تتزايد صيحات الجماعات الدينية في البحرين وفي الكويت, وفي مناخ المزايدة في سوق العضلة الأخلاقية التي يرزح المجتمع العربي تحت وطأتها يتجاهل نواب الجماعات الدينية المشاكل الحقيقية التي تواجهها هذه المجتمعات مثل البطالة المقنعة والسافرة, وغياب معايير الشفافية, وتردي الأخلاق العامة, وتدهور التعليم العام, ومشكلة الإثراء غير المشروع للنواب أنفسهم حيث يتم استغلال المنصب النيابي لتحقيق المصالح الشخصية, وغياب معايير العدالة الاجتماعية, وانعدام تكافؤ الفرص في المجتمعات العربية.
والسؤال: لماذا لا يهتم نواب الجماعات الدينية بضرورة سن تشريعات قانونية لحل المشاكل المذكورة أعلاه؟ لماذا يهتمون بسواقط الأمور, ويتركون عظائمها؟ وإذا كان الموضوع يتعلق بالحلال والحرام, فإن انعدام العدالة الاجتماعية وغياب تكافؤ الفرص أكثر حرمة من غيره.
في الحقيقة أنهم قد فقدوا البوصلة التي تهديهم للتشريع الصحيح لأنهم اعتبروا الحلال والحرام أعلي قيمة من الإنسان ذاته, إضافة إلي حقيقة سهولة وضع تشريع مثلا لمنع سلوك, في مقابل صعوبة وضع تشريعات قانونية لإصلاح التعليم العام وتحقيق العدالة الاجتماعية, ومحاربة الإثراء غير المشروع, وهم جزء منه, من خلال قانون ##من أين لك هذا##؟ وما يتبعه من إلزام أنفسهم والمسئولين في الدولة من ممارسة سلطاتهم بشفافية. ومن المعروف أن الدول العربية والإسلامية تحتل ما دون قاع اللائحة الخاصة بوضع الشفافية في دول العالم.
نواب البرلمان في البلدان العربية والإسلامية أصبحوا جزءا من منظومة الفساد العام, بالإضافة إلي الحكومات نفسها, وبسبب كونهم جزءا من هذه المنظومة فإنهم يتجاهلون وضع قوانين لمحاربة الفساد في المجتمع. بل تكفي الإشارة إلي استغلالهم لمنصبهم البرلماني في الإثراء غير الخاضع للرقابة الحكومية, واستخدام مناصبهم لتنفيع الأصدقاء والأهل, وما هو معروف من شيوع ظاهرة ##الواسطة## التي قضت علي مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
من جانب آخر, تتواطأ الشعوب والحكومات العربية مع أمثال هؤلاء النواب لإبقاء الحال علي ما هو عليه حتي يخضعوا لرغبات الحكومات التي تتسم ممارساتها بتفشي الفساد الإداري وهدر المال العام وعدم الشفافية. وأما الشعوب فإنها لا تهتم بقضية الإصلاح السياسي والإداري لأنها بدورها مستفيدة من هذا الفساد لتحقيق مصالحها الشخصية علي حساب العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص. من منا لا يرغب أن تكون له ولأهله الأولوية في الحصول علي فرص العمل والترقي الوظيفي؟ من يستطيع أن يكبح جماح نفسه عن إنجاز معاملاته الرسمية غير القانونية؟ من يرفض واسطة نائب أو وزير ليتجاوز معيقات أو متطلبات منصب رسمي يوجد من هو أحق منه به؟ فالنوازع النفسية الإنسانية تنحو نحو الهوي أكثر مما تنحو نحو العدالة. وفي ظل غياب التشريعات القانونية والشفافية والمراقبة تتحقق المصالح والرغبات الشخصية, فلماذا العمل وبذل الجهد لتغيير الأوضاع المقلوبة؟
لكن وضع قوانين للشفافية وتحقيق معايير العدالة الاجتماعية والقضاء علي البطالة وإصلاح منظومة التعليم العام وفرض الشفافية, يقضي علي الإثراء غير المشروع ويفضح المستور.
لقد فقدت المجتمعات العربية حكومات وشعوبا البوصلة, ولذلك لا خير يرتجي من وراء البرلمانات العربية والشعوب التي تنتخبها, لأن الفساد أصبح طبيعة وسجية في النفوس والممارسات اليومية.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت