلك أوراق البردي وزهرة اللوتس والقوارب الشراعية وهي تبحر في النهر وقوارب صيد الأسماك.. ومعظم هذه اللوحات لم تتأثر ألوانها بفعل الزمن.
أما في القرن السادس والسابع أخذت الآثار الخشبية أشكالا ورموزا مسيحية في رسم الطيور والحيوانات الوديعة مثل الحمام والطاووس والغزلان والحملان والأسماك وأشكال للسيد المسيح والرسل والقديسين والملائكة إلي جانب حفر النصوص اليونانية والقبطية البارزة والغائرة.
وفي القرن السابع إلي التاسع الميلادي يغلب عليها الزخارف الهندسية وتكاد تخلو من المناظر التصورية وأشكال الحيوانات.. وفي الفترة ما بين القرن العاشر وبداية القرن الثاني عشر نجد المجموعة الرابعة التي جمعت بين الزخارف الهندسية والرسوم النباتية وهي مستمدة من أصول الحياة اليومية للأقباط والبعض الآخر منقوش في أوضاع متقابلة وعكس بعض مثل الأمشاط العاج الذي شكل علي وجهها بعض المعجزات والأحداث المهمة ورحلات صيد الحيوانات والمسابقات الرياضية.
أما المجموعة الخامسة فهي التي تفشت في العصر الأيوبي وفيها انعدمت صور الأشخاص والحيوانات والطير وحل محلها النقوش النباتية والزخارف الهندسية لكي تلائم العصر الأيوبي مع ظهور كتابات ونقوش باللغات القبطية والعربية والكوفية مطعمة بالعاج والعظم وهي في الفترة ما بين القرن الثالث عشر حتي القرن السابع عشر.
ومن الأمثلة الدقيقة في فن صناعة الأخشاب في العصر القبطي تقول ليلي فهمي المسئولة عن قسم الأخشاب بالمتحف القبطي: يوجد في قسم الأخشاب أقدم مذبح مسيحي في مصر من خشب الصنوبر وهو مستطيل الشكل ويرتكز علي اثني عشر عمودا لم يتبق منها غير ثمانية فقط والعمدان يعلوها تيجان ويعلو التيجان لوحات خشبية مطعمة بالصدف والصلبان مع وجود زخارف نباتية وطيور.. وأخذ من كنيسة القديسين سرجيوس أبوسرجة وواخس بمصر القديمة, ويظهر فيه إبداع الفنان القبطي ومدي حرفيته وصبره لإخراج التحف الفنية المصنعة من الأخشاب التي لا تضاهيها أي صناعة خشبية في العالم تقام علي أيد بشرية.
ويوجد أيضا باب خشبي ذو مصراعين من خشب الجميز والصنوبر من كنيسة القديسة بربارة من القرن الرابع والخامس الميلاديين وعلي أحد وجهتيه حشوات لزهريات يخرج منها أوراق وعناقيد كروم.. ومن أسفل تلفت الأجزاء العمودية منه بفعل الزمن والرطوبة, حيث عثر عليها أثناء ترميم كنيسة القديسة بربارة بين جدارين.. وعلي الوجه الآخر منه وجد نقش يمثل شخصا جالسا علي كرسي داخل مقصورة ويرجح أنه السيد المسيح ومن أعلي ملاكان فاقدا الرأس يحملان إكليلا بداخله في النصف العلوي شخص فاقد الرأس وبطرف الخشوة شخصان أحدهما يمسك بكتاب عليه نقش لصليب ويظهر علي الحشوات الأخري السيد المسيح والقديس مرقس والقديسة العذراء والاثني عشر رسولا, وهو من الأبواب القليلة المتبقية من العصرين الروماني والبيزنطي في مصر.