ظريفة…ظريفة…فين ظريفة؟ هكذا ظلت تنادي مدرسة الفصل في بداية العام الدراسي لأكثر من مرة ولم يرد عليها أحد فانتظر قليلا حتي تنتهي من قراءة باقية الأسماء بالكشف للتأكد منها وبعدها وجدت طفلا لم يكن اسمها ضمن ما تم المناداة عليهم فذهبت إليها وسألتهاأنت اسمك إية؟ظريفة؟! ردت الطفلة وقالتأنا اسمي صافي.
ووقتها كانت لا تعلم باسمها الحقيقي لتفاجأ أن اسمها الحقيقي ظريفة وتتبدل ملامحها ارتباكا أو خجلا إثر ضحكات زميلاتها من اسمها القديم والذي لا يتناسب مع ملامحها الطفولية البرئية, فما كان منها إلا البكاء…ثم تعرف من والدتها أنها اسمتها علي اسمجدتها!!.
هذا المشهد أصبح مسلسلا بغيضا لم تنته حلقاته بعد نجده يتكرر في حياتنا ليكشف واقع أناني تعيشه طفلة- لا تتجاوز الخمس سنوات من عمرها- يظلمها ويحرمها من حقها في العيش بصورة طبيعة كمن في عمرها وغيرها من الكثيرين الذين يعاشون ذات ظروفها حينما يضعهم والديهم ضحايا لأسماء أجدادهم (ست الدار, حكشة, حلاوتهم, ميمون, فتنة, …..) إحياء لذكري والديهم من باب العرفان والجميل..
للوقوف علي موقف الأهل من تسمية أبنائهم بأسماء الجدود أو بأسماء غريبة, ووضع الأبناء داخل المجتمع الذي يعايشونه…
يقول الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي بمعهد البحوث التربوية إنه فيما يتعلق بمسألة تسمية الأبناء, فالأمر يشوبه العديد من الظواهر الغربية لدي الآباء فمنهم من يختار لابنه اسم ذي مبررات سياسية أو أيديولوجية أو دينية أو خرافية أو بأسماء الجدود مثلما نحن بصدد الحديث عنه وهو ما كان مقبولا اجتماعيا في بداية القرون الأولي أمثال: (برعي, خضرة, ست أبوها, رسمية) وغيرها من الأسماء التي تعكس الحالة الاجتماعية والثقافية وقت ذاك, أما اليوم فالوضع مختلف تماما وأصبح التمسك بهذه الظاهرة لتسمية الابن أو الابنة باسم الجد أو الجدة فهذا وإن دل فهو يدل علي قلة الوعي وعدم التجاوب الصحي مع متغيرات العصر والتاريخ فأي منطق يقبل وأي عقل يصدق اختيار أب اسم والده وهو من مواليد عام1920 لتسمية ابنه بذات الاسم في وقتنا الحالي؟, وكأنه وقف به الزمن عند ذلك التاريخ دون أن يشعر بمتغيرات العصر والاحتياجات الاجتماعية لدي الأبناء وحقوقهم في العيش حياة طبيعة بأسماء طبيعية.
وللأسف لايزال الكثير منا ينساق وراء ذلك كتقليد أعمي نتيجة للعادات والتقاليد البالية التي تحكمنا, والدليل هو استمرارية المسلسل البغيض بالتوارث لتبقي علي هذه الأسماء القديمة وتخليدها لتظل علي قيد الحياة رغم رحيل أصحابها عن عالمنا هذا لتخلق معاناة حقيقية يعيشها كل من يجد نفسه ضحية وفريسة لذلك المعتقد فكم تغمرنا الدهشة حينما نسأل علي اسم مولود جديد لتصدم بآن اسمه عوضين علي اسم جده, أو أن يصر الأب علي تسمية طفلته اسم والدته بعد وفاتها وغيرها من النماذج.
ويوضح د.سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس موقف الأهل من تسمية الأبناء باسم الأجداد بأنه يرجع لسببين أما لإرضاء الأهل طمعا في ميراث أكبر, أو من باب العرفان والجميل, وهو ما قد يكون العنصر الأساسي في هذه الظاهرة لتجدهم يسعون لأحياء ذكري والديهم في شخص أبنائهم متمثلين بالمثل الشعبي المعروفإللي مالهوش كبير, يشتري له كبير وما بالك إذا كان هذا الكبير له صيت عالي وذي صوت مسموع وشخصية رائدة, قيادية, موجهة فيأمل الوالد أن يتشبه طفله بذلك النموذج الأكبر ليصبح كنسخة مصغرة, منه ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فما يراه الآباء من وجهه نظرهم أنه لا ضرر من تسمية أبنائهم بمثل هذه الأسماء تجد أنها قد تصيب الأبناء بالعدوانية والعنف تجاه الآخر منذ الصغر وهو وضع طبيعي, فكيف تكبر طفلة صغيرة واسمهاسيدة أونبوية علي سبيل المثال وسط بنات جيلها(مي, هند, لوسي)؟بالطبع تتأثر نفسيتها وتفقد الثقة في ذاتها ومن حولها وربما قد يصل بها الحال للاكتئاب إذ تعرضت للسخرية من زميلاتها وقد تلوم أسرتها علي اختيار اسمها وعليه تضطر أن تختار لنفسها اسما حديثا بين أقاربها وأصدقائها والمحيطين بما يواكب الأسماء الحديثة من حولها ليقتصر الاسم الحقيقي في شهادة الميلاد والأوراق الرسمية فقط لا غير حربا من واقع تعيشه ترغب في تغييره وتنساه وخجلا من أن ينادي عليها بذلك الاسم لعدم الإحراج وكأن الأمر يعد بالنسبة لها وصمة عار.
هذا وقد يتطور الأمر بمطالبة أخرون بتغيير أسمائهم رسميا خاصة إذا كانت أسماء هؤلاء الأبناء مرتبطة بالحيوانات وما أكثر العائلات التي يرتبط اسمها بذلك في وقتها الحالي أمثال الجحش, الحيوان, الضبع…. وهذا بالتأكيد له مدلولا سيئ غير مرغوب فيه لدي مجتمعنا أن يسمي أبناؤنا بأسماء تعد مجالا للسخرية ليصبح من حقه أن يتقدم بطلب تغيير اسمه لإحدي إدارات الأحوال المدينة طالما أن اسمه مخالف وغير لائق اجتماعيا حتي يتم النظر فيه وفق النظام والتعليمات الموضوعة للتخفيف عن معاناته وإنقاذه من واقع وجد نفسه فيه دون ذنب اقترفه سوي أن والديه قد جني عليه وحكم عليه أني حيا أسير لاسم غير مقبول اجتماعيا.
لذا ينصح الدكتور غريب عبد السميع أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان الأهل بأن يصحبوا أكثر تفاعلا مع متغيرات العصر والوعي بأن جيل اليوم يختلف عن الأمس, وأنه لم يعد مقبولا علي الإطلاق ونحن في عصر السرعة إحساس الشاب(الفتاة) بكهولتما قبل الأوان حينما يحمل اسم من الزمن الماضي. وعليه يتعاملوا مع الوضع بشئ من الحكمة واختيار أسماء أبنائهم بشئ من العدل لكونه سيظل ملازما لهم طوال حياتهم عالمين أن ذكري الوالدين في القلوب وليست في أسماء الأبناءكشكليات فارغة والبعد عن الأسماء التي تحمل أية صفة مستهجنة حتي لا تضر بصاحبها وتسبب له أثرا نفسيا هو في غني عنها.
ويذكر أنه للتخفيف من حدة ازدياد عدد الحالات المستهجنة من أسمائها ولخطورة المشكلة جاء قانون رقم 12لسنة 1996 بإصدار قانون للطفل لينص في مادته الخامسة: علي أن لكل طفل الحق في أن يكون له اسم يميزه ويسجل في سجلات المواليد وفقا لأحكام هذا القانون, ولا يجوز أن يكون الاسم منطويا علي تحقير أو مهانة لكرامة الطفل.
وهو ما يعد جرس تنبيه لكل أسرة بمراعاة اختيار اسم طفلها ليحيا حياة طبيعية سعيدة.